إيران تعتبر «فشل» اجتماع نيويورك أمرا «طبيعيا» وتطالب بالاعتراف بحقوقها النووية

دبلوماسيون غربيون يتوقعون أن تستغرق عملية التفاوض على قرار جديد للعقوبات شهورا

اجتماع سابق لممثلي الوكالة الدولية للطالقة الذرية في فيينا لبحث الملف الإيراني (رويترز)
TT

اعتبرت إيران، أمس، أن «فشل» اجتماع مجموعة الدول الست الكبرى، التي تتابع ملف إيران النووي، «أمر طبيعي» بعدما عجز ممثلو هذه الدول عن اتخاذ قرار حول فرض عقوبات جديدة على طهران، في اجتماع عقد في نيويورك أول من أمس. وكشفت مصادر غربية، أمس، أن الصين ترددت في تأييد اتفاقية بين دول المجموعة لفرض عقوبات جديدة على إيران، وأن هذا التردد كان السبب الرئيسي في فشل الاجتماع في الاتفاق على الخطوة التالية في مجلس الأمن. وتوقع دبلوماسيون غربيون أن تستغرق عملية التفاوض على قرار جديد للعقوبات شهورا على الأرجح.

وقال رامين مهمان برست، الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية: «إن فشل اجتماع مجموعة الست أمر طبيعي.. الحل هو أن تعترف هذه المجموعة بالحقوق النووية لإيران». وأضاف أن «بعض الدول مثل الصين لا تؤمن باعتماد مقاربة سلبية وبفرض عقوبات». وتابع أن القوى الكبرى ستحقق نتائج في اجتماعاتها بشأن إيران فقط إذا تبنت «توجها واقعيا»، واعترفت بحقوقها النووية. وأضاف «لن تكون للاجتماعات المزمعة (للقوى الست) نتائج واضحة ما دامت تفتقد إلى توجه واقعي».

وعقد دبلوماسيون من الدول الست الكبرى، والتي تسمى مجموعة 5+1 -الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي: الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى ألمانيا - اجتماعا استمر ثلاث ساعات في نيويورك أول من أمس، ناقش احتمالات فرض مزيد من العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، ولكن مشاركين في الاجتماع قالوا إنه لم يتم اتخاذ قرار.

وبعد الاجتماع، قال المندوب الروسي سيرغي ريابكوف للصحافيين: «إن الاجتماع لم يكن حاسما، بمعنى أننا لم نتخذ أي قرارات». وجاء الاجتماع بعد تجاهل إيران للموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما بنهاية ديسمبر (كانون الأول) للرد على عرض من القوى الست بتقديم حوافز سياسية واقتصادية، مقابل وقف أنشطة طهران للتخصيب النووي. وتتهم واشنطن وحلفاؤها الغربيون إيران بمحاولة تطوير أسلحة نووية تحت ستار برنامجها النووي المدني. وتقول إيران، وهي خامس أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، إن برنامجها مصمم لتوليد الكهرباء.

وقال الاتحاد الأوروبي، الذي استضاف الاجتماع في مكتبه في نيويورك، إنه على الرغم من افتقاد نتيجة ملموسة، فإن فرض عقوبات جديدة مطروح الآن على جدول أعمال القوى الكبرى، وإن القوى الست ستجري اتصالات قريبا لمواصلة المناقشات.

وأرسلت كل الدول باستثناء الصين «مديري إدارات سياسية»، أي أنهم دبلوماسيون على مستوى عال، إلى الاجتماع، لكن بكين الأقل تحمسا بشأن فرض عقوبات على إيران أوفدت دبلوماسيا على مستوى متوسط من بعثتها في الأمم المتحدة. وغادر المسؤول الصيني الاجتماع من دون أن يتحدث إلى الصحافيين. وقال دبلوماسي غربي إن مستوى التمثيل الصيني: «لم يكن من المتوقع أن يكون أدنى من ذلك». وأثار تجاهل الصين الفعلي لاجتماع القوى الست قلق الدول الغربية الأربع في المجموعة، التي كانت تأمل أن يتوصل اجتماع أمس إلى قرار بشأن بدء صياغة قرار جديد لمجلس الأمن بخصوص جولة رابعة من عقوبات الأمم المتحدة ضد طهران.

وقال دبلوماسيون إنهم لا يعرفون دوافع بكين، ولكن دبلوماسيا من إحدى الدول الغربية قال إنهم قرروا عقد الاجتماع على أي حال «لإرسال رسالة إلى إيران، مفادها أننا لا نغفل هذه القضية». وقال روبرت كوبر، المسؤول الكبير بالاتحاد الأوروبي للصحافيين، إنه لم يكن اجتماعا لاتخاذ قرارات، ولكن من أجل «تقييم الموقف، ولرؤية الموقف مستقبلا.. سنواصل السعي للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض، لكن بحث اتخاذ مزيد من الإجراءات المناسبة قد بدأ».

وقال وليام بيرنز، المندوب الأميركي: «كانت جلسة مفيدة جدا». واستهدفت ثلاث جولات سابقة من عقوبات مجلس الأمن الدولي الصناعات النووية والصاروخية الإيرانية، ولكن إيران تجاهلتها، وقالت إنها تعتزم التمسك بحقوقها في تخصيب اليورانيوم. وقال ريابكوف: «المحادثات في معظمها كانت بشأن انتهاج مسار ثان، لكن هذا لا يعني التخلي عن المسار الأول». وكان يشير إلى ما يطلق عليه سياسة «المسار المزدوج»، الذي أعدته الدول الست، والذي يعني أن المسار الأول هو الحوار مع طهران، والثاني فرض عقوبات.

وتعتقد الولايات المتحدة والوفود الأوروبية أن إيران كانت لديها الوقت الكافي لترد على ما وصفوه بالعرض السخي، لكن تشانغ يه سوي، مبعوث الصين في الأمم المتحدة، قال في الخامس من يناير (كانون الثاني) الحالي «إن الوقت غير مناسب للعقوبات لأن الجهود الدبلوماسية لا تزال جارية». وتوقع دبلوماسيون غربيون أن تستغرق عملية التفاوض على قرار جديد للعقوبات شهورا على الأرجح.

وكان مسؤولون غربيون قالوا في أحاديث خاصة (حسب رويترز) إن روسيا «تؤيد» فرض عقوبات جديدة، لكن عددا من الدبلوماسيين أبدوا شكهم في أن الروس سيؤيدون إجراءات مشددة ضد إيران. وكانت القوى الغربية تأمل في الأساس أن تفرض عقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، لكنها تخلت عن هذه الفكرة قبل أشهر، عندما تبين أن روسيا والصين لن تقبلا بذلك. ومن أجل تأمين تأييد بكين وموسكو، قال دبلوماسيون غربيون إنه من المحتمل أن يقبلوا بقرار أقل طموحا يضيف أسماء جديدة لأفراد وشركات إيرانية على قائمة الأمم المتحدة السوداء، وأن يركزوا بعض الانتباه على الحرس الثوري الإيراني. وقالوا إنه من المحتمل أن تؤيد روسيا مثل هذا القرار، لكن لم يتضح إن كانت بكين ستقبله.

* العلاقات الصينية الإيرانية

* لاحظ مراقبون وصحافيون في واشنطن ونيويورك أن العلاقات النفطية بين الصين وإيران، من الأسباب الرئيسية وراء عدم حماس بكين لتشديد العقوبات على طهران. ولاحظوا أن الحكومة الإيرانية أصدرت، في يوم الاجتماع نفسه، تقريرا يقول إن صادرات إيران إلى الصين زادت بنسبة 40% خلال الأشهر التسعة الماضية. وعلق على التقرير عامر طاليبي، مدير مكتب آسيا في منظمة تطوير التجارة الخارجية في إيران، وقال: «يجب ألا ننسى أن إيران تأتي في المرتبة الثانية بعد العراق في حجم تجارة الصين مع دول الشرق الأوسط».

وحسب أرقام التقرير، فإن حجم صادرات إيران إلى الصين في الربيع الماضي بلغ مليارا ونصف مليار دولار، وارتفع مع نهاية السنة إلى أكثر من مليارين. وخلال الفترة نفسها، زادت صادرات الصين إلى إيران بنسبة 35%. وقبل أسبوع، نقلت وكالة «فارس» الإيرانية أن إيران والصين وقعتا في وقت سابق اتفاقية نفطية قيمتها مائة وعشرون مليار دولار، لمدة خمس سنوات.

وقالت وكالة «إرنا» الإيرانية إن وفدا صينيا وصل إلى طهران للتفاوض حول مساعدات لتطوير صناعة الصلب في إيران. ونقلت على لسان شين هيتنغ، رئيس شركة «إم سي سي» الصينية للصلب، رئيس الوفد، أن شركته حصلت على ضمانات من بنوك صينية لتمويل التطوير. ونقلت الوكالة على لسان أحمد علي حاراتي، رئيس مؤسسة تطوير المناجم في إيران، أن إيران تريد من الصين مساعداتها، أيضا، في مجالات النحاس والرصاص والزنك والقصدير، وذلك لأن الصين تساعد دولا مجاورة في هذه المجالات.

وفي الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الصين تحرص على تقوية علاقاتها ذات الصبغة النووية مع إيران، على الرغم من قرارات مجلس الأمن التي منعت ذلك منذ سنوات. وأشارت الصحيفة إلى اعتراف سيتفني لين، رئيس شركة «هيلي أوشن» في تايوان، بأن شركته تعاونت مع شركة في الصين لإرسال مواد لها صلة بالمعامل النووية إلى إيران عن طريق تايوان. وقال إنه ليس متأكدا إذا استعملت إيران المواد لمساعدتها على إنتاج أسلحة نووية، لكنه يعتقد أن المواد يمكن أن تستعمل لأغراض عسكرية. وقال إن شركته اشترت المواد من شركة سويسرية، وإن الشركتين كانتا في البداية تعتقدان أن المواد ستذهب إلى الشركة الصينية، وإن شركته فوجئت عندما طلبت إليها الشركة الصينية إرسال المواد إلى شركة في إيران.

وفي الأسبوع الماضي، نقلت وكالة «أسوشييتد برس» أن مسؤولا في حكومة تايوان أكد ما حدث، وقال إن الحكومة تحقق في الموضوع، لكنه قال إن تايوان لا تمنع تصدير هذه المواد لأنها ليست ذات صلة مباشرة بإنتاج أسلحة نووية، وإن «معاملات طرف ثالث ورابع عادية في المعاملات التجارية الدولية»، لكنه رفض أن يتحدث عن تفاصيل ذلك.

وقال ديفيد أولبرايت، خبير البرامج النووية في مركز «ساينس آند إنترناشونال سيكيوريتي» (الأمن العلمي والدولي) في واشنطن: «لسنوات، تظل إيران تحاول الحصول على مواد نووية. حاولت مع أوروبا، وحاولت مع كندا، لكنها واجهت جهودا مركزة ومنسقة لمنع ذلك». وأضاف: «يدل التعاون بين الصين وإيران على أن إيران تقدر، بطريقة أو أخرى، على الحصول على كثير مما تريد. ويدل هذا التعاون، أيضا، على أن الصين ليست متحمسة، إن لم تكن تعارض، منعها من مساعدة إيران في مجالات كثيرة، بما فيها المجال النووي».