قلق من اندلاع مواجهات بين أنصار طالباني والمعارضة.. وتوازن القوى «مختل»

قوة نوشيروان مصطفى تتركز في منطقة بين السليمانية وكركوك.. وخبير عسكري لـ «الشرق الأوسط»: أعداد «التغيير» لا تؤهلهم لخوض معركة

نوشيروان مصطفى («الشرق الأوسط»)
TT

مع تصاعد حدة المواجهات الإعلامية الساخنة في الفترة الأخيرة بين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، وحركة التغيير المعارضة بقيادة السياسي الكردي المعروف نوشيروان مصطفى، الذي تحتل حركته 25 مقعدا في البرلمان الكردستاني، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني بتهدئة الموقف، وتحذيراته المتكررة من مغبة العودة إلى استخدام العنف أو اللجوء إلى القتال الداخلي لحسم تلك الخلافات، باتت الأوساط الشعبية في كردستان تشعر بالقلق العميق من تطور الأحداث باتجاه تغليب لغة القوة على الجهود السياسية الداخلية للتهدئة، خصوصا أن الجانبين «الاتحاد الوطني وحركة التغيير» تمتلكان السلاح، وإن كان التوازن العسكري بينهما «مختلا» بحسب مصدر عسكري خبير في شؤون البيشمركة والجيش العراقي.

غير أن الكثير من الخبراء العسكريين يستبعدون تطور الأمر إلى قتال مسلح بين الطرفين، وعزا أحد كبار الضباط في الإقليم، الذي طلب عدم ذكر اسمه، وهو يحمل رتبة عسكرية رفيعة وخدم لسنوات طويلة في صفوف قوات البيشمركة التي التحق بها منذ بداية الثورة الكردية قبل أن يتحول إلى المؤسسة العسكرية العراقية بعد سقوط النظام العراقي، الأمر إلى أن «توازن القوى بين الطرفين مختل لصالح الاتحاد الوطني، باعتباره يمتلك قوات وأسلحة أكثر من حركة التغيير».

ونوه القيادي العسكري بأن «حمل السلاح في محافظة السليمانية ممنوع منعا باتا، لذلك فإن أي ظهور للأسلحة من قِبل أنصار حركة التغيير سيُعتبر مخالفة قانونية، وقد تُضطرّ قوى الأمن وحتى قوات البيشمركة التابعة لحكومة الإقليم إلى التدخل في حال تدهورت الأوضاع الأمنية جراء ذلك».

ورسم القيادي العسكري «خارطة القوة العسكرية للطرفين» بالقول إن «الاتحاد الوطني يمتلك قوة عسكرية كاملة، وهي ترتكز على أسس جيش كامل العدد والعدة، أمضى الاتحاد الوطني الكردستاني سنوات طويلة لتنظيمه وتسليحه وتدريبه، حتى كانت هذه القوات على استعداد لمواجهة قوات الدولة في عهد صدام حسين، وقد شاركت تلك القوات فعلا مع قوات التحالف الدولي في حربها لتحرير العراق، وغنمت قوات البيشمركة الكثير من الأسلحة والأعتدة من معاركها السابقة مع قوات صدام حسين، بينها الدبابات والمدرعات والمدافع والأسلحة الثقيلة، كما أن قوات الاتحاد الوطني تحولت في السنوات الأخيرة إلى قوة أكثر نظامية، حيث هناك الآلاف من الضباط المتخرجين في الكليات العسكرية قد انخرطوا في صفوف هذه القوات ويمتلكون قدرات قتالية عالية. أما بالنسبة إلى حركة التغيير فقال إنه «رغم أن أنصارها المسلحين كانوا جزءا من قوات بيشمركة الاتحاد الوطني فإنهم انصهروا في السنوات الأخيرة في أطقم حماية قادة ومؤسسات ومكاتب حركة التغيير المعارضة، وإن عددهم ليس كبيرا بما يؤهلهم لخوض معارك ضد جيش الاتحاد الوطني».

وكان نوشيروان مصطفى، الذي يقود حركة التغيير المعارضة، القائد الميداني الأبرز في أثناء سنوات الثورة الكردية المندلعة في جبال كردستان ضد قوات النظام العراقي. وكانت جميع العمليات العسكرية ضد تلك القوات تجري تحت إشرافه وقيادته، حتى إنه كان مهندس الانتفاضة الجماهيرية التي اندلعت في ربيع عام 1991 ضد النظام العراقي والتي انتهت بتحرير كردستان من قبضة نظام صدام.

فقد بادر نوشيروان الذي كان أحد معاوني مسعود بارزاني في قيادة الانتفاضة الشعبية إلى تشكيل الكثير من الخلايا المسلحة داخل مدن كردستان من عناصر التنظيمات السرية، والتحمت هذه الخلايا بقوات البيشمركة التي نزلت من الجبال إلى المدن الكردية في عدة محاور قتالية لتعلن الانتفاضة التي انتهت بتحرير جميع أرجاء كردستان، وكذلك مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي استعادها صدام حسين في ما بعد.

وكان نوشيروان يتولى قيادة ثورة حزبه نيابة عن جلال طالباني في الجبال إلى حين نجاح الانتفاضة حيث سافر إلى أوروبا ليبقى فيها لعدة سنوات، ويستغل وجوده هناك لتأليف عدد من الكتب التاريخية عن الثورات الكردية، قبل أن يعود إلى كردستان بحدود عام 2000.

وعلى أرض الواقع تتركز قوة نوشيروان العسكرية على منطقة كرميان، وهي منطقة تشمل محافظتي السليمانية وكركوك، حيث إن معظم عناصر قوته من البيشمركة هم خليط من أبناء هذه المنطقة، سواء في أثناء سنوات النضال في الجبل، أو شعبيته داخل المدن الكردستانية في ما بعد تحرير كردستان.

وبعد سقوط النظام العراقي ودخول الاتحاد الوطني إلى العملية السياسية في بغداد وتحالفه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، تزعزعت صفوف الاتحاد الوطني بسبب تأزم العلاقة بين كتلها الحزبية التي كان نوشيروان يتزعم إحداها باسم كتلة الإصلاح.

فالاتحاد الوطني تشكل أساسا من ثلاثة خطوط أساسية منذ البداية، وهي «عصبة الشغيلة» بقيادة نوشيروان مصطفى، و«الخط الثوري العام» بقيادة طالباني، و«الحركة الاشتراكية» التي تحولت إلى حزب مستقل خارج الاتحاد الوطني. وبقيت هذه التكتلات داخل الحزب إلى حين عقد المؤتمر الحزبي الأول عام 2000، ولكنها تحولت في ما بعد إلى كتل متصارعة.

رفع نوشيروان منذ سقوط النظام السابق شعار إجراء الإصلاحات الحزبية داخل الاتحاد الوطني، وقاد تيارا سمّاه «تيار الإصلاح»، ولكن هذا التيار واجه مقاومة عنيفة من بقية قيادات وكتل الاتحاد ظنا منها أن نوشيروان يريد الاستئثار بزعامة الاتحاد الوطني خلفا لأمينها العام طالباني. واستمرت الصراعات إلى حين إجراء انتخابات حزبية داخلية كان تيار الإصلاح يعلق عليها آمالا كبيرة لحسم خلافاته مع بقية الكتل داخل الاتحاد، وأخذ زمام المبادرة لمشروعه الإصلاحي، ولكن تلك الانتخابات الحزبية انتهت بفشل ذريع لحركة الإصلاح، فلم يستطع تحقيق نتائج ولو متواضعة، ما حدا بقائده نوشيروان مصطفى إلى الابتعاد عن قيادة الاتحاد الوطني والطلب من قيادته تمويل مشروع ثقافي يتركز حول تأسيس مركز للبحوث والدراسات الاستراتيجية في السليمانية. وقد وفرت قيادة الاتحاد الوطني بأمر من جلال طالباني ذلك التمويل لإنشاء المركز، لكن نوشيروان حوّل فكرته السابقة إلى شركة إعلامية أخذت على عاتقها إصدار جريدة أسبوعية وموقعا إلكترونيا، وأخيرا تأسيس قناة فضائية مستقلة.

واستغل نوشيروان شركته الإعلامية هذه لتوجيه الانتقادات إلى الاتحاد الوطني من خلال كسب الكثير من الكتاب والمثقفين إلى جانبه.

وبعد اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في كردستان بادر نوشيروان إلى تحويل مؤسسته الثقافية إلى حركة سياسية باسم «حركة التغيير» التي شاركت في الانتخابات البرلمانية في يوليو (تموز) الماضي وحصلت فعلا على ربع مقاعد البرلمان الكردستاني المكون من مائة مقعد، مما شكل خطرا على وضع الاتحاد الوطني، ومهد لنشوء حركة معارضة قوية داخل إقليم كردستان.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها الاتحاد الوطني من خلال شخص برهم صالح الذي كان مرشحا لرئاسة حكومة الإقليم بإشراك حركة التغيير في الحكومة، رفضت الحركة ذلك واكتفت بالبقاء داخل البرلمان الكردستاني كحركة معارضة.