مفقودو حرب البوسنة: جهود محلية ودولية.. وعائلات لم تفقد الأمل

عشرات الآلاف بينهم 4 آلاف طفل أخذوا من عائلاتهم «بحجة إنقاذهم» من الصراع

TT

تحاول صفية محمودوفيتش إخفاء دموعها بلا جدوى، وهي تتحدث عن ابنها باكر الذي فقدته في أبريل (نيسان) 1992، وكان حينها في التاسعة من عمره، وتقول صفية لـ«الشرق الأوسط» إنها خدعت مثل غيرها من مئات الأمهات، بإخراج الأطفال من سراييفو، لفترة وجيزة حتى تنتهي الحرب بسرعة، كما قيل لهن، لكن الحرب انتهت عام 1995، وحتى الآن لا تعلم عن ابنها شيئا، وتضيف قائلة: «في البداية رفضت خروجه وسفره، لكني عندما شاهدت غيري يفعل ذلك، خشيت عليه، ورأيت أن الأفضل إنقاذه من الموت»، وتتابع: «ليتني لم أفعل»، ثم تنخرط في بكاء مرّ محاولة كتم صوتها.

وتعكس قصة صفية مع ابنها حالة مفقودي حرب البوسنة، والمساعي المستمرة للبحث عنهم بعد 15 عاما على انتهاء الحرب، ولا تزال قضية المفقودين مطروحة بقوة من قبل أهالي الضحايا، وكذا المؤسسات المحلية والدولية، لا سيما محكمة جرائم الحرب الخاصة بمناطق يوغوسلافيا السابقة (مقرها لاهاي)، وتعرب الجهات المسؤولة وأهالي الضحايا عن أنهم على استعداد لتقديم ثمن أي معلومة تقود إلى معرفة مصير المفقودين، وسجلت حالات كثيرة دفعت فيها الأسر و«اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين» أموالا لصرب كشفوا عن أماكن مقابر جماعية أو مصير ضحايا مسلمين.

وقال رئيس «اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين» عمر ماشوفيتش لـ«الشرق الأوسط» إن هناك 27734 شخصا لا يزالون في عداد المفقودين، من بينهم 17500 تم تحديد هوياتهم وسلموا لأهاليهم لإعادة دفنهم، وتابع «تم العثور حتى الآن على ما بين 20 و21 ألف شخص، لكن لم يتم تحديد هوياتهم أو لم يتم العثور على جميع أجزاء أجسادهم ولم يقبل أهاليهم دفنهم على هذه الحال».

وأعرب ماشوفيتش عن أمله في العثور على المقابر الجماعية التي لا تزال تخفي أجزاء مفقودة من جماجم الضحايا الذين تم العثور عليهم، ووفقا لماشوفيتش فإن «اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين» معنية بالعثور على ما بين 6 إلى 7 آلاف شخص. وأشار ماشوفيتش إلى عدم إمكانية وجود بعض المفقودين أو تحديد هويات آخرين، «لأن الكثير من الضحايا تم رمي جثثهم في الأنهار والبحيرات، وأغلبهم من شرق البوسنة وتحديدا من فيشي غراد وفوتشا»، وأضاف أن آخرين «نقلوا أحياء وقتلوا في الجبل الأسود ودفنوا هناك في مقابر جماعية»، وأشار إلى أن أماكن الكثير من المقابر الجماعية غير معلومة، لأن الكثير من شهود العيان يمتنعون عن مساعدة اللجنة والتخفيف عن أهالي الضحايا الذين ينتظرون منذ أكثر من 14 عاما معرفة أماكن دفن ذويهم، وإقامة مقابر فردية لهم يزورونهم فيها في المناسبات.

انتهت الحرب في البوسنة، لكن آثارها لا تزال قائمة بعد 15 عاما على انتهائها، ففي أثناء الحرب قتل أكثر من 4 آلاف طفل في سراييفو وحدها، وفقد المئات من الأطفال عبر ما كان يسمى بـ«سفارة الأطفال» التي يرأسها أحد الصرب، وذلك بحجة إنقاذهم من الموت، لكنهم «قتلوا» على مستويات أخرى، حيث اختفت آثارهم تماما، ولم يعودوا إلى أهاليهم، بعد أن سلموا، وقيل بيعوا، إلى أسر ليس لديها أطفال، أو كنائس وشركات لا يعرف ماذا فعلت بهم، وكانت صحف إيطالية قد تحدثت عن احتجاز الكثير من أولئك الأطفال في سراديب تابعة للأديرة الكنسية، وبعضهم تم تحويلهم إلى ديانات أخرى.

وبسبب التفكير الدائم في ابنها باكر، بدأت صفية محمودوفيتش تفقد الكثير من مداركها العقلية، حسبما قال جيرانها لـ«الشرق الأوسط»، وصارت صفية في كل مرة تشاهد فيها واحدا من أبناء الجيران تعتقد أنه ابنها، وعلى الرغم من أن ابنها، في حال لا يزال حيا، يكون قد تجاوز العشرين، فإن صفية تركز على الأطفال في سن التاسعة والعاشرة وحتى الثانية عشرة، اعتقادا منها أن ابنها لا يزال في السن نفسها التي افتقدته فيها.

وهناك حالة أخرى مشابهة، تخص امرأة وصلتها رسالة منذ عدة سنوات من ابنتيها في إسبانيا، وهما أيضا من ضحايا «خدعة إنقاذ أطفال سراييفو»، فقد وصلت صابينا رسالة من ابنتيها اللتين تبنتهما عائلة إسبانية، وقد هالها رؤية الصليب معلقا على صدري ابنتيها، فسعت جاهدة لاستعادتهما، كما قامت بعض المؤسسات الإسلامية بمساعدتها ماديا، حتى تذهب إلى إسبانيا وتبحث عن ابنتيها ولم تعرف لحد الآن نتيجة مساعيها.