رحلة داخل العقل الإرهابي

بعض الإرهابيين لهم عقلية إجرامية ومارسوا العمل الإجرامي سابقا.. وآخرون أقلعوا عن أعمال العنف من دون أن يغيروا آراءهم المتطرفة

TT

ما الذي يدفع بعض الأشخاص إلى قتل أنفسهم مع قتل أناس أبرياء من دون ذنب جنوه؟ أصبح الغموض الذي يكتنف هذا النمط من التفكير موضوعا للنقاش من جديد خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أن قام مفجر انتحاري في أفغانستان بقتل سبعة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وقام آخر بتفجير شاحنة ممتلئة بالمتفجرات داخل ملعب مزدحم في باكستان، وحاول نيجيري أن يفجر نفسه على متن طائرة كانت متجهة إلى مدينة ديترويت الأميركية في عطلة أعياد الميلاد. يذكر أنه حتى وقت قريب، كان علم النفس المرتبط بالإرهاب شيئا نظريا إلى حد بعيد. وكان العثور على عناصر واقعية يمكن دراستها أمرا صعبا. ولكن، بات من السهل التواصل مع شخصيات إرهابية. وعليه، فقد بدأ يتشكل علم ناشئ يرتبط بالإرهاب. ويتحدث عدد متزايد من الإرهابيين السابقين على الملأ عن تجاربهم، ويخضع عشرات الآلاف من الإرهابيين لبرامج «تحرير من الأفكار الأصولية الراديكالية» في مختلف أنحاء المعمورة، وتجرى معهم مقابلات وتتم استشارتهم ويخضعون لاختبارات نفسية، وجاء ذلك ليساعد على تجميع بيانات واقعية تتعلق بهذا الموضوع. وقد انتشرت الدعاية الإرهابية على شبكة الإنترنت، ومن الممكن التعرف على طريقة تفكير المتعاطفين مع الإرهاب، وتوجد قنوات تلفزيونية كابلية يديرها إرهابيون، ويمكن للباحثين الاطلاع على كتابات و«شرائط وداع» لعدد متنام من المفجرين الانتحاريين، بالإضافة إلى وثائق محاكمات الإرهابيين. وثمة قيود على الأبحاث الجديدة؛ فبصورة عامة، يكون من الصعب التثبت من التقارير التي يدلي بها متطرفون، ومعظمهم مسلحون إسلاميون. وغالبا ما تتباين آراء الباحثين بخصوص الطريق المؤدية إلى تبني منحى راديكالي. ويرجع البعض ذلك إلى الدين، فيما يقول آخرون إن ذلك مرده إلى الأوضاع السياسية والاختلاف حول السلطة، وتقول مجموعة ثالثة إن ذلك يعود إلى مجموعة من المؤثرات النفسية والاجتماعية. ومع أن الدوافع التي تقف وراء الأعمال الإرهابية ربما ترجع إلى عوامل نفسية متعددة، فقد تم تحديد مجموعة من الأنماط.

1- الطريق إلى أعمال العنف على الرغم من عدم توافر ملف تعريفي واحد عن الإرهاب، فإن ثمة توافقا بين الباحثين على العوامل التي تدفع إلى تبني هذا الاتجاه. وتتضمن هذه العوامل ما يصفه جيرولد بوست، أستاذ الطب النفسي وعلم النفس السياسي والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، بـ«تحول سني» في المعتقدات المتطرفة التي تبدأ مبكرا في الحياة، وإحساسا شديدا بالعزلة والتعرض للأذى، والاعتقاد بأن التجاوزات الأخلاقية من جانب العدو تبرر ممارسة العنف من أجل تحقيق «حال أفضل أخلاقيا»، والاعتقاد بأن المجموعة العرقية أو الدينية أو القومية التي ينتمي إليها الإرهابي شيئا فريدا يتهدده الانقراض، وأنهم يعوزهم النفوذ السياسي الذي يمكن من إحداث تغيير من دون استخدام العنف. وأظهرت الأبحاث أيضا أن بعض الإرهابيين لهم عقلية إجرامية ومارسوا العمل الإجرامي في السابق. 2- الحياة داخل التنظيم جذبت الهوية الجماعية، وليست الفردية، معظم الاهتمام خلال الأعوام الأخيرة. ولا توجد سوى حالات فريدة كان فيها أشخاص يعملون وحدهم من دون الارتباط بتنظيم، كما هي الحال مع تيودور كازينسكي وقناص واشنطن جون ألان محمد. ويعتقد معظم الباحثين أن هناك عوامل تنظيمية تصوغ أو تؤثر على السلوك المتطرف، سواء من خلال مبدأ ديني أو علماني. وقد جاء الإنترنت ليلعب دورا بارزا في زيادة عدد التنظيمات الجهادية، ومعظم هذه التنظيمات عبارة عن كيانات تابعة لشبكات أكبر أو تستلهم فكرها من تنظيم القاعدة. ويقول الدكتور بوست إن الإنترنت أعطى دفعة لما يصفه بأنه «مجتمع كراهية افتراضي». ويقول الطبيب النفساني مارك ساغمان، وهو ضابط عمليات سابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية ومتخصص في شؤون تنظيم القاعدة، ومعه آخرون، إن «نظريات الشخصية» لا تفيد في توضيح العمل الإرهابي، وإن ذلك يوضحه تفهم لأثر المجموعة على الفرد. وتقول إحدى النظريات إنه عندما يكون الفرد ضمن تنظيم، فهناك احتمالية أكبر لأن يتخذ قرارا محفوفا بالمخاطر؛ لأنه ينظر إلى المخاطر في هذه الحالة على أنها مخاطر مشتركة، ولذا تكون هناك رهبة أقل منها. وعندما يتخذ التنظيم منحى أكثر تشددا، فإن ذلك ينعكس على الفرد.

3- قضايا أخلاقية جمع جون هورغان، مدير المركز الدولي لدراسات الإرهاب في جامعة ولاية بنسلفانيا، تقارير عن 29 إرهابيا من أجل كتاب نشر العام الماضي، وكان عدد كبير منهم منشقين عن تنظيمات مثل «الجيش الجمهوري الأيرلندي» وتنظيم القاعدة. واكتشف هورغان أن الإرهابيين يعتقدون بأن العنف الممارس ضد العدو ليس عملا غير أخلاقي، ولكن لديهم قيود داخلية لا يتعلمونها في الأغلب حتى يصبحوا منغمسين داخل التنظيم بصورة كبيرة. وينفر بعض الإرهابيين الذين يقومون بقتل جنود خارج الخدمة من قتل الحيوانات، ويكتفي البعض بتحقيق مقدار محدود من الإصابات والقتلى. وعندما جاءت أوامر لأحد العناصر البارزة في الجيش الجمهوري الأيرلندي كي يطلق النار على ضابط شرطة والدته أرملة، قال إنه شعر أنه «سيكون عليه الدفع مقابل ذلك». واختبأ عندما قتل الجيش الجمهوري الأيرلندي شرطية حاملا، وسمع مدربه يقول «ربما نحصل على اثنين مقابل واحد».

4- المفجرون الانتحاريون من الصعب أن يغير الإرهابيون من اتجاههم، وهذا شيء صحيح بالنسبة للمفجرين الانتحاريين المحتملين، فبمجرد تكليفهم بهذه المهمة، يطلق عليه لقب «شهيد يمشي على الأرض». والتراجع عن ذلك يكون سببا في الشعور بالخجل والمهانة. ويتحدث فاثلي موغدام، أستاذ علم النفس بجامعة جورج تاون، عن «سلم الإرهاب»، ويصفه بأنه وسيلة يمكن من خلالها فهم كيفية تبني الإرهابي منهجا راديكاليا، حيث تضيق درجات هذا السلم في الأعلى، ولذا يصبح من الصعب على الشخص العودة إلى الوراء مع كل خطوة يخطوها. وفيما يتعلق بعمليات القتل، توجد تفسيرات متنوعة بين المسلمين لنظرة الإسلام إلى الانتحار. ويحظر القرآن الانتحار، حسب ما يقوله رجال دين. ولكن تؤكد بعض التنظيمات الإرهابية على أنه بوصف المفجرين الانتحاريين بأنهم «شهداء»، يصبح ما يقومون به من تدمير للذات أمرا مسموحا به لأنه يأتي في صورة التضحية بالنفس، إذ إنه من المشرف أن يموت المرء في ساحة القتال ضد الكفار. ويرجع كثير من الأبحاث الحديثة هذه الظاهرة إلى دوافع أخرى، من بينها الرغبة في الحصول على شرف، والولاء لقائد، والرغبة في الانتقام، والدعم المادي الذي تتعهد التنظيمات الإرهابية بتقديمه إلى عائلة الشهيد بعد أن يقضي نحبه. 5- الإقلاع عن ممارسة الإرهاب ترأس الدكتور هورغان كثيرا من عمليات البحث حول ما يعرف باسم فك الارتباط، وهو ترك الإرهابي التنظيم الذي ينضم إليه. وخلص إلى أن الإرهابيين يمكن أن يقلعوا عن أعمال العنف من دون أن يغيروا آراءهم الراديكالية. واكتشف أيضا أن البعض يمكن أن يقلع عن ممارسة الأعمال الإرهابية بعد أن يتبين له زيف الحياة في الحركات الإرهابية. ودائما ما يُمنَّى الأفراد الجدد داخل التنظيمات الإرهابية بحياة مثيرة تحفها المغامرات وفرصة للمشاركة في تغيير العالم. ولكن ما يجدونه غالبا، حسب ما يقول الدكتور هورغان، هو أن التنظيمات التي ينضمون إليها تمزقها المصالح الشخصية. وربما ينتهي المطاف بالعضو داخل تنظيم إرهابي إلى العيش داخل منزل آمن.

* خدمة «نيويورك تايمز»