إسرائيل تجري مناورات عسكرية.. وفرنسا تنفي علمها بتهديدات «جدية» للبنان

الحريري في باريس في 20 يناير الحالي وفرنسا تؤكد عزمها على مساعدته

عناصر من القوات الكورية الجنوبية تجري أمس تدريبات عسكرية في بلادها استعدادا للانضمام إلى القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان في أواخر الشهر الحالي (رويترز)
TT

بدأ الجيش الإسرائيلي أمس استقدام تعزيزات إلى منطقة الحدود مع لبنان تحضيرا لما قالت إسرائيل إنه «مناورات» على الحدود الشمالية.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر لبنانية أن إسرائيل بعثت إلى لبنان برسائل تطمينية عبر القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان حول الحشود التي بدأ استقدامها إلى منطقة الحدود في وقت يسود فيه التوتر بين البلدين نتيجة التهديدات التي أطلقها القادة الإسرائيليون تجاه لبنان. إلا أن إسرائيل أبلغت الأمم المتحدة أن حشودها العسكرية تأتي في إطار التحضير لمناورة عسكرية على الحدود مع لبنان في فبراير (شباط) المقبل. وقد شوهدت أمس دوريات إسرائيلية مكثفة بين المستوطنات الشمالية عند الحدود مع لبنان، وسط متابعة دقيقة من قوة «اليونيفيل» الدولية العاملة في الجانب اللبناني من الحدود. وصباح أمس حضرت أربع آليات عسكرية للكتيبة الإسبانية إلى منطقة كفر كلا حيث أجرى الجنود الإسبان بعض الإصلاحات على السياج الحدودي فيما تمركزت دبابتان للكتيبة الإندونيسية في تلة الثغرة في العديسة المشرفة على مستعمرة مسكافعام الإسرائيلية.

وكانت مصادر في الوفد اللبناني المرافق لرئيس الحكومة سعد الحريري في زيارته الأخيرة إلى تركيا قد ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري لم يبلَّغ «معلومات محددة» في ما يتعلق باحتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية للبنان، لكن هذه المصادر أشارت إلى أن الحريري «لمس بوضوح مخاوف تركية من قيام إسرائيل بحماقة ما في المنطقة وفي لبنان تحديدا».

من جانبه، أكد رئيس أركان القوة الدولية في الجنوب الجنرال فنسنت لافونتين أن «الوضع هادئ في الجنوب»، وأشار إلى أن «الأطراف المعنية جددت تصميمها على الالتزام بالقرار 1701، وأن القوات الدولية تواصل مهمتها من دون تردد في سياق هذا القرار وفقا لأوامر الأمم المتحدة والسلطات اللبنانية». وفي باريس، نفت مصادر فرنسية رسمية علمها بوجود تهديدات إسرائيلية «جديدة وجدية» للبنان بتسخين جبهة الجنوب وشن عمليات عسكرية ضد حزب الله. وطمأنت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» اللبنانيين حيال المعلومات المتداولة عن عزم إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية ضد حزب الله. وكان الموضوع أثير خلال زيارة الرئيس اللبناني إلى واشنطن ولقائه مع الرئيس أوباما كما أثير في لقاء سليمان مع الرئيس ساركوزي مؤخرا في باريس. وعلم أن سليمان طلب «ضمانات» من الرئيسين لمنع إسرائيل من تنفيذ تهديداتها. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الوسط» إن ساركوزي «وعده» بالتدخل. لكن المصادر نفسها تنفي وجود تهديدات كهذه وتعتبر، من جهة، أن جبهة الجنوب «لم تكن يوما هادئة كما هي اليوم» بفضل القرار 1701 ووجود قوة «اليونيفيل» والجيش اللبناني من الليطاني إلى الحدود مع إسرائيل.

من جهة أخرى، ترى باريس أن «لا مصلحة لإسرائيل أو لحزب الله في كسر التوازن القائم أو افتعال حرب جديدة اليوم». غير أن هذا الوضع «يمكن أن يتطور، كما لا يمكن استبعاد وجود من يوفر (حجة) لمعاودة الحرب». وعلمت «الشرق الأوسط» أن الرئيس الأميركي نبه الرئيس سليمان إلى أن حصول حزب الله على صواريخ «أرض – جو» من شأنه أن يدفع إسرائيل إلى عمل عسكري وعنده «سيكون صعبا على أميركا لجمها».

على صعيد آخر، دعت المصادر الفرنسية إلى «عدم الإفراط» في تفسير وتأويل مغزى الاستقالات الأخيرة التي قدمت من العاملين في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وآخرها استقالة رئيس قلم المحكمة الأميركي ديفيد تولبرت. وأكدت هذه المصادر أن عمل المحكمة مستمر وأن «الزمن السياسي مختلف عن الزمن القضائي» مضيفة أن «لا أحد» دوليا يمكنه أن يوافق على «وأد» المحكمة لأن ذلك سيعني «تمكين المجرمين من الإفلات من العقاب» كما أنه «سيشكل رسالة سيئة للبنان وللمنطقة ككل». تتهيأ باريس لاستقبال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي سيقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا لثلاثة أيام تبدأ في العشرين من الشهر الحالي يلتقي خلالها رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس الشيوخ ومجلس النواب وأرباب العمل وعددا من الوزراء. ويرافق الحريري وزراء الخارجية والداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية فضلا عن عدد من مستشاريه. وسيقيم الرئيس ساركوزي يوم الجمعة المقبل مأدبة غداء على شرفه، كما يلتقي الجالية اللبنانية بدعوة من السفير بطرس عساكر.

ستشكل الموضوعات «الإقليمية» وامتداداتها اللبنانية والسورية والسلام في الشرق الأوسط المحاور الرئيسية لمحادثات الحريري السياسية في العاصمة الفرنسية فضلا عن التباحث في التنسيق بين باريس وبيروت في مجلس الأمن الدولي حيث أصبح لبنان عضوا غير دائم لمدة عامين. وسيطرح الموضوع سريعا جدا مع التحضير لقرار جديد في مجلس الأمن لفرض عقوبات إضافية على إيران ما سيضع لبنان في موقع حرج بين التعاون مع الدول الغربية من جهة وبين التخوف من أن ينعكس ذلك سلبا على جبهته الداخلية وعلى علاقاته مع سورية فضلا عن إيران.

وصفت المصادر الفرنسية علاقة باريس مع الرئيس سعد الحريري بأنها «علاقة ثقة قديمة» مضيفة أن فرنسا «تريد أن تساعده لينجح في مهمته» والعمل على توفير الدعم الدولي له. وترى باريس أن الزيارة «تحمل شحنة رمزية خاصة» بالنظر للمساعي التي بذلتها لفرنسا لمساعدة لبنان على تخطي صعوباته السياسية والوصول إلى حيث وصل اليوم. وشددت المصادر الفرنسية على أن باريس «تعي» دقة الوضع اللبناني والموضوعات الخلافية مثل سلاح حزب الله والعلاقة مع سورية لجهة القضايا العالقة مثل ترسيم الحدود ومراقبتها ومنع وصول السلاح إلى الميليشيات وتطبيق القرار 1701 وملف الجنوب (الغجر ومزارع شبعا) وموضوع السلام في المنطقة. وتشدد المصادر الفرنسية على أن باريس تعارض التراجع عن القرار 1559 الذي تطالب به بعض القوى اللبنانية كما أنها «متمسكة» بتطبيق كامل القرار 1701 خاصة أنه «يحتوي» القرار 1559 وتطبيقه يعني تطبيق القرار الأخير. وترى باريس أن تحصين الوضع في لبنان يمر عبر ثلاثة مسالك؛ هي الحوار الوطني، وتقوية الجيش والدولة، وأخيرا إيلاء العناية الكاملة لتطبيق القرار 1701 من غير أن تكون هذه المقاربة «عدوانية».

وتريد باريس الاستماع للحريري وما ينوي القيام به لجهة علاقة لبنان بسورية ولجهة الاستراتيجية الدفاعية فضلا عن خطته الإصلاحية الاقتصادية وكيفية تطبيقها وتنفيذ الالتزامات التي قدمها لبنان في مؤتمر «باريس3» للحصول على مساعدات دولية. كان الرئيس ساركوزي وعد نظيره سليمان بالتعامل مع لبنان بـ«ليونة» لجهة استمراره في الاستفادة من المساعدات الفرنسية التي بلغت 375 مليون يورو دفع منها 275 مليون من غير أن يعني بتاتا حل لبنان من التزاماته وتعهداته. وكان لبنان وعد بتخصيص الكهرباء وبيع قطاع الهاتف الجوال إلى القطاع الخاص. تؤكد باريس أنها تريد مساعدة الحريري للنجاح في برنامجه الإصلاحي. وكانت قررت تمديد صلاحية الاستفادة من المائة مليون المتبقية من المساعدات للبنان حتى نهاية العام الحالي. وسيتم خلال الزيارة توقيع عدة اتفاقات في ميادين الأمن والعدل والبحوث العلمية.