مقرر محكمة الحريري المستقيل لـ «الشرق الأوسط»: لم أغادر منصبي لعدم قناعتي بوظيفتي.. وعلينا أن نؤمن بتفاؤل بلمار

بان كي مون لن يستبعد ترشيح أميركي للمنصب.. والناطق باسمه يؤكد لـ «الشرق الأوسط» أن المحكمة مبنية على أسس متينة

ديفيد تولبرت (أ.ب)
TT

رفض مقرر المحكمة الخاصة في لبنان، ديفيد تولبرت، الذي يتحضر لمغادرة منصبه في الأول من مارس (آذار) المقبل، ربط استقالته التي أعلن عنها أول من أمس، بالاستقالات الأربعة الأخرى التي شهدتها المحكمة خلال أقل من عام على تأسيسها. وقال تولبرت لـ«الشرق الأوسط» غداة الإعلان عن استقالته، إن الوظيفة التي يغادر منصبه الحالي لأجلها، وهي رئاسة المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نيويورك، هي «فرصة فريدة» لم يكن يتوقعها، ولكنه أيضا لم يكن بإمكانه أن يفوتها، نافيا أن يكون قبلها، لأنه غير مقتنع بوظيفته الحالية.

وفي اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» في مكتبه بمقر المحكمة في لايدشندام بضواحي لاهاي، رفض تولبرت الحديث عن «سلسلة استقالات» في المحكمة، وقال إن كل استقالة لها وضع شخصي مختلف. ومنذ افتتاح عمل المحكمة غادرها مقررها الأول البريطاني روبن فنسنت، ثم المسؤولة الإعلامية والناطقة الرسمية باسمها سوزان خان، وأحد قضاتها الـ11، هوارد موريسون، والأسبوع الماضي رئيس المحققين، نيك كالداس، الذي رفض تجديد عقده الذي انتهى بعد عام. ورفض تولبرت أيضا الربط بين استقالاته ومغادرة كالداس، وقال: «نيك كالداس كان وضعه مختلفا، وهي أوضاع شخصية. في المؤسسات الدولية هناك دائما أشخاص يأتون ويذهبون دائما. الأشخاص يبتعدون عن ديارهم وأحيانا يعودون لأسباب شخصية، وأحيانا مهنية. ليس هناك صلة بين ذهاب كالداس وذهابي».

ولم ينف تولبرت بشكل قاطع أن تشهد المحكمة المزيد من الاستقالات، وقال: «ليس لحد علمي، ولكن بالطبع لدينا فريق عمل مكون من أكثر من 200 شخص. هناك موظفون سيأتون وآخرون سيذهبون، وإذا أعود بالذاكرة إلى الفترة التي قضيتها في محكمة يوغوسلافيا، تبدل رئيس قسم التحقيقات 5 أو 6 مرات، ولا أدري كم من النواب مقرر...».

وردا على سؤال حول انطباعاته التي كونها عن مستقبل المحكمة خلال فترة عمله فيها، خصوصا أنه لم تصدر أي لوائح اتهام بعد عن المدعي العام دانيال بلمار، قال المقرر الذي قدم استقالته بعد أقل من خمسة أشهر على تولي المنصب: «لوائح الاتهام أمر يعود إلى المدعي العام. ولكن المدعي العام عبر عن تفاؤله وأؤمن بأنه يجب أن نثق بما يقوله، لديه فريق رائع وأفضل المحامين والمحققين يعملون معه». وأكد تولبرت أن علاقته ببلمار كانت جيدة جدا على الصعيدين المهني والشخصي، وكشف أنه كان يعقد اجتماعات أسبوعية مع المدعي العام.

وتولبرت الذي قضى 10 سنوات في المحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، وتنقل بين عدة مناصب، بدءا من نائب مقرر المحكمة وصولا إلى نائب المدعي العام، ذكر بأن تلك المحكمة التي تأسست في عام 1993 لم تبدأ بإصدار لوائح اتهام مهمة إلا بعد نحو 7 سنوات. وقال: «إذا قارننا بين المحكمتين، نرى أن محكمة لبنان متقدمة على محكمة يوغوسلافيا في هذا الخصوص».

وشرح المقرر الثاني للمحكمة التي ستحاكم قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، سبب مغادرته بهذه السرعة. وقال إنه عندما عرض عليه منصب المقرر في المحكمة الصيف الماضي، لم يكن يتوقع أن يتلقى عرضا لترؤس المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نيويورك. وأضاف: «تلقيت العرض في ديسمبر (كانون الأول) لترؤس المعهد. وأنا مسرور جدا وفخور بأن هذه الوظيفة عرضت علي، لقد استمتعت بعملي في المحكمة الخاصة بلبنان، وأنا ملتزم بها، ولكن هذه الفرصة في نيويورك لم أكن أتوقعها، وهي فرصة فريدة لأقوم بما تمليه مهنتي علي، تعزيز العدالة الدولية والعدالة الانتقالية في العالم... لا يمكن التنبؤ بالمستقبل ولم أتوقع أبدا أن يتنحى خوان منديز، وهو أحد أبرز القانونيين العالميين في هذا المجال. ولكن قد فعل، وعرض علي شغل مكانه ووافقت». وردا على سؤال حول ما إذا كانت استقالته سببها عدم اقتناعه بوظيفته الحالية كمقرر للمحكمة، نفى تولبرت الأمر، ولكنه أضاف: «بالطبع أن تكون مقرر المحكمة (في محكمة يوغوسلافيا السابقة) أمر مختلف عن أن تكون نائب المدعي العام، فهما عملان مختلفان... ولكن وجدت العمل هنا مشوقا، وأعتقد أننا فعلنا الكثير من الأمور لكي نطلق المحكمة وأنا فخور أن أقول إنها جاهزة إداريا وقضائيا، والأموال لعام 2010 تقريبا كلها تم جمعها... أعتقد أنني أترك المحكمة في وضع جيد جدا».

وبرر تولبرت سبب استقالته في بيان أصدره أول من أمس، بالإضافة إلى حصوله على الوظيفة في نيويورك، لتشوقه إلى العودة إلى بلاده وإلى جانب عائلته «بعد أن قضى فترة طويلة في الخارج». ولكن الفرق بين الفترة التي قضاها القانوني الأميركي المتخرج في جامعتي نورث كارولينا ونوتنغهام، في المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، حيث عمل لمدة 10 سنوات، والمدة التي قضاها في المحكمة الخاصة بلبنان، شاسعة. وعلق تولبرت على ذلك بالقول: «هذان وضعان مختلفان... لو كنت في محكمة يوغوسلافيا السابقة وقد تسلمت مهامي منذ فترة قصيرة أيضا، وعرض علي هذا المنصب في نيويورك لكنت قبلتها، بغض النظر عما كانت وظيفتي في محكمة يوغوسلافيا». وأضاف: «أنا أحترم زملائي بشكل كبير هنا، وهم يؤدون مهمة رائعة، ولكن بالنسبة لي الوظيفة في نيويورك تناسبني بصورة فريدة... هذه الوظيفة هي كل ما أردت لأنها تجمع كل ما فعلته في محكمة يوغوسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة بلبنان وفي محكمة كمبوديا. وتجمع كل هي الأمور بشكل لا تجمعها أي وظيفة أخرى».

وفي نيويورك، لا يبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي يعود إليه تعيين مقرر المحكمة الخاصة بلبنان، قلقا من تغيير مقررين للمحكمة في أقل من عام. وقال فرحان حق، الناطق باسم بان كي مون، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، ردا على سؤال حول الأمر: «لسنا قلقين من هذا الأمر لأن تولبرت و(روبن) فينسنت (المقرر الذي سبق تولبرت)، كلاهما حقق أمورا مهمة خلال فترة توليهما المنصب». وأضاف: «نحن نؤمن بأن المحكمة الخاصة بلبنان مبنية على أسس متينة ونتطلع لاستمرار عملها».

وأكد حق أن بان كي مون سيعين بأسرع وقت شخصا يشغل منصب تولبرت في المرحلة الانتقالية لغاية انتقاء مقرر جديد. ومن المرجح أن يعاد تعيين نائب المقرر الحالي الهولندي هيرمن فون هيبيل، الذي عين أيضا كمقرر في المرحلة الانتقالية بين استقالة فينسنت وتعيين تولبرت.

ورفض حق استبعاد أي مرشح عن منصب المقرر بسبب جنسيته، بعد أن وجه البعض انتقادات لاختيار أميركي لشغل المنصب، وفسر ذلك بأن المحكمة مسيسة، وقال حق ردا على سؤال حول إمكانية استبعاد تعيين أي أميركي آخر للمنصب: «سيعين المرشح الأقوى والأجدر لتولي المنصب. لقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة عن دعمه عمل تولبرت، ويؤمن أن تولبرت قام بعلمه بطريقة مهنية».