ترحيل داعية إسلامي جامايكي متشدد يثير أزمة في كينيا

فشلت محاولات ترحيله مرتين.. وشركات الطيران تعتذر عن عدم نقله

الشرطة الكينية تضرب مسلما أثناء مظاهرة قرب مسجد غاميا في العاصمة الكينية، نيروبي، أمس (رويترز)
TT

تواجه الحكومة الكينية حالة من الاضطراب بشأن تعاملها مع ملف داعية مسلم من جامايكا يدعى عبد الله الفيصل، بعد فشل كل المحاولات لترحيله من بلدها إلى بلده الأصلي أو إلى بلد آخر بسبب اعتذار جميع شركات الطيران عن نقله، إضافة إلى رفض معظم الدول استقباله حتى لغرض العبور أو التوقف المؤقت على الأقل في أراضيها، لأن الرجل مطلوب لأسباب تتعلق بالإرهاب والتحريض العنصري، وصلته بجماعات إرهابية.

وقال وزير الهجرة الكيني، أوتينو كاجوانغ، في تصريحات للصحافيين، أمس، إن حكومته تواجه حالة من الاضطراب بشأن تعاملها مع ملف هذا الداعية الجامايكي، وأضاف: «إن الفيصل لم يستهدف لأنه داعية بل بسبب تاريخه الإرهابي وإدانته بتهم تتعلق بالإرهاب والتحريض». وكانت سلطات الهجرة الكينية قد رحلت الفيصل إلى تنزانيا الأسبوع الماضي، لكن السلطات التنزانية رفضت استقباله لدواع أمنية. وقال وزير الهجرة الكيني: «نفضل ترحيله إلى بلده الأصلي (جامايكا)، لكننا لا نجد طائرة مباشرة إلى جامايكا والخيار الوحيد الذي نملكه، إرساله على متن طائرة تتوقف في أميركا، وهي لا تستقبله».

ومرة أخرى حاولت كينيا هذا الأسبوع ترحيل الداعية الجامايكي إلى دولة غامبيا الواقعة في غرب أفريقيا بعد موافقتها على استقباله، كما أن الفيصل وافق على الذهاب إلى غامبيا، إلا أن شركة الطيران التي نقلته إلى غامبيا واجهت مشكلات أخرى، حيث عارضت نيجيريا التي كان يمر بها الفيصل في الترانزيت توقفه في أراضيها، وتمت إعادته إلى كينيا من جديد.

وكان الفيصل (45 عاما) قد وصل إلى كينيا في الـ24 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي برا في جولة دينية، قادما من جنوب أفريقيا - التي عاش فيها عاما واحدا - وكانت أمرته بالخروج من بلادها، وخرج منها هائما على وجهه إلى أن وصل كينيا مارا بسبع دول أفريقية أخرى منها نيجيريا والكونغو وتنزانيا وأوغندا، وكان يتجول ما بين هذه البلدان عبر البر، وكانت كل دولة تطرد من بلادها بسبب أن الفيصل مدان بتهم تتعلق بالإرهاب والتحريض. وبعد وصوله إلى نيروبي احتجزته شرطة مكافحة الإرهاب الكينية بزعم أن الرجل يتبنى أفكارا متشددة مثل الدعوة إلى الجهاد، وأنه يمثل خطرا على أمنها، وأبدت تخوفها من أن تشجع خطبه النارية التشدد في بلدها الذي سبق أن تعرض لعدة هجمات مرتبطة بـ«القاعدة».

وكانت بريطانيا قد رحلت الفيصل من بلادها في مايو (أيار) 2007، بعد سحب الجنسية البريطانية منه بزعم حثه على الكراهية العنصرية ودعوته إلى قتل اليهود والهندوس والغربيين، وخصوصا الأميركيين. وكان قد قضى 4 سنوات في سجن بريطاني بعد إصدار حكم عليه بتهمة التحريض على قتل اليهود والهندوس. واتهمت بريطانيا حينها الفيصل بالتنقل في مدن بريطانيا يحث على الكراهية العنصرية ويحرض ضد الهنود واليهود والغربيين، كما اتهمته بأن أحد منفذي الهجمات الانتحارية في لندن في يوليو (تموز) 2006 من المتأثرين به. وبعد ترحيله من بريطانيا عام 2007 بسنة واصل دعوته في جنوب أفريقيا التي قامت هي الأخرى بترحيله.

وكان الفيصل غادر بلده الأصلي جامايكا قبل 26 عاما، حيث توجه إلى السعودية لتلقي التعليم، ويعتقد أنه قضى فيها 8 أعوام حيث اعتنق الإسلام هناك وتلقي تعاليمه الدينية، وحصل الفيصل على شهادة جامعية في الدراسات الإسلامية في الرياض قبل أن يعود إلى بريطانيا. وتوسعت شهرة الفيصل في بريطانيا حين بدأ يلقي الخطب في أحد الجوامع بجنوب لندن، وسجل أشرطة توفرت في محلات التسجيلات الإسلامية في بريطانيا.

وقد مثلت تلك الأشرطة أساسا لدعوى قضائية ضده، حيث تتبعت هيئة المحلفين البريطانية ما ورد في أشرطته التي ورد في أحدها تمجيده لتفجيرات 11 سبتمبر (أيلول)، وكان الفيصل حث في إحدى أشرطته الأمهات المسلمات إعداد أولادهن للجهاد عن طريق شراء بنادق لعب، كما حث أيضا الشباب المسلمين على تعلم استخدام المسدسات، والطائرات والصواريخ لقتل الكفار ونيل الشهادة لدخول الجنة. ودعا الفيصل في أحد أشرطته المسجلة دولة باكستان إلى مهاجمة جارتها الهند بالأسلحة النووية. واعترف الداعية الجامايكي عبد الله الفيصل بأنه كان يولي احترما كبيرا لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لكن نقل عنه قوله بأن أسامة انحرف عن الطريق الصواب بعد أحداث الـ11 من سبتمبر.

وأثار قرار سلطات الهجرة الكينية ترحيل الفيصل من بلادها غضب علماء وأئمة مسلمين في كينيا، مؤكدين أن الداعية الفيصل لا يتبنى أفكارا متطرفة أو متشددة، كما يقول البعض، بل إنه يدعو إلى حرية أكبر للمسلمين، كما عبرت المنظمات الحقوقية الإسلامية في كينيا عن احتجاجها على معاملة الفيصل، وقال الأمين كيماثي، من المنتدى الإسلامي لحقوق الإنسان في كينيا «ينبغي ترحيل الفيصل إلى بلده الأصلي جامايكا وفقا لرغبته، ونرى أن الفيصل تعرض لسوء المعاملة بسبب ماضيه».

وشهدت بعض المدن الرئيسية في كينيا، وخصوصا تلك التي يقطنها المسلمون مثل مومباسا ونيروبي العاصمة، أمس (الجمعة)، مظاهرات حاشدة للتنديد بقرار سلطات الهجرة الكينية ترحيل الفيصل من بلادها. وعبر المتظاهرون عن سخطهم على قرار الحكومة بترحيل الداعية والمعاملة التي تلقاها من قبل أجهزة الأمن والمخابرات، ونظم هذه المسيرات الجمعيات الإسلامية والمنظمات الحقوقية، وهذه هي المرة الثانية التي تشهد كينيا مسيرات احتجاجية يقوم بها المسلمون في بلادها للتضامن مع الفيصل، وكانت مظاهرات مماثلة قد خرجت إلى الشوارع الجمعة قبل الماضي لهذا الغرض نفسه.

وبعد كل هذه المحاولات الفاشلة لترحيل الداعية المسلم الجامايكي عبد الله الفيصل، تبحث كينيا حاليا الوجهة التالية التي ترحل إليه، إلا أنها لا تزال تعاني من مشكلة اعتذار جميع شركات الطيران عن نقل هذا الرجل من خلال رحلاتها. وتحتجز السلطات الكينية الشيخ عبد الله الفيصل منذ أيام في أحد المعتقلات في نيروبي لحين استكمال إجراءات ترحليه إلى بلد آخر وسط غضب عارم للجماعات الإسلامية والحقوقية في هذا البلد.