مشروع لآلية التعيينات الإدارية في لبنان يطرح على جلسة مجلس الوزراء المقبلة

أدراج المسؤولين أتخمت بـ«السير الذاتية» في انتظار اعتماد عامل الكفاءة

TT

لا تزال التعيينات في لبنان طبقا رئيسيا على مائدة السياسيين. وفي حين انحسرت التصريحات المطالبة بالحصص لتحل محلها «مزايدات» يهدف أصحابها من إطلاقها إلى «تلميع الصورة ونفي تهمة المحاصصة»، يسير مجلس الوزراء في «حقل ألغام» لإخراج الصيغة النهائية لعملية ملء الشواغر في الإدارات والمؤسسات الرسمية. وكان المجلس وفي جلسته أول من أمس، قد كرر منظومة «النزاهة والكفاءة»، وجدد الطلب من وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش تحضير آلية يتم الالتزام بها للتعامل مع هذا الملف وطرحها للمناقشة في الجلسة المقبلة. ويشير مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «وضع آلية لن ينتقص من صلاحيات مجلس الوزراء، ذلك أن المجلس سيشكل اللجنة التي ستتولى العمل بموجبها. وهي لن تتألف من لجنة قضاة فقط، كما طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتضم اختصاصيين في الإدارة وممثلين عن هيئات الرقابة إضافة إلى من يمثل الجسم القضائي». ويرى أن «هذه الآلية ستخفف من الوعود التي التزم بها عدد كبير من السياسيين أثناء خوضهم معركتهم الانتخابية، وحان اليوم موعد الوفاء بها تجاه من ساعدهم ودعمهم. بالتالي إذا استطاع مجلس الوزراء الضغط لمصلحة آلية قائمة على الكفاءة والنزاهة بحزم ومن دون الالتفاف عليها، يكون قد حقق إنجازا لتقليص مفاعيل المحاصصة». ويضيف: «يتم وضع هذه الآلية بالتنسيق بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، لذا اجتمعا مع الوزير محمد فنيش وطلبا منه وضع الآلية وضبطها».

وإذ يستبعد المصدر أن يكون فنيش والمعاون السياسي لحزب الله حسين الخليل قد زارا بري قبل فترة قصيرة بهدف ترتيب الحصة الشيعية، يقول: «لا أعتقد ذلك. إذا انطلقنا مما يدور في جلسات مجلس الوزراء لدى طرح الموضوع، أميل إلى الترجيح أن فنيش زار بري ليقنعه بالآلية التي باتت معروفة عناوينها العريضة، أي اعتماد الكفاءة والنزاهة ورفض المحاصصة».

وفي انتظار أن يقدم فنيش إلى مجلس الوزراء في جلسته المقبلة مشروعا واضح التفاصيل وصالحا للتنفيذ بغية مناقشته ودرسه وإقراره، ومن ثم الشروع في ملء الشواغر في الإدارات، يبقى أن علاقة اللبنانيين بالتعيينات تسير على دربها المعروف، أي طرق أبواب المسؤولين والقادرين على القيام بالوساطات للحصول على الوظائف المرجوة. ولعل ما سبق لبري أن أعلن عنه قبل فترة يعبر أفضل تعبير عن هذه العلاقة، حيث قال إن لديه أكثر من 250 طلبا من مواطنين يريدون الحصول على إحدى الوظائف الشاغرة. وبالتأكيد جميع المسؤولين باختلاف مواقعهم أو قربهم من مراكز القرار أتخمت أدراجهم طلبات مشابهة. ونادرا من تخلو مكاتبهم أو صالونات منازلهم من مراجعين يحملون سيرهم الذاتية ويحاولون الحصول على وعود بإمكانية تعيينهم حيث يطمحون.

ويشير المصدر الوزاري إلى أن الرئيس سليمان طرح تعيينات من خارج الإدارة، فقال إن «راتب المدير العام في الدولة الذي يبلغ من دون إضافات نحو 1600 دولار، لا يمكن أن يجذب ذوي الاختصاص والكفاءة، الذين يكثر الطلب عليهم من القطاع الخاص، سواء في لبنان أو خارجه. بالتالي من يسعى إلى هذا المركز لا يكون غالبا قادرا على النجاح في القطاع الخاص والحصول على راتب مرتفع، أو أنه يبحث عن وسيلة للإثراء بأسلوب وضيع يتعارض مع النزاهة والشفافية. لذا من الأفضل أن يأتي المدير من داخل الإدارة، ما يعني أن الموظف الكفء الذي ستتم ترقيته، سيجد الحوافز المشجعة ليعمل ويخدم إدارته لأنه نال التقدير الذي يستحقه وتدرج في وظيفته إلى حيث يجب أن يكون».

ويقول وزير آخر عن الموضوع: «المؤسف أن المحاصصة تأتي على حساب كفاءات ممتازة تليق بالإدارة ومستقبل البلد. منهم من خدم في الوظيفة أكثر من عشرين عاما ولديه خبرة لا يستهان بها ولا يمكن الاستغناء عنه إذا أردنا فعلا تحقيق المصلحة العامة».

وتحمل الملفات التي يسعى أصحابها إلى الوظيفة نوعين من المراجعات؛ النوع الأول من خارج الإدارة، ويعتمد صاحبه على الاختصاص ليدق الأبواب. أما النوع الثاني فغالبية أصحابه من موظفي الفئة الثانية الساعين إلى ترقية باتجاه المراكز الشاغرة في الفئة الأولى. وبعض هؤلاء يبحث عن مسؤول ينقل له صوته إلى المرجع المختص، ربما لعجزه عن الوصول إلى رئيس طائفته ويأسه من احتمال أن يصل إلى المركز الطامح له من دون وساطة. وهذا الواقع يشير إلى الخلل الذي تعانيه الإدارة في لبنان، الذي تسبب في نسبة مرتفعة من الشواغر. في حين يفرض المبدأ التدرجي السليم في الوظائف أن تتم ترقية الموظفين تلقائيا ليصار إلى ملء الشواغر في رأس الهرم الوظيفي، على أن تبقى عملية التوظيف ناشطة في القاعدة لتغذي الإدارات وتجددها وتحول دون ترهلها.

وأسباب الشغور في الإدارات اللبنانية كثيرة؛ لعل أهمها الرواتب المتدنية في الدولة، فراتب المدير العام مع مخصصاته لا يكفي لمتطلبات حياة تفي بمعايير الطبقة الاجتماعية الوسطى، وفق سلسلة الأجور والرواتب، ما يحفز أصحاب الكفاءات على البحث عن فرص عمل في القطاع الخاص. كذلك هناك سن التقاعد والوفاة. وبما أن الغلبة كانت حتى تاريخه للمحاصصة، فإنه لم يكن سهلا في الفترة السابقة ملء الشواغر في ظل الخلافات السياسية الحادة التي انعكست على مجلس الوزراء وشلّت عمل الحكومة لتقتصر مهامها على تصريف الأعمال بسبب القيود الطائفية التي جعلت الانتظار حتى يتم التوظيف الطائفي هو الطاغي. وهذا الأمر عقّد مسألة ملء الشواغر وفق الحاجة والمصلحة العامة.