الزلزال قد يعطي فرصة لبداية جديدة للعلاقات بين واشنطن وهايتي

بعد صراع بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن سياسة الولايات المتحدة

TT

على مدى عقدين من الزمان، تقريبا، تصارع الديمقراطيون والجمهوريون بشأن سياسة الولايات المتحدة في هايتي، مما أسفر عن علاقة مضطربة وغير متناسقة، على الرغم من تقديم معونات قدرها نحو 3 مليارات دولار.

لقد أتى هذا الزلزال المدمر في الوقت الذي حققت هذه الدولة، الواقعة في منطقة الكاريبي، مؤخرا، قدرا من الاستقرار السياسي، وإشارات لصالح المستثمرين الجدد، وفي الوقت الذي كانت تستعد فيه إدارة الرئيس أوباما لإعلان سياسات جديدة أملت أن تحظى بتوافق واسع بشأن كيفية استغلال هذه الإنجازات المؤقتة.

ويرجع تاريخ هذه العلاقة، قليلة الحظّ، بين هذه الدولة الصغيرة وجارتها الكبيرة من ناحية الشمال، إلى تأسيس هايتي عام 1804، باعتبارها الدولة المستقلة الثانية في الأميركتين، وعلى مدار نحو نصف قرن، رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بهايتي؛ لأنها تأسست على يد عبيد سابقين، وهي إهانة يقول بعض المحللين، إنها ساعدت على تكوين الثقافة السياسية الانعزالية التي لا تزال موجودة في البلاد حتى يومنا هذا.

وقال بول فارمر، نائب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في هذه الدولة الجزيرة، «سادت مشاعر عدم الارتياح علاقاتنا كجارين على مدار الـ200 عام الماضية، وعليه، ينظر بعض الناس إلى أي موقف موالٍ لهايتي على أنه يشكل انحرافا بعض الشيء عن النهج المعتاد، الشيء اللافت بالنسبة لي هو، أن أي نظرة تاريخية للمشكلات التي نراها في هايتي توضح أنه ليس لدينا تاريخ طويل ومميز من سياسة حسن الجوار تجاه هايتي».

وفي السنوات الأخيرة، أسفر تدخل إدارة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون عام 1994 لإعادة تنصيب الرئيس، جان برتراند أريستيد الذي أطيح به في انقلاب عام 1991، عن ردود فعل عنيفة من جانب الجمهوريين في الكونغرس.

وأدت سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس في ذلك العام، بعد أسابيع من إرسال كلينتون قوات إلى هايتي، إلى تحجيم الخيارات المتاحة أمام الإدارة للوجود المستمر في هذا البلد، وغادرت القوات البلاد بعد ذلك بعامين، بعدما أوفى هذا التدخل بالكثير من الأهداف التي جرى وضعها، مثل الانتخابات المحلية والوطنية، لكن هذه الخطوة كانت سابقة لأوانها، كما اتضح فيما بعد.

وقال جيمس دوبينز، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى هايتي، وأحد المشاركين الأساسيين في عمليات بناء الدولة، التي تقودها الولايات المتحدة في الصومال والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان، «لقد كانت فترة قصيرة للغاية لإحداث أي تغيير جذري في نظامها السياسي والاقتصادي»، وأضاف دوبينز، الذي يعمل الآن بمؤسسة «راند»، أن نجاح مثل هذه التدخلات يأخذ بشكل عام 7 أو 8 أعوام على الأقل. وبدلا من أن تحقق هايتي النمو، ظلت عالقة في حلقة مفرغة من الفقر واليأس، فهي أفقر الدول في النصف الغربي من الكرة الأرضية، ويبلغ تعداد السكان بها 9 ملايين نسمة، وتعاني البلاد من أعلى معدلات الإصابة بالإيدز والوفيات بين الأطفال في المنطقة، ويعاني نحو 70% من الشباب بها من البطالة، وسيرتفع عدد العاطلين الشباب في البلاد بنحو مليون فرد خلال الأعوام الخمسة المقبلة. كما واجهت هايتي تاريخا من الخلل السياسي، خاصة بعد الدكتاتورية العسكرية الوحشية التي حكمت البلاد من خمسينات إلى ثمانينات القرن الماضي.

وقال روبرت بي كيلبرو، أحد كبار الزملاء في «مركز الأمن الأميركي الجديد»، والكولونيل المتقاعد الذي ساعد على تنظيم التدخل في فترة حكم كلينتون، «إن الهايتيين شعب رائع وودود، لكنهم لا يستطيعون تشكيل نظام سياسي يدوم».

وأنهى أريستيد، القس السابق المثير للجدل، الذي قال الناقدون إنه مرتبط بازدهار تجارة المخدرات، حكمه للبلاد عام 1996، وأعيد انتخابه عام 2001، وفي أثناء حكم أريستيد، عانت البلاد من اضطراب متزايد، وفيما قالت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، إنها اعترفت به كزعيم منتخب ديمقراطيا، فإنه تلقى القليل من الدعم، وجرت الإطاحة به نهائيا في ظروف مثيرة للجدل، في أثناء تمرد عنيف عام 2004، وغادر البلاد على متن طائرة أميركية، وقال مؤخرا إنه أجبر على الاستقالة وجرى اختطافه، وهي الاتهامات التي نفتها إدارة بوش في ذلك الوقت.

وقال روغر نوريغا، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون النصف الغربي من الكرة الأرضية، في أثناء رئاسة بوش، إن الإدارة الأميركية حاولت العمل مع أريستيد، لكنها «كانت علاقة صعبة للغاية»، وأشاد بإدارة الرئيس كلينتون؛ لأنها بذلت «جهودا بطولية، بدرجة تكاد تكون مفرطة» في محاولة دعم أريستيد، لأنها كانت لها مصالح كبرى في نجاحه.

ومرة أخرى، تدخلت قوات دولية لاستعادة النظام على الرغم من أن إدارة بوش، التي أنهكتها الحروب في العراق وأفغانستان، لم تسهم بالقوات في المهمة التي قادتها الأمم المتحدة، وأنهى رحيل أريستيد بعض التوترات بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن هايتي، لكنه أيضا أثر تأثيرا ضارا، تمثّل في خفض الاهتمام بمحنة هايتي داخل واشنطن.

وقال دوبينز، «لم يكَد الجدل بشأن هايتي يتلاشى، حتى تضاءل اهتمام الولايات المتحدة بهذا البلد»، ونجح الرئيس الحالي في هايتي، رينيه بريفال، في تهدئة المناخ السياسي، لكن البلاد تعرضت بعد ذلك إلى 4 أعاصير عام 2008، بجانب الكساد العالمي، قبل هذه المأساة الأخيرة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»