متحف المخدرات المكسيكي.. يتجاوز حدود مساحته

يعرض تاريخ المخدرات والأساليب المتنوعة التي تنتهجها العصابات لتهريبها

TT

عندما افتتحت المؤسسة العسكرية المكسيكية «متحف المخدرات» التابع لها عام 1985، لم يضم المتحف سوى صندوقي عرض يغطيهما التراب داخل غرفة صغيرة. قبل ذلك بعام، نشر صحافي يدعى آلان ريدينغ كتابا لا يزال يجري الاستشهاد به حتى الآن في الحديث عن المكسيك المعاصرة بعنوان «الجيران القاصين». ويوحي الكتاب بإقدام ريدينغ على تفحص مختلف جوانب الحياة المكسيكية بنهم بالغ، حيث يتضمن الكتاب فصولا عن الطاقة والحياة السياسية والثقافة والفساد والفقر والزراعة. وعلى الرغم من ذلك، لم يورد الكتاب سوى فقرة واحدة صغيرة عن تجارة المخدرات، وتحديدا في الصفحة 337.

أما الآن، فقد تبدل الوضع على نحو هائل، حيث يوجد المتحف حاليا داخل أجنحة فسيحة في وزارة الدفاع المكسيكية، لكن القائمين عليه يشتكون من أن المساحة المتوافرة لم تعد كافية للمعروضات. ومن الواضح أن الحدث الأكبر الذي سيذكره التاريخ للرئيس فيليب كالديرون، سيتمثل في المواجهة التي يخوضها ضد مافيا المخدرات، التي لا تزال تثير مشاعر صدمة وذهولا بسبب وحشيتها وجرأتها. على سبيل المثال، طالع المكسيكيون في الصحف اليومية الأسبوع الماضي، نبأ قيام قتلة تابعين لإحدى العصابات، في ولاية سينوالا، بسلخ جلد ضحية لهم، وحياكة الجلد لاحقا كغطاء لكرة قدم.

أما فيما يخص المتحف، تتاح زيارته أمام المسؤولين المكسيكيين والدبلوماسيين وطلاب الكليات الحربية، الذين يجوبون المتحف للتعرف إلى عدوهم الحقيقي الوحيد: عصابات الاتجار في المخدرات. ومن حين إلى آخر، يسمح لصحافي بإلقاء نظرة إلى المتحف، لكن يبقى دخول المتحف محظورا على المواطنين العاديين.

يستقبل كابتن كلوديو مونتاني، أمين المتحف، الزائرين عند الباب ويشرح لهم أن «الفكرة العامة تدور حول عرض تاريخ المخدرات، والأساليب المتنوعة التي تنتهجها العصابات، والعمليات التي نضطلع بها والغارات التي نشنها ضدهم، علاوة على شرح أسلوب حياتهم والظواهر الاجتماعية المرتبطة بثقافة المخدرات». في الوقت الذي يفضل كثير من المسؤولين الأميركيين والمكسيكيين وصف هذه الجهود بأنها «حرب ضد المخدرات»، تحمل لوحة جدارية ضخمة عند مدخل المتحف صورة لما يشبه الغزو، حيث تصور جنودا مكسيكيين يقفزون من طائرات مروحية، ويعدون عبر حقول للحشيش والماريجوانا، شاهرين أسلحتهم ويضرمون النيران في محاصيل المخدرات. ويتخذ الدخان المتصاعد شكل العقاب المميز للعلم المكسيكي.

داخل المتحف، تبدأ المعروضات بتاريخ المخدرات، وبينها صورة بالأبيض والأسود لبائع داخل سوق مكسيكية، يحمل سلة مصنوعة من القش، ممتلئة بقطع ماريجوانا في حجم قطع السجائر، وذلك بهدف تذكير المشاهد بأن تجارة الماريجوانا كانت مشروعة، مثلما كانت داخل الولايات المتحدة. على الجدار، توجد صورة لجندي أميركي في فيتنام بجانب لوحة يرجع تاريخها إلى بداية الحرب، ومكتوب عليها: «مع ظهور (حركة الهيبيز) في الولايات المتحدة، حرصت أعداد كبيرة من الشباب الأميركي والأوروبي على الدفاع عن حقهم في العيش تحت شعار (السلام والحب)، وتعاطي كميات ضخمة من المخدرات». إلى جانب ذلك، يعرض المتحف عددا من الأوسمة التي نالتها المؤسسة العسكرية المكسيكية لجهودها في مجال مكافحة المخدرات. ويتمثل الشرف الأعظم للأفراد العسكريين في إلقاء القبض على هدف بالغ الأهمية، كما يضم المتحف وسام الشرف، ووساما آخر على كميات المضبوطات الضخمة.

وقد تكون أفضل معروضات المتحف على الإطلاق في ديوراما لمزارع في الريف يتولى حراسة محصوله من المخدرات. ويضغط مونتاني على زر لتتعالى أنغام أغنيات شعبية تمجد بطولات تجار المخدرات المزعومة. في إحدى الزوايا، يوجد تمثال لرجل يمدد جسده على أريكة، واضعا على فخذه بندقية، وبجانبه حزمة من عبوات جعة فارغة، وأمامه تمثال ليسوع مالفيردي، قاطع طريق تحول إلى أسطورة وقتلته السلطات عام 1909، ويحظى بتبجيل تجار المخدرات باعتباره قديسا، وأشبه بـ«روبين هود» الفقراء.

وفي جانب آخر من المتحف، تكشف المعروضات كيفية تهريب المخدرات، وما تنطوي عليه من عبقرية شديدة. تشير المعروضات إلى إخفاء مخدرات في أطر صور، وزند الخشب، وخزانات وقود، ووجبة «طامال» مكسيكية، وقوالب خراسانية، وإطارات شاحنات، وعبوات صودا، وأحذية، ومصدات سيارات، وتمثال للعذراء غوادالوب.

وتحمل بعض المعروضات جوا عاما أشبه بما يميز أفلام جيمس بوند، حيث نجد إحدى المعروضات التي تمت مصادرتها من فريق مراقبة يتبع إحدى العصابات من حواسب آلية ومعدات أخرى لمراقبة الهواتف النقالة. حاليا، تعتمد عصابات المخدرات على أسطولي غواصات، وتضم المعروضات أيضا جهاز إرشاد لاسلكي، يلحقه المهربون بشحنات المخدرات التي يلقون بها في البحر، كي يتمكنوا من التقاطها لاحقا.

من الواضح أيضا أن المتورطين في تجارة المخدرات أصبح لهم نمط من الأزياء يميزهم، مثل قمصان رياضية زرقاء غامقة اللون تحمل الشعار المميز لـ«زيتا»، واحدة من العصابات الشهيرة أسسها جنود سابقون في القوات الخاصة، وتسيطر على مناطق واسعة تطل على خليج المكسيك، من براونسفيل في تكساس وصولا إلى كانكون. تحمل القمصان المصنوعة من القطن الخالص علامة «Z»، وعبارة «عصابة غولفو». ومن لوح أمامه، قرأ مونتاني: «خلال السنوات الثلاث الماضية، صادرت القوات المكسيكية 443 طائرة، و14.622 مركبة، و43.118 قطعة سلاح، بينها (بازوكا)، وقاذفات قنابل، علاوة على 113.990.520 دولار نقدا».

ومثل كثير من متاحف الأنثروبولوجيا، هناك معروضات ترتبط بمعتقدات خرافية معينة، منها مسدسات شبه آلية ذهبية وفضية، ومصنوعات معدنية قيمة منقوش عليها صور بانكو فيلا أو سانتا مويرتي، قديس الموت، أو علامة «فيرساتشي» التجارية. ويوجد زوج من النظارات الشمسية من إنتاج «كريستيان ديور»، كان يرتديهما أحد الأخوين أريلانو فيليكس الإجراميين، وقميص كان يرتديه عضو في عصابة «بيلترين ليفا». في نهاية الجولة، يقف مونتاني عند نصب تذكاري يشير إلى أنه بين عامي 1976 و2009، قتل 636 جنديا مكسيكيا في معارك ضد عصابات المخدرات، 133 منهم في السنوات الثلاث الماضية تحديدا. وأوضح مونتاني أن «الرسالة التي نبغي توصيلها أن تعاطي المخدرات ليس من ضروب التسلية، وأن هذه المخدرات كبدت أفرادا في المكسيك أرواحهم. نريد أن يعلم الناس حجم الجهود التي نبذلها هنا لمكافحة المخدرات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»