الحرس الثوري الإيراني يحكم سيطرته على الاقتصاد والسياسة.. ويحد من خيارات أميركا

يدير مطار طهران ويشرف على بناء الطرق والأنفاق وبرامج التسلح والاتصالات.. ونفذ عقودا بـ6 مليارات دولار

TT

أشار مسؤولون أميركيون ومحللون إلى أن التوسع الكبير في الدور الذي تلعبه مؤسسة الحرس الثوري الإيراني يمنح قوة النخبة نفوذا سياسيا واقتصاديا جديدا، لكنه في الوقت ذاته ربما يعيق من جهود الولايات المتحدة وحلفائها للضغط على النظام الإيراني.

ويقول قادة الحرس الثوري، إن نمو المؤسسة يمثل توسعا منطقيا لمؤسسة ليست قوة عسكرية، بل حركة شعبية تحمي مُثل الثورة الإيرانية والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وقد توازى مع توسع دور الحرس في المجال الاقتصادي دور أكبر في السياسة والأمن منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو (حزيران).

ويرى المسؤولون الأميركيون أن الحرس الثوري بات جاهزا لاستهدافه بالعقوبات نتيجة للدور الذي لعبه في قمع المظاهرات التي أعقبت الانتخابات، لكن المسؤولين أبدوا قلقهم من أن تؤدي العقوبات الموسعة إلى التفاف الشعب الإيراني حول الحكومة التي تواجه مظاهرات غاضبة، لكنهم يعلمون أيضا أنه نتيجة لتنامي النفوذ الاقتصادي للحرس الثوري يمكن للعقوبات أن تطال الشعب الإيراني أيضا.

ويقول المؤيدون والمعارضون، على السواء، إن الحرس وسع من نفوذه بصورة كبيرة في الاقتصاد الإيراني، عبر استثمارات ضخمة في آلاف الشركات في مختلف القطاعات، ومن خلال ذراعها في القطاع الخاص، تقوم مؤسسة الحرس الثوري بتشغيل مطار طهران الدولي، وتقوم ببناء الطرق السريعة، وتركيب أنظمة الاتصالات، كما أنها تدير برنامج تصنيع الأسلحة الإيرانية الذي يضم برنامج الصواريخ المثير للجدل.

وذكرت وسائل الإعلام التابعة للدولة أن الحرس الثوري تلقى ما لا يقل عن 6 مليارات دولار قيمة عقود نفذتها المؤسسة خلال العامين الماضيين، لكن ذلك المبلغ يمكن أن يكون أكثر من ذلك بكثير على أرض الواقع؛ لأن الكثير من التعاقدات لا يتم الإعلان عنها، فالمشروعات الكبيرة المعروفة تضم إنشاء قطار أنفاق في مدينة مشهد، ومشروعات بنية تحتية في صناعة الغاز والنفط، وفي سبتمبر (أيلول) اشترت شركة «اعتماد مبين» التي تربطها وسائل الإعلام الإيرانية بالحرس الثوري، 51% من أسهم شركة «الاتصالات الوطنية» بعد تخصيصها، وقد أقصي منافسها الرئيسي من الصفقة في الدقائق الأخيرة بسبب اعتبارات أمنية.

ومن المتوقع أن تستهدف العقوبات الحالية للأمم المتحدة والولايات المتحدة، الحرس إضافة إلى بعض الشركات التي تتبعه، وقد أعدت وزارة الخزانة الأميركية قائمة بـ12 شركة تشك في أنها تعمل كواجهات للحرس الثوري والشركات التابعة له، ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم يأملون في توسيع العقوبات القائمة لضم هذه اللائحة الأساسية للشركات الإضافية للحرس سواء من خلال سلطة الأمم المتحدة، عبر مجلس الأمن أو عبر التحالف الذي سيضم القوى الصناعية الكبرى ودول الخليج العربي الرئيسية.

أنشئت مؤسسة الحرس الثوري، انطلاقا من الدستور، كمدافع عن الثورة الإسلامية، وقد شكل الحرس للعمل بصورة منفردة عن الجيش النظامي، والذي تعرض للتخوين على يد قادة البلاد الجدد، عندما تولوا مقاليد السلطة عام 1979، وقد استخدمت القيادة الدينية الحرس للقضاء على الخصوم السياسيين والمجموعات العرقية، كما كان أيضا في طليعة القتال في أثناء الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات.

ويمكن القول إن الثورة الإسلامية دخلت مرحلة جديدة، فقد قاد الحرس الثوري إجراءات قمعية في الشوارع في أعقاب الانتخابات العام الماضي، واتهم السياسيين المعارضين والمنشقين والصحافيين بالتآمر للإطاحة بالقادة الإيرانيين، ومنذ ذلك الحين برزت مؤسسة الحرس الثوري كأبرز لاعب في البلاد، وأقوى خصم للحركة الشعبية التي تظاهرت في الكثير من المدن.

وقال ماشاء الله شمس الواعظين، الصحافي السابق، والذي يعمل في الوقت الحالي محللا في مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط والبحث العلمي في طهران: «لقد بات الفصيل الرئيسي الأكثر إخلاصا في حماية نظام الجمهورية الإسلامية، وفي المقابل فإن الثروة والقوة والاحترام التي يحظى بها في تزايد مستمر»، وقد كان شمس الواعظين من بين الأشخاص الذين اعتقلوا الشهر الماضي بعد مظاهرات عاشوراء، ولم يتضح بعد السبب وراء اعتقاله.

ويقف على رأس الوزارات الرئيسية في حكومة نجاد، كالنفط والطاقة والداخلية والدفاع، قادة سابقون في الحرس الثوري، فوزير الطاقة السابق برفيز فتاح كان نائب قائد فرقة إنشاءات «خاتم الأنبياء» التابعة للحرس، والتي تعد بمثابة القلب بالنسبة لنشاطات أعمال المنظمة، ولها 29 فرعا تدعى «غوربس» تقوم ببناء المطارات والسدود وإنشاءات النفط والغاز، وتوقع غالبية عقود الحرس مع الحكومة.

ويقول قادة المعارضة إن فوائد أعمال الحرس الثوري التي يحققها تفسد المؤسسة، ويقول مير حسين موسوي في بيان نشره على موقع يرتبط به: «إذا تفرغ الحرس لحساب مدى هبوط وصعود أسعار أسهم شركاته فلن يستطيع أن يدافع عن البلاد والمصالح القومية»، وقال الجنرال محمد علي جعفري في مقابلة معه في سبتمبر (أيلول) مع صحيفة «جامي جام»: «بعد الحرب لم يصبح الحرس آلة عسكرية معطلة في وقت السلم، ونحن ننشط الآن في المجالات التي تتطلبها الثورة».

وتعمل شركة «الإنشاءات» التابعة للحرس كشركة تجارية، لكن لا يتضح ما يفعل بعائداتها، ويقول قادة الحرس إن دخل مؤسستهم ينقل إلى الخزانة العامة غير أنه لا توجد سجلات رسمية توضح مقدار هذه الأموال، وتنفذ غالبية تعاقدات المؤسسة عبر أفرعها المختلفة التي تتنافس بصورة مباشرة مع شركات القطاع الخاص.

ويقول المسؤولون الإيرانيون إنهم لا يهابون التهديدات بفرض عقوبات جديدة، ودللوا على ذلك بالجولة الرابعة من عقوبات الأمم المتحدة التي لم تثبت فعاليتها.

وقال كاظم جلالي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، في مقابلة معه: «العقوبات الأميركية لن يكون لها تأثير سلبي؛ لأن منظمة الحرس الثوري قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويعرف الأميركيون أن مؤسسة الحرس مدافع عن قيم الثورة الإسلامية، لذا فإن القادة الأميركيين يستهدفون قيادتها».

يرجع تغلغل الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني إلى بداية التسعينات، عندما حاول الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني إنشاء شركة خاصة في الاقتصاد الذي تديره الدولة، عبر السماح للمؤسسات المملوكة للدولة بالاضطلاع بدور في المشروعات التجارية، وتوازت النهضة السياسية للحرس الثوري مع صعود الإصلاحيين إلى السلطة عام 1997، وقد دعت الحركة الإصلاحية إلى المزيد من الحرية الشخصية ومساحة أكبر من الديمقراطية، وهو ما دفع السياسيين المتشددين إلى التحول إلى الحرس للاستنجاد به في محاربة الإصلاحيين، في مقابل منح الحرس المزيد من النفوذ في الاقتصاد والسياسة.

وفي مقابلة مع صحيفة «اعتماد ملي» المنتقدة للحكومة، قال قائد الحرس الجنرال مسعود جزيري: «إن القوة بإمكانها الآن التنافس مع الشركات الدولية والمتعددة الجنسيات، كما أننا لا نرغب في الحصول على عائد، لكننا نرغب في إرضاء أهلنا»، ويقول المحللون إن النتيجة كانت سيطرة الحرس على قطاع كبير من الاقتصاد الإيراني، فقد قال شمس الواعظين، لا يمكنك رؤية مشروع واحد تتجاوز قيمته 10 ملايين دولار إلا وينفذه الحرس أو أي من الشركات التابعة له، وحذر شمس الواعظين من أن القوة الاقتصادية يمكن أن تتمخض عنها مطالب بالحصول على المزيد من المكاسب السياسية قائلا: «يخشى بعض قادتنا الآن من أن يطالب الحرس بالسيطرة على جميع مقاليد الأمور».

- شارك في إعداد التقرير غلين كيسلر في واشنطن وكاي آرمين سيرجوي في طهران.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»