وزير الخارجية الفنلندي: المبادرة العربية أفضل ما على الطاولة.. وندعمها لأنها بقلم سعودي

ستوب في حديث لـ «الشرق الأوسط» عشية زيارته السعودية: سأطرح أراء.. وأيضا سأستمع

وزير الخارجية الفنلندي ألكسندر ستوب («الشرق الأوسط»)
TT

تولى ألكسندر ستوب حقيبة الخارجية في الحكومة الائتلافية الفنلندية، المشكلة من حزبه «كوكومس» (يمين وسط ليبرالي) والرابطة الخضراء وحزب الشعب السويدي الفنلندي، في أبريل (نيسان) 2008.

وفي البرلمان الأوروبي (2004 - 2008) كان جل اهتمام الوزير الشاب (42 عاما) منصبا على المؤسسات والأسواق الداخلية في الاتحاد الأوروبي. كما أنه من أشد مؤيدي الاندماج الأوروبي ويدعم بقوة تعزيز الاتحاد الأوروبي وتوسيعه، ويؤمن بدور أوروبي أنشط في حل القضايا العالمية الشائكة، وخصوصا في عملية السلام في الشرق الأوسط.

والمعروف عن الوزير أيضا كثرة أسفاره في إطار عمله (120 يوما كل سنة). وغدا يصل الوزير ستوب إلى السعودية، المحطة الأولى في إطار أول جولة له في المنطقة تشمل عمان وقطر أيضا. «الشرق الأوسط» التقت الوزير ستوب في مكتبه بوزارة الخارجية في هلسنكي، وكان لها معه حوار في ما يلي نصه:

* ما الأهداف الرئيسية لجولتكم في المنطقة؟

- هناك هدفان لجولتي، أحدهما تحسين العلاقات الثنائية بين فنلندا والسعودية، وبين فنلندا وسلطنة عمان، وبين فنلندا وقطر، والثاني هو أخذ صورة أوضح عن الوضع في المنطقة، وهنا أقصد أيضا عملية السلام في الشرق الأوسط والوضع في اليمن وكذلك إيران. نحن في الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى أن نفهم بشكل أفضل ما يجري في المنطقة، ونعتقد بأن الطريق الوحيد لذلك هو بزيارة المنطقة وخصوصا الرياض.

* لا شك أنكم على علم بمواقف السعودية حيال قضايا الشرق الأوسط، كيف تقيّمون هذه المواقف، وهل تعتقدون بأنها ستساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة؟

- الجواب باختصار هو: نعم. فالمبادرة العربية هي بقلم سعودي، ونحن نؤيد المبادرة بقوة، كما نعتقد أن للسعودية دورا مهما جدا كوسيط في المنطقة بحكم علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة وعلاقاتها الجيدة مع الاتحاد الأوروبي، وبحكم علاقاتها الجيدة مع الكثير من دول المنطقة.

* ما تقييمكم للعلاقات السعودية - الفنلندية؟

- إنها جيدة. لم تشهد أي مشكلات. رئيستنا زارت السعودية عام 2007، وكذلك وزير التنمية السابق. فعلاقتنا وثيقة جدا. على الصعيد الاقتصادي يمكن طبعا أن تتحسن أكثر. الكل يعرف القوة الاقتصادية للسعودية والكل يعرف قوتنا الاقتصادية القائمة على تقنيات المعلومات و«نوكيا» وإلى غير ذلك. كلما كانت العلاقات أقوى، كان ذلك أفضل.

* إذن العلاقة جيدة ولكن تريدون تعزيزها اقتصاديا..

- نأمل أن نعزز الشق الاقتصادي من العلاقة. بطبيعة الحال هذا الشق من اختصاص زملاء آخرين في الحكومة. أما بالنسبة لي فإني سأركز كثيرا على القضايا الإقليمية. الزيارة بالنسبة لي هي لتقصي الحقائق وفي الوقت نفسه سأحاول أن أعطي صورة أوضح لرؤية أوروبا حيال القضايا الإقليمية، لأنني أعتبر نفسي واحدا من 27 وزير خارجية في الاتحاد الأوروبي.

* أفهم أن مشروع اتفاقية حول الازدواج الضريبي وحماية الاستثمار بين البلدين قد تم إعداده، هل ستوقع هذه الاتفاقية خلال زيارتكم؟

- أعتقد أنه ما زال قيد التحضير ولن توقع الاتفاقية خلال هذه الزيارة لكنها ستوقع في موعد مقبل لا أدري متى بالضبط. إنها بطبيعة الحال اتفاقية مهمة.

* إذن أنتم تعولون على هذه الاتفاقية كثيرا لتعزيز العلاقات الاقتصادية؟

- هذا صحيح.

* هل تأثرت فنلندا كثيرا جراء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية؟

- نعم شأننا شأن بقية الدول. فنلندا تضررت كبلد، وكجزء من أكبر اقتصاد عالمي، وأقصد بذلك الاتحاد الأوروبي. اقتصادنا سينكمش أو بالفعل انكمش بنسبة 5 إلى 6 في المائة السنة الماضية، ونأمل أن نقترب من أرقام إيجابية هذا العام. نحن اقتصاد قائم على الصادرات إذ إن أكثر من 50 في المائة من إجمالي إنتاجنا المحلي مصدره الصادرات، وبالتالي من الواضح أنه إذا كان هناك انكماش اقتصادي عالمي فإن فنلندا ستتأثر كثيرا. باختصار فإن فنلندا تتأثر بكل ما يجري في السوق العالمية. وجوابنا بسيط وهو: لا حماية.. ومزيد من التجارة الحرة.

* قلتم ردا على سؤال سابق إن القضايا الإقليمية ستتصدر مباحثاتكم هل ممكن أن تحددوا لنا ماهية هذه القضايا؟

- بالنسبة لليمن مهمتي ستكون تقصي الحقائق. بالنسبة لعملية السلام في الشرق الأوسط سأطرح بعض الآراء، ولكنني سأستمع أيضا. هذه هي القضايا الرئيسية الثلاث التي سأبحثها خلال جولتي.

* ما المخرج في نظركم من الأزمة الحالية مع إيران، وما هي خطورة الملف النووي الإيراني؟

- إنه خطير جدا. في الجانب الأوروبي نحن محبطون جدا. إننا سعداء بأن إطار المفاوضات هو الاتحاد الأوروبي 3 + 3 لكن النتائج حتى الآن كانت هزيلة. إيران لا تلتزم بقرارات مجلس الأمن الدولي ولا تلتزم بقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية. نأمل من إيران التزاما أقوى. موقفنا واضح، نحن نتبع مقاربة ذات مسارين، إذا لم يحصل تقدم في المباحثات النووية ستكون هناك عقوبات، المجموعة الأولى ستكون من الأمم المتحدة، والمجموعة الثانية من الاتحاد الأوروبي. أعتقد أن الوقت ضيق ونأمل أن نصل إلى تسوية دبلوماسية. أعتقد أننا في النهاية سنصل إلى هذا الحل، لكن على إيران التجاوب.. وهي الآن لا تتجاوب.

* تحت أي ظروف يمكن أن تؤيد فنلندا اللجوء إلى الخيار العسكري مع إيران؟

- لا نؤيد العمل العسكري تحت أي ظروف.

* هل تعتقد أن العمل العسكري وارد؟

- أنا متفائل دائما وإلا لما كنت في هذه المهنة وبالتالي لا أعتقد أننا سنجد أنفسنا في هذا المسار.

* فنلندا كانت دائما نشطة على صعيد مبادرات السلام ما الذي يؤهل فنلندا، هذا البلد الصغير من حيث السكان وفي هذا الجزء من العالم، لمثل هذا الدور الحيوي؟

- أعتقد أن الفلسفة الأساسية هي أنه عندما تكون على الطرف جغرافيا فإن عليك محاولة أن تكون في الصميم مؤسساتيا. والطريق الوحيد لأن تكون في الصميم مؤسساتيا هو أن تجعل نفسك معروفا في الدوائر العالمية ولهذا نولي أهمية كبيرة للمؤسسات الدولية والمتعددة الجنسية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية. صوتنا الضعيف يكون مسموعا أكثر إذا كنا طرفا في لعبة أكبر. طبعا لدينا أيضا مفاوضون ممتازون ومنهم حائز جائزة نوبل للسلام مارتي احتساري.

* عودة لعملية السلام في الشرق الأوسط، أشرتم إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين التي أصبحت المبادرة العربية، هل تعتقدون أنه إذا قبلت إسرائيل بها فإنها ستؤدي إلى سلام دائم في الشرق الأوسط؟

- بالتأكيد.. بالتأكيد. أعتقد أن المبادرة هي أفضل ما على الطاولة. والكثير من عناصرها تدعو إلى سلام شامل. موقفي هو أنه لا يمكن أن نحقق السلام في بقعة دون غيرها، بل علينا السعي إلى سلام شامل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وبين إسرائيل ولبنان، وبين إسرائيل وسورية، وأيضا لا من تنسيق أفضل بين الفلسطينيين أنفسهم، بين فتح وحماس، ويجب أيضا أن نأخذ عناصر في حزب الله بنظر الاعتبار. علينا إذن أن ننظر إلى تسوية شاملة.

عملية السلام في الشرق الأوسط تبدو أحيانا محبطة جدا كمن يصدم رأسه بالحائط ولا يتحقق شيء. ولكن هناك أحيانا بارقات أمل. الأميركيون أخذوا دورا قياديا في العملية وأنا أرحب بذلك، وعلى الأوروبيين أن ينشطوا أيضا.

* هل تعتقدون أنه في ظل رئاسة باراك أوباما سيكون هناك المزيد من النشاط.. وربما مزيد من الضغوط الأميركية على إسرائيل؟

- أنا آمل، إذا صح الاقتباس من أوباما، أن يكون هناك مزيد من النشاط، وأعتقد هذا حصل فعلا. علينا أن نتذكر أن أول ما فعله أوباما هو تعيين جورج ميتشل مبعوثا إلى الشرق الأوسط. كما أن إدارة أوباما تتعامل مع حكومة بنيامين نتنياهو في هذا المجال. كلنا نعرف أن عملية السلام في الشرق الأوسط هي عملية طويلة وبطيئة، لكنني ما زلت متفائلا، فلا خيار آخر.

* عودة إلى إيران.. قلتم إنكم سوف لن تدعموا العمل العسكري ضدها تحت أي ظرف..

- الظرف الوحيد هو أن يكون العمل العسكري بقرار من مجلس الأمن الدولي.

* إذا كان هناك تفويض دولي ستدعمون العمل العسكري؟

- نعم.. ولكن كيف يمكن الحصول على تفويض كهذا؟ أنا أستبعد ذلك.

* لكن الخطر هو أن إسرائيل قد تهاجم. كيف تنظرون إلى مثل هذا السيناريو؟

- هذا طبعا افتراض، ومن هذه الناحية ليس من المناسب أن يعبر وزير خارجية عن موقف حيال افتراض. نأمل أن لا يحصل هذا. نؤمن دائما بالوسائل والمناقشات الدبلوماسية. وعليه نأمل أن نجد حلا سلميا للأزمة مع إيران. أعتقد أيضا أنه للأسف تضررت سمعة إيران كثيرا في العالم، على الرغم من أن الشعب الإيراني محب للسلام.

* بالنسبة للاتحاد الأوروبي هناك الكثير من الجدل حول وجهة هذا الاتحاد. هل تؤيدون ولايات متحدة أوروبية؟

- الولايات المتحدة الأوروبية مصطلح مبالغ فيه، لأن الاتحاد الأوروبي سيكون دائما أكثر من رابطة دولية، ولكن أقل من دولة، ولكن نحن، وأنا بالذات أدعم اتحادا أوروبيا قويا جدا وأدعم مزيدا من الاندماج السياسي والاقتصادي، وأعتقد أن علينا إيجاد بنية مؤسساتية قوية وصولا إلى أوروبا أقوى. أعتقد أن معاهدة لشبونة، مؤخرا، هي خطوة جيدة في هذا الاتجاه، فالآن أصبحت لنا أداة تمكننا من القيام بدور عالمي ليس فقط على صعيد التجارة والمساعدات الخارجية بل على صعيد العلاقات الخارجية والأمن أيضا. أعتقد أن علينا اغتنام الفرصة للقيام بهذا الدور.

* هل تدعم فنلندا توسيع الاتحاد الأوروبي وانضمام تركيا؟

- بالتأكيد. نحن ندعم بقوة توسيع الاتحاد الأوروبي، ونعتقد أن هذا أفضل سياسة انتهجها الاتحاد. علينا أن نتذكر أن الاتحاد توسع من 6 أعضاء إلى 9 ثم إلى 10 و12 و15 و25 و27 وقريبا سيكون هناك 30 أو 35 عضوا. أنا أرحب بهذا لأنه يتحقق عبر وسائل سلمية. الشعوب تريد الانضمام للاتحاد لأنها تعتقد أنه ناجح وفي صالحها، والقيم التي يعتز بها الاتحاد هي الديمقراطية، وحكم القانون، والحرية، والمساواة، وهي قيم أعتز بها كثيرا. أنا سعيد بحقيقة أن النظم الدكتاتورية الشيوعية من عهد الحرب الباردة تحررت من قيود الماضي وانضمت إلى الاتحاد. وأنا أؤيد بالتأكيد انضمام تركيا للاتحاد.

* ما موقف فنلندا من قضية الهجرة التي يثار حولها جدل كبير في الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وهل لديكم مشكلة هجرة أو لاجئين؟

- الهجرة تشكل دائما تحديا. أنا شخصيا ليبرالي جدا في نظرتي إلى الهجرة، إذ أعتقد أن التنوع الثقافي يستحق الترحيب في فنلندا. ولكن علينا أن نفرق بين الهجرة بهدف العمل، واللجوء، وأعتقد أن مقاربتنا لهاتين الفئتين يجب أن تكون إنسانية. علينا أيضا أن نناقش بشكل مفتوح مشكلات الهجرة لأنه ليس من السهولة الانتقال من بلد إلى آخر. هناك الكثير الذي يمكن أن نتعلمه من بقية أوروبا ونحن نفعل ذلك. سياستنا في ما يخص الهجرة منفتحة حاليا، وأنا أرحب بذلك.

* فنلندا بلد ذو كثافة سكانية منخفضة. ألا تحتاجون إلى أيد عاملة؟

- نعم، ولا. هذا يعتمد على عن أي قطاع اقتصادي نتحدث. أنا لا أريد أن أقلل من شأن الإنسانية وأختصرها في الهجرة القائمة أساسا على الحاجة للعمالة، بل هناك جانب التنوع الثقافي، وواجب أن يساعد إنسان آخر. إذا أراد أشخاص أن يأتوا إلى بلدنا وينتقلوا إلى شماله في هذا الوقت بالذات حيث الأشجار بيضاء والجو بارد جدا، أنا أرحب بهم بذراعين مفتوحتين. ولكن لدينا أيضا ضوابط صارمة ونتعامل مع كل حالة على حدة.