لجنة تحقيق برلمانية تؤكد وجود عمليات تعذيب في سجن وتحمل مدعي طهران السابق المسؤولية

قالت في تقريرها إن ما حدث في كهريزاك «مس بكرامة إيران» > اعتقال 30 من أعضاء مجموعة «أمهات في حداد»

TT

أكدت لجنة برلمانية، كلفت منذ أشهر، بالتحقيق في عمليات تعذيب ووفيات وقعت في سجن كهريزاك بجنوب طهران، وجود انتهاكات، وتعذيب، وحملت مدعي عام طهران السابق سعيد مرتضوي المسؤولية. قبل أن تؤكد أن ما حدث في السجن المذكور، «مس بكرامة إيران»، مطالبة بإحالة القضية إلى القضاء. وأكدت مصادر إيرانية أمس اعتقال 30 من أعضاء مجموعة «أمهات في حداد»، اللاتي يحتججن في طهران على موت أو اختفاء أبنائهن خلال المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية.

وقالت اللجنة البرلمانية في تقريرها الذي تمت تلاوته أمام مجلس الشورى أمس، إن «المعتقلين أرسلوا إلى كهريزاك بأمر من (مدعي عام طهران السابق سعيد) مرتضوي». ويشغل مرتضوي حاليا منصب نائب المدعي العام الإيراني، وهو حليف بارز للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وبحسب التقرير، اعتقل 147 متظاهرا في التاسع من يوليو (تموز) «لمدة أربعة أيام مع 30 مجرما خطيرا في غرفة ضيقة (70 مترا مربعا) وفي ظروف صعبة.. وتعرضوا للضرب والإذلال من قبل الحراس». وأضاف التقرير: «على السلطات القضائية.. أن تتخذ تدابير جدية بحق كل من هم وراء هذه الحوادث الصعبة من دون تحفظ وبغض النظر عن مواقعهم». وكانت السلطات الإيرانية أكدت في وقت سابق أن ثلاثة توفوا نتيجة الإصابة بالتهاب السحايا قبل الاعتراف بأنهم قضوا جراء جروح أصيبوا بها في هذا السجن. وأغلق سجن كهريزاك في يوليو (تموز) بقرار من مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي إثر هذه الوفيات ومعلومات عن سوء معاملة المعتقلين فيه. وترك مرتضوي الذي لعب دورا بارزا في المحاكمات الجماعية لإصلاحيين بارزين في يوليو منصب مدعي عام طهران وأصبح نائب مدعي عام إيران، وهو يشرف أيضا على الأجهزة المكلفة مكافحة التهريب.

وكانت «الشرق الأوسط»، قد كشفت مضمون هذا التقرير قبل أيام نقلا عن مصادر إيرانية، قالت إن لجنة التحقيق البرلمانية أكملت تحقيقاتها في القضية، ورفعت تقريرها إلى البرلمان الذي سيقوم بتوزيعه على النواب، لدراسته اعتبارا من جلسة يوم أمس.

ويقول التقرير الذي نشر في مواقع إيرانية على الإنترنت، إن المعتقلين بعد انتخابات يونيو (حزيران) احتجزوا في غرفة مساحتها 70 مترا مربعا لعدة أيام بينهم ثلاثة لقوا حتفهم. وجاء أيضا أن المساحة التي كانوا محتجزين بها افتقرت إلى التهوية والظروف الصحية الملائمة. وذكرت وكالة العمال الإيرانية للأنباء أن التقرير رفض زعما صدر عن المسؤولين في البداية ومن بينهم مدعي عام طهران سعيد مرتضوي بأن الوفيات الثلاث نجمت عن التهاب السحايا. وأضافت الوكالة: «نسبت وفاتهم إلى مشكلات متنوعة مثل ضيق المساحة وسوء الظروف الصحية والتغذية غير الملائمة والحرارة وقلة التهوية.. وأيضا نتيجة اعتداءات بدنية».

ويمثل التقرير الذي أصدرته اللجنة أمس انتقادا رسميا نادرا لمعاملة من اعتقلوا بعد انتخابات 12 يونيو التي أغرقت إيران في اضطراب سياسي عميق لا يزال مستمرا. وذكرت الوكالة أن التقرير رفض أيضا اتهامات المعارضة بأن بعض المعتقلين في كهريزاك تعرضوا لاعتداءات جنسية. وقالت: «لم تصل اللجنة إلى أي وقائع تحرش جنسي ونرفض هذا الزعم بشدة».

وتكونت لجنة التحقيق من ستة أعضاء من البرلمان على الأقل من النواب المحافظين والمعتدلين. ونقلت وكالة «مهر» للأنباء عن تقرير اللجنة أن مرتضوي أمر بنقل 147 ممن اعتقلوا بعد الانتخابات من سجن ايفين إلى كهريزاك جنوبي العاصمة طهران على الرغم من ضيق المساحة هناك. وقالت وكالة «مهر»: «وفقا لهذا التقرير رفض مسؤولو كهريزاك في البداية قبول المعتقلين بسبب عدم توفر أي مساحة، لكنهم في النهاية أجبروا على تسلم المعتقلين وعددهم 147 في مساحة 70 مترا مربعا بسبب إصرار مرتضوي». وأضافت: «احتجز المعتقلون لمدة أربعة أيام.. في هذه الغرفة من دون تهوية مناسبة أو طعام أو ظروف صحية مناسبة، وأيضا في ظروف عقابية صعبة للغاية».

ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن علاء الدين بوروجردي رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان قوله إنه بإصدار التقرير يكون المجلس قد قام بدوره الإشرافي وإن «اتخاذ الإجراءات اللازمة» يرجع الآن للقضاء. وكان مرتضوي قد اعتقل أكثر من 100 من الصحافيين ونشطاء ومسؤولين سابقين في الحكومة بعد المظاهرات التي أعقبت الانتخابات. ومنذ أواخر التسعينات يواجه حملة انتقادات لاذعة من الإصلاحيين، لإغلاقه عشرات الصحف الإصلاحية واعتقال العشرات من الصحافيين. وحسب خبراء إيرانيين، فإن الادعاءات الموجهة إلى مرتضوي تكشف عن وجود تيارين يتجاذبان داخل القوى المحافظة، أحدها بقيادة أحمدي نجاد، ويفضل هذا التيار شن حملة شديدة ضد المتظاهرين، والثاني يتقدمه خصوم الرئيس المحافظين الذين يؤيدون حلا وسطا لإنهاء الاحتجاجات. وقال محسن سازغارا، وهو من الشخصيات المعارضة ومحلل سياسي في واشنطن، في تصريحات سابقة: «إنهم يريدون التضحية بمرتضوي، ظنا منهم بأن الشعب سيتراجع». وأضاف في تصريح لصحيفة «نيويورك تايمز»: «هذا الفصيل المحافظ على استعداد للتضحية حتى بأحمدي نجاد لوضع حد للاحتجاجات».

والشبان الثلاثة الذين توفوا في المعتقل، هم محسن روح الأميني، وأمير جافاديفار، ومحمد كمراني. ومحسن روح الأميني هو ابن أقرب مستشاري مرشح الرئاسة محسن رضائي. ولم يشر التقرير إلى وفاة طبيب السجن رامين بوراندارجاني الذي توفي أيضا بعد كشفه لعمليات تعذيب داخل هذا السجن. وقد عثر عليه ميتا بعد مرور بعض الوقت من شهادته أمام اللجنة البرلمانية التي سألته عن الادعاءات القائلة بأن المسجونين قد تعرضوا للتعذيب والاغتصاب.

وكان مدعي عام طهران عباس جعفري دولت آبادي قال في وقت سابق إن طبيب سجن كهريزاك، مات مسموما خلال اعتقاله. وقال دولت آبادي إن «الطب الشرعي أكد أن التسمم كان سبب الوفاة.. لكن من غير الواضح ما إذا كان الأمر قتلا أو انتحارا». وأضاف أنه عثر على حبوب في صحنه. من جهة ثانية، أوقفت قوات الأمن نحو ثلاثين امرأة من أعضاء مجموعة «أمهات في حداد» اللاتي يحتججن في طهران على موت أو اختفاء أبنائهن خلال المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية كما ذكر أمس موقع للمعارضة على الإنترنت. وقال موقع «كلمة.أورغ» التابع لزعيم المعارضة مير حسين موسوي، استنادا إلى شهود إن هؤلاء النساء أوقفن السبت (أول من أمس) في حديقة «لاليه» في العاصمة. وقال شاهد لم يذكر اسمه: «اليوم (السبت) نحو الساعة 16.00 (12.30 ت غ) كنا في حديقة (لاليه) حيث كان هناك أيضا نحو مائة من رجال الشرطة.. يمنعون الأمهات من الجلوس على مقاعد أو الوقوف في مجموعات». وأضاف: «كان هناك نحو سبعين من الأمهات عندما بدأت قوات الأمن في طردهن من الحديقة. تمكن البعض من الهرب فيما ألقي القبض على نحو ثلاثين أجبرن على الصعود في شاحنة صغيرة للشرطة». وأوضح موقع «كلمة.أورغ» أنه تم اقتياد هؤلاء النساء إلى مركز للشرطة.

واستنادا إلى موقع «أمهات في حداد» فإن أبناء هؤلاء الأمهات قتلوا أو فقدوا خلال المظاهرات التي أعقبت إعادة انتخابات يونيو. وتتجمع الأمهات اللاتي يرتدين السواد بعد ظهر كل يوم سبت في حديقة «لاليه». ويقول موقعهن الإلكتروني إن قوات الأمن تكون موجودة بأعداد كبيرة خلال هذه التجمعات وإن بعضهن سبق أن تعرضن للاعتقال. واستنادا إلى الموقع، فإن مجموعة «أمهات في حداد» تشكلت إثر مقتل ندا أغا سلطان بالرصاص في 20 يونيو لتصبح رمزا للاحتجاج الشعبي والقمع. وقد أثار الفيديو الذي يصور موتها الذي وضع على الإنترنت شعورا كبيرا بالتأثر والاستنكار في العالم. وتطالب مجموعة «أمهات في حداد» بتقديم المسؤولين عن موت أبنائهن إلى العدالة وإطلاق سراح السجناء السياسيين. وتضم المجموعة أيضا مدافعين عن حقوق الإنسان.