«غوغل» تفضل التضحية بـ 300 مليون مستخدم من أجل حقوق الإنسان

الشركة الإنترنتية العملاقة تهدد بالانسحاب من الصين بسبب استهداف مواقع الناشطين الحقوقيين

TT

أعلنت «غوغل» أمس أنها سوف تتوقف عن التعاون مع الرقابة الصينية، وأنها تنظر في إغلاق خدماتها في البلاد، في ظل الهجمات التي شنها قراصنة الإنترنت على أنظمتها الحاسوبية، وفي ظل محاولات الصين وضع «قيود على حرية الخطاب على الإنترنت». وإذا ما نفذت شركة «غوغل» ما أعلنت عنه، فسيكون هذا أقوى المواقف التي تتخذها إحدى أكبر وأقوى شركات التكنولوجيا ضد الصين خاصة أنها كانت تسعى منذ سنوات للوصول إلى المستخدمين الصينيين الذي يبلغ عددهم نحو 300 مليون مستخدم.

وكانت الشركة تلتزم منذ وصولها إلى الصين في عام 2006 باتفاقها مع الحكومة الصينية، الذي يقتضي بحجب محرك البحث لبعض الموضوعات الممنوعة من نتائج البحث داخل الصين، وهو الاتفاق الذي عرض شركة «غوغل» للكثير من الانتقادات نظرا لقبولها نظاما يضع قيودا على ما يمكن أن يقرأه المواطنون على شبكات الإنترنت.

وقد عزت الشركة قرارها إلى الهجمات الإلكترونية الدقيقة التي تعرضت لها أنظمتها الحاسوبية، والتي كانت تستهدف - في جزء منها - قرصنة البريد الإلكتروني للكثير من الناشطين الحقوقيين الصينيين، والتي تعتقد الشركة أنه تم شنها من داخل الصين. ووفقا لبعض الأشخاص المطلعين على تحقيقات «غوغل»، استهدفت تلك الهجمات - التي تقول «غوغل» إنها وقعت خلال الأسبوع الماضي - نحو 34 شركة أو هيئة يقع معظمها في وادي السليكون بكاليفورنيا. وقد نجح المهاجمون في اختراق الأنظمة الأمنية الحاسوبية الدقيقة والحصول على بيانات مهمة تتعلق بالشركات وبعض شفرات البرامج الحاسوبية ولكن «غوغل» تؤكد أنها لم تتعرض لذلك النوع من الخسائر.

من جهتها، قالت وكالة الأنباء الصينية الرسمية «شينخوا» أمس على لسان أحد المسؤولين الصينيين في مجلس المعلومات التابع للدولة الصينية الذي لم تفصح عن هويته «يسعى المسؤولون الصينيون في الوقت الراهن للحصول على المزيد من المعلومات حول تصريح «غوغل» المتعلق باعتزامها الانسحاب من الصين».

وبالرغم من عدم توافر معلومات مؤكدة حتى الآن حول هدف عملية القرصنة، والدوافع الكامنة وراءها، وهوية القراصنة، فإن رد فعل شركة «غوغل» يعد تراجعا واضحا عن مساعيها التي استمرت خمس سنوات في محاولة لدخول السوق الصينية الهائل، والذي تعتبره معظم الشركات الكبرى ذا أهمية خاصة لنموها. كما أنه من المتوقع أن يثير قرار الشركة غضب السلطات الصينية التي تنكر فرضها أي رقابة على شبكة الإنترنت والتي اعتادت على تكيف الشركات الأجنبية الكبرى مع التقاليد الصينية.

وقالت شركة «غوغل» إنها سوف تحاول التفاوض على اتفاق جديد لتوفير نتائج بحث غير خاضعة لأي رقابة على موقعها «google.cn»، وهو أمر مستبعد في بلد لديه أكبر نظام تنقية (فلترة) للمواقع الإلكترونية في العالم. ولكن شركة «غوغل» تؤكد أنها إن لم تصل إلى تفاهم في هذا الصدد فإنها سوف توقف موقع «google.cn» وسوف تنظر في إغلاق مكاتبها في الصين.

ويعمل في مكاتب الشركة في الصين نحو 700 موظف، معظمهم من مهندسي البرامج الحاسوبية ذوي الأجور المرتفعة. وتحصل شركة «غوغل» على 300 مليون دولار كعائدات من السوق الصينية سنويا.

وقد رفض التنفيذيون بشركة «غوغل» مناقشة أسباب التغير في استراتيجيتهم بشأن الصين على نحو تفصيلي. ولكن بالرغم من ضخامة الاستثمار في الصين، فإن الشركة لديها حصة أصغر إلى حد كبير في سوق محركات البحث مما لديها في الكثير من الأسواق الكبرى؛ حيث لا يستخدم محرك بحث غوغل سوى واحد من كل ثلاثة صينيين فقط؛ حيث يعد محرك بحث «Baidu» هو محرك البحث الأولى في الصين وهو تابع للدولة وذو صلة وثيقة بالحكومة.

وكان التنفيذيون بـ«غوغل» منذ سنوات يعربون سرا عن امتعاضهم من قرار الشركة بفرض رقابة على نتائج البحث على «google.cn»، واستبعاد الموضوعات التي منعتها أجهزة الرقابة الصينية، مؤكدين أن ذلك يتعارض مع الشعار الرسمي للشركة «لا تكن شريرا». فيقول ديفيد دراموند، نائب رئيس تنمية الشركة والمسؤول القانوني، في تصريح له «لقد قررنا أننا لم نعد نرحب بفرض الرقابة على نتائج البحث على (google.cn)، وبالتالي سوف نناقش خلال الأسابيع القليلة القادمة مع الحكومة الصينية الأسس التي يمكننا من خلالها إدارة محرك بحث غير خاضع للرقابة بدون مخالفة القانون».

ويقول وينكي غاو، المتحدث الرسمي باسم القنصلية الصينية في نيويورك، إنه لا يرى أي مشكلة مع موقع «google.cn». وقال في حوار أجري معه على الهاتف «أريد أن أؤكد أن الصين ملتزمة بحماية حقوق الشركات الأجنبية ومصالحها في بلادنا». وعلى سبيل المثال فإن نتائج البحث عن كلمات مثل «مذبحة ميدان تيانانمن» أو «دالاي لاما» في أحد محركات البحث داخل الصين تأتي فارغة. كما حجبت الحكومة كذلك في الشهور الأخيرة موقع «يوتيوب» وهو خدمة مشاركة مقاطع الفيديو التي تقدمها «غوغل».

وبالرغم من أن حصة «غوغل» في السوق الصينية تعد صغيرة في الوقت الراهن، فإن المحللين يتوقعون أن تصبح السوق الصينية من أكثر أسواق الإنترنت والهواتف الجوالة درا للربح؛ مؤكدين أن انسحاب «غوغل» من سوق الصين سوف يؤثر إلى حد بعيد على معدلات نموها في المدى البعيد.

وقد نال إعلان «غوغل» استحسان المدافعين عن حرية الخطاب وحقوق الإنسان الذين كانوا ينتقدون الشركة لموافقتها على دخول السوق الصينية بتلك الشروط الرقابية. فيقول أرفيند غانسان، مدير «هيومان رايتس ووتش» وبرنامج حقوق الإنسان: «إن شن هجوم دولي على الخصوصية أمر مرعب، ولكن استجابة (غوغل) كانت طيبة للغاية. وفي الوقت نفسه، ألقت تلك الواقعة الضوء على حاجة الحكومات والشركات لتطوير سياسات لحماية حقوقها».

ومن جهة أخرى، أثنى جوناثان زيترين، الخبير القانوني بمركز بركمان للإنترنت والمجتمع بجامعة هارفارد، على قرار «غوغل» قائلا «أعتقد أن تلك الخطوة كانت صائبة وعبقرية في آن واحد». وقالت ريبيكا ماكينون، زميل معهد المجتمع المفتوح والخبير في شبكة الإنترنت الصينية، إن (غوغل) واجهت هجمات متكررة خلال الشهور الأخيرة، وبالتالي فإنها أصبحت تخاطر بأمن المستخدمين في الصين من خلال استمرارها في العمل من داخل الصين. وأضافت أن الكثير من المواطنين الصينيين يستخدمون بريد «Gmail» الإلكتروني لأن خوادم الشركة تقع خارج البلاد، بالإضافة إلى أن أنه يقدم مستوى أعلى من الخصوصية. فتقول «ما لم تتحول (غوغل) إلى شركة صينية فإنها لن تنجح في السوق الصينية. ومن الواضح أن الشركة قد ضجرت ولم تعد تتحمل المزيد».

فخلال العام الماضي، كانت الشركة تواجه قيودا متزايدة من قبل الحكومة الصينية، ففي يونيو (حزيران) وبعدما حجبت الحكومة الصينية محرك البحث وغيره من الخدمات التي تقدمها الشركة مثل «Gmail» لمدة قصيرة، أجبرت الحكومة الشركة على تعطيل الخاصية التي تجعل محرك البحث يقترح الدخول على روابط معينة. ولكن الحكومة قالت في ذلك الوقت إنها كانت تسعى إلى حجب المواد الإباحية التي تظهر ضمن نتائج محرك البحث.

وقال التنفيذيون بالشركة في ذلك الوقت إن تلك الحملة كانت جزءا من جهود الحكومة الحثيثة لتشويه صورة الشركة. فمنذ دخولها إلى الصين، كانت الشركة تخسر بمعدلات متسارعة جزءا من حصتها لصالح محرك بحث «Baidu» الصيني. ووصفت «غوغل» تلك الهجمات التي تعرضت لها بالهجمات الدقيقة. وتعمل تلك الهجمات الإلكترونية من خلال التصيد الإلكتروني «phishing» على إقناع المستخدمين باختراق حواسبهم، أو من خلال استغلال الثغرات الموجودة في البرامج الحاسوبية للسيطرة على تلك الأنظمة عن بعد. وبعدما يسيطرون على الحاسب المستهدف، يبدأون في البحث عن وثائق معينة.

ويقول بعض الأشخاص المطلعين على التحقيقات في تلك الهجمات إنها كانت تستهدف الحصول على الكود المصدري (Source Code) الخاص بشركات التكنولوجيا. والكود المصدري هو التعليمات الأصلية التي يضعها مطورو البرامج لتطوير تلك البرامج الإلكترونية، وهو ما يمكن استغلاله على الصعيد الاقتصادي، بالإضافة إلى أن القراصنة يضعون بذلك يدهم على الثغرات الأمنية المحتملة في تلك البرامج.

وفي تصريحها، أشارت «غوغل» إلى تقرير الحكومة الأميركية الذي أعدته لجنة التقرير الأمني والاقتصادي الأميركي الصيني المشترك في أكتوبر (تشرين الأول) والتحقيق الذي أجراه الباحثون الكنديون والذي كشف عن عدد كبير من عمليات التجسس الإلكترونية خلال مارس (آذار) الماضي.

وقد اكتشف الباحثون الكنديون أن تلك الوثائق الرقمية سرقت عبر شبكة الإنترنت من مئات المنظمات الحكومية والمنظمات الخاصة المنتشرة في جميع أنحاء العالم من خلال الأنظمة الحاسوبية في الصين.

* خدمة «نيويورك تايمز»