الاستخبارات الأميركية رصدت اتصالات «القاعدة» باليمن وفشلت في ربط الخيوط

محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف رفعت درجة الإنذار.. وعمليات التنصت كشفت أن نيجيريا تطوع لعملية إرهابية

عدد من مساعدي ومستشاري أوباما خلال مؤتمر صحافي حول محاولة اختطاف الطائرة الأميركية نهاية العام الماضي (نيويورك تايمز)
TT

خشية وقوع هجمات إرهابية خلال أجازة أعياد الميلاد، اجتمع الرئيس الأميركي باراك أوباما في 22 ديسمبر (كانون الأول) مع مسؤولين بارزين من وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب المباحث الفيدرالية ووزارة الأمن الداخلي، الذين كانوا يدرسون قائمة لعدد من المؤامرات المحتملة التي تستهدف الولايات المتحدة وما تقوم به هيئاتهم التابعة لإجهاض هذه المؤامرات.

وخلال اجتماع منفصل داخل البيت الأبيض في ذلك اليوم، ترأس مستشار الأمن الداخلي للرئيس أوباما، جون برينان، نقاشات حول اليمن، حيث أشارت الكثير من التقارير الاستخباراتية إلى أن عناصر تابعة لتنظيم القاعدة تستعد لتنفيذ شيء ما، يحتمل أن يكون هجوما ضد هدف أميركي خلال أعياد الميلاد.

ولكن، خلال الاجتماعين، لم يدرس مسؤولون حكوميون أو يربطوا بين أشياء تبدو حاليا واضحة جدا، وتشير إلى أن التهديد المتجمع داخل اليمن سوف يصل إلى الولايات المتحدة.

ومثلما عجز محللون أقل في المستوى مختصون بمحاربة الإرهاب عن الربط بين معلومات كانت ستنبههم إلى احتمالية وجود مفجر انتحاري على متن طائرة متجهة إلى مدينة ديترويت خلال أعياد الميلاد، عجز مسؤولون بارزون مختصون بالأمن القومي عن تقدير الأدلة المتزايدة على الأخطار التي تتجاوز شبه الجزيرة العربية، التي يطرحها متطرفون مرتبطون باليمن.

لقد عرض الرئيس أوباما خلال الشهر الحالي ما خلصت إليه حكومته بخصوص عدم رصد المؤامرة، ولكن تظهر عملية مراجعة تفصيلية أجرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، من بينها أكثر من 20 مقابلة مع مسؤولين بالبيت الأبيض ومسؤولين استخباراتيين أميركيين ومسؤولين في مجال مكافحة الإرهاب داخل أوروبا واليمن، أنه كانت هناك إشارات تحذيرية أكثر مما تقر به الإدارة.

وذكر المسؤولون إخفاقات وتقييمات خاطئة لم يتمَّ الكشف عنها في التقرير الحكومي، الذي نشر في 7 يناير (كانون الثاني)، والذي تناول الأخطاء التي وقعت داخل منظومة مكافحة الإرهاب في البلاد.

وعلى سبيل المثال، فإنه في سبتمبر (أيلول) حذر خبير تابع للأمم المتحدة، مختص بدراسة تنظيم القاعدة، صانعي السياسات داخل واشنطن من أن نوع أدوات التفجير التي استخدمت في محاولة اغتيال داخل السعودية يمكن حمله على متن طائرة.

وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، قالت هيئات استخباراتية أميركية، إنها علمت من اعتراض اتصالات أجرتها عناصر تابعة لتنظيم القاعدة داخل اليمن، أن رجلا يدعى «عمر الفاروق» تطوع للعملية المقبلة، علما أن المتهم في محاولة التفجير الفاشلة للطائرة يدعى عمر الفاروق عبد المطلب.

وذكر مسؤول بارز في الإدارة، أنه في أواخر سبتمبر، ذُكر في اتصالات أخرى خاصة بعناصر لتنظيم القاعدة داخل اليمن، تم اعترضها يوم 25 ديسمبر، أشارت العناصر إلى أنها «تبحث عن وسيلة لإخراج شخص ما» أو «عن وسائل لنقل أشخاص إلى الغرب».

وفي نفس اليوم الذي عقدت فيه اجتماعات البيت الأبيض لمناقشة الأنشطة الإرهابية، وجّه رجل تابع لـ«القاعدة» تهديدات للولايات المتحدة، واصفا نفسه بأنه مقاتل تابع لتنظيم القاعدة من اليمن، في شريط فيديو نشرته قناة «الجزيرة» الفضائية، «نحمل المسبحة، ومع ذلك نحمل قنبلة لأعداء الله، إن القضية بيننا وبين أميركا وحلفائها، واحذروا أن تقفوا في صف أميركا».

ومن الواضح أن شبكة الاستخبارات الأميركية كانت تتنصت إلى ما يُقال داخل اليمن، وتتبادل هذه المعلومات، وهو علامة على التقدم الذي وقع منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، ولكن أفرز العجز عن الربط بين المعلومات المتاحة أو تفسيرها على الصورة الصحيحة «فشلا منهجيا»، تعهّد أوباما بإصلاحه، وسيدرسه الكونغرس خلال جلسات استماع تعقد الأسبوع الحالي.

وأفضى انتقاد أداء الحكومة إلى خلاف داخلي، حيث توجه الهيئات المتنافسة أصابع الاتهام إلى بعضها بعضا في السر، ويشكو بعض المسؤولين الاستخباراتيين مما يرونه محاولة من جانب البيت الأبيض للتنصل من المسؤولية.

ويقول مسؤولون بارزون في البيت الأبيض، إنه لا صبر لديهم على هذا الشجار، محذرين الأميركيين بالفعل من احتمالية وقوع المزيد من المؤامرات الإرهابية لتنظيم القاعدة.

وقال برينان خلال مقابلة أجريت معه، «كان لدينا نظام قائم لالتقاط هذه المعلومات الثمينة، بسبب ما أنفق على نظام جمع المعلومات، وكانت لدينا القدرة على وضع تصور عنها على ضوء قاعدة بيانات صممت تحديدا من أجل الحصول على هذه المعلومات الذاتية، وكانت لدينا هذه البيانات»، وأضاف «كان يمكن أن نجمع هذه المعلومات سويا، بل كان يجب أن نقوم بذلك، وهذا هو ما أغضب الرئيس».

تهديد متنامٍ

* لقد أدى التفجير الذي وقع في أغسطس (آب) الماضي داخل مكتب الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية، إلى مقتل شخص واحد، هو منفذ الهجوم الانتحاري، الذي أرسله تنظيم القاعدة في اليمن، ومع ذلك، فقد دقت محاولة الاغتيال ناقوس الخطر داخل الشرق الأوسط وواشنطن.

ومنذ بداية عمل إدارة أوباما، ركز مسؤولون أميركيون على التهديد المتنامي داخل اليمن، حيث اجتمعت عناصر تنظيم القاعدة من السعودية واليمن في الفترة الأخير، وشكلوا تحالفا خطيرا تحت اسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

وأظهر الهجوم الذي استهدف الأمير محمد بن نايف، وهو المسؤول الأبرز في مجال مكافحة الإرهاب داخل السعودية، أن طموحات التنظيم الجديد تزداد، وعزز من التحذيرات المرتبطة بجدوى المتفجرات كتهديد على الطائرات، وخلال أسبوع ذهب برينان إلى السعودية لرؤيته، وسرعان ما عززت الولايات المتحدة من أنظمة التجسس الإلكتروني وغيرها داخل اليمن، وكثفت الجهود الدبلوماسية لدفع القيادات اليمنية إلى ضرب المسلحين.

وجاء إنذار آخر في مطلع نوفمبر، عندما قتل الميجور نضال مالك حسن 12 جنديا في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، ويقول محققون أميركيون، إنه خلال العام الذي سبق، أرسل الميجور حسن أكثر من 12 رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى أنور العولقي، وهو رجل دين راديكالي أميركي المولد يعيش داخل اليمن، وقال مسؤولون إنه بعد أمر بمراجعة أي اتصالات مع متطرفين محتملين والعولقي، بدأت السلطات الأميركية تجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية.

واشتملت بعض المعلومات على تحذيرات أكبر، ويقول مسؤول، إن عناصر تنظيم القاعدة داخل اليمن رُصدت تتناقش حول رجل يدعى، عمر الفاروق، كان على اتصال مؤخرا مع أنور العولقي (رجل الدين اليمني، الأميركي الجنسية) بخصوص التطوع لتنفيذ عمليات إرهابية، وعلم مسؤولون استخباراتيون أميركيون عن هذه المحادثة في نوفمبر، على الرغم من أن جهازا استخباراتيا أجنبيا اعترضها في أغسطس.

واعترضت وكالة الأمن القومي محادثة تليفونية أخرى في نوفمبر، كانت لعناصر تابعة لتنظيم القاعدة داخل اليمن، تتحدث فيها حول رجل نيجيري لم تذكر اسمه يجري إعداده لتنفيذ عملية (معلوم أن عبد المطلب نيجيري)، وخلال الشهر الذي تلاه، رصد مسؤولون استخباراتيون عناصر تابعة لتنظيم القاعدة تتحدث عن إرسال مسلح إلى الغرب لتنفيذ هجوم.

وذكرت محادثات أخرى، تم اعتراضها، حدثا هاما سيقع يوم أعياد الميلاد، ولكنه لم يكن واضحا هل يتعلق هذا الحدث بهجوم ضد هدف أميركي أم تحرك لمناصري تنظيم القاعدة، ربما حفزها غارات مميتة بدأتها القوات اليمنية في منتصف ديسمبر حسب ما قاله مسؤولون.

وخلال الأسابيع الأخيرة من العام الماضي استخدم مسؤولو الاستخبارات المركزية الأميركية أقمار التجسس واعتراض الاتصالات بشكل رئيسي في التركيز على تحديد مواقع مقاتلي «القاعدة» حتى يتمكن الجيش اليمني من قصفهم، للحيلولة دون وقوع هجمات على سفارة الولايات المتحدة في اليمن أو الأفراد أو الأهداف في المنطقة ذات الصلة بالولايات المتحدة.

بيد أنهم تركوا أنفسهم عرضة للخطر دون قصد، فقد افترض مسؤولو مكافحة الإرهاب أن مقاتلي «القاعدة» غير مجهزين بتكنولوجيا متقدمة أو تتوافر لديهم الرغبة الكافية في إرسال عناصرهم إلى الولايات المتحدة، ولم يحوّل أحد المزيد من محللي الاستخبارات إلى المهمة حتى يتمكنوا من دعم العمليات العسكرية من قبل اليمن، في الوقت الذي يقومون فيه بالتدقيق في المعلومات الواردة بشأن الإشارات الخاصة بالهجمات القادمة ضد الأميركيين.

إذا على الرغم من توافر معلومات كافية لمحللي الاستخبارات قبل «الكريسماس» تمكنهم من صدّ محاولة التفجير الانتحاري على رحلة نورث ويست، فإنهم لم يتحركوا.

وقال برينان في 7 يناير، في جلسة الاستماع التي عقدت في البيت الأبيض: «لم نكن نعلم أنهم متقدمون إلى الدرجة التي يمكنهم من خلالها شن هجمات فردية هنا، فقطعية الأحجية الناقصة لم يتصور أنها ستكتمل هنا في أميركا».

كان الهدف من وراء إصلاح أجهزة الاستخبارات الأميركية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، التغلب على معضلة المعلومات، والتأكد من أن كل الوكالات تتبادل المعلومات مع بعضها بعضا، ونتيجة لذلك أنشأت طبقات متعددة من المحللين المتخصصين في التعامل مع الإرهاب لضمان ألا يتم تجاهل الأدلة المتباينة حول الهجمة التالية أو التغافل عنها.

لكن في الأسابيع التي سبقت «الكريسماس» كانت الأخطاء في البنيوية واضحة للعيان، فلم يكن هناك شخص أو وحدة مسؤولة عن تتبع المعلومات الاستخباراتية التي ترد، ففي المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، الواقع خارج واشنطن ويضم متخصصين قادرين على استحضار سيل من المعلومات من أكثر من 80 قاعدة بيانات في الوكالات الحكومية، عمل فريقان من محللي الاستخبارات على جزأين مختلفين من نفس المشكلة، بيد أنهما لم يتعاونا مطلقا على توحيد الخيوط سويا، الخيوط المتعلقة بمحاولة تفجير الطائرة التي تدنو.

كذلك تلقت مجموعة من محللي قوائم الانتظار معلومات من سفارة الولايات المتحدة في نيجيريا، أن والد عبد المطلب أبلغ عن فقده واحتمالية خضوعه لتأثير الجماعات المتطرفة الموجودة في اليمن.

لكن المسؤولين الأميركيين في نيجيريا لم يتعاملوا مع كلام عبد المطلب بالجدية الكافية، ولم تدق نواقيس الخطر في السفارة الأميركية في اليمن أيضا، وداخل الملفات الإلكترونية التي تضم معلومات استخباراتية يملك محللو الاستخبارات في مركز مكافحة الإرهاب مسودة مذكرة أعدتها وكالة الاستخبارات المركزية تحوي السيرة الذاتية للشاب عبد المطلب.

كانت تلك المعلومات كافية بالنسبة للفريق المؤلف من أكثر 20 متخصصا، أن يضيف عبد المطلب إلى قائمة الإرهابيين المشتبه فيهم التي تضم 550 ألف شخص حول العالم، والذين قد يشكلون تهديدا للولايات المتحدة، وعلى الرغم من إغفال المحللين المعلومات الأخرى الموجودة على أنظمة حاسباتهم، فإنهم لم يضعوه في قواعد البيانات الأكثر حصرية، التي يمكن أن ينتج عنها وضع على قوائم الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة.

أما الفريق الثاني فكان يتألف من نحو 300 محلل معلومات من جميع المصادر، فقد فشل هو الآخر في استخلاص الرابط أيضا، كان من المفترض أن يكوّن هذا الفريق المفكرون المتخصصون المضطلعون بإعداد تقييمات طويلة الأمد حول الجماعات الإرهابية وتمويلها ووسائل تجنيد المتطرفين وقيادتهم، لكن المسؤولين قالوا إنه على الرغم من قيام العشرات من المحللين بدراسة التهديد اليمني، فإنهم فشلوا على الدوام في فحص المعلومات الاستخباراتية الخام التي قدمت إشارات حول هجمة محتملة على الولايات المتحدة تخرج في الأساس من اليمن.

ويقول مسؤول إدارة أوباما الآن، إن مركز مكافح الإرهاب بحاجة إلى أفراد توكل إليهم مهمة التحقق من المعلومات الاستخباراتية، والعمل كمتحرين يعملون على حل القضايا.

ويقف المحللون الآن في موقف حرج، بسبب أنظمة الحاسبات التي لا يمكنها البحث بصورة أوتوماتيكية بسهولة، وبصورة متكررة، على الحلقات المحتملة، حتى إن أبسط كلمات البحث الرئيسية تمثل تحديا، وذلك بحسب التقرير الذي أعده محققون للجنة مجلس النواب الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا.

وقال النائب الديمقراطي عن ولاية كارولينا ورئيس لجنة مجلس النواب الخاصة بالإشراف على البرنامج، براد ميلر: «لا يستطيع البرنامج الوصل بين الحلقات أو البحث عن المفقود منها».

بعض المعلومات التي جمعتها وكالة الاستخبارات المركزية لم توزع، فمسودة المذكرة الخاصة بعبد المطلب التي تم توزيعها داخل الوكالة كانت تحوي معلومات أضافها ضباط من قسم أفريقيا ومركز مكافحة الإرهاب، لكن في يوم أعياد الميلاد كانت المسودة النهائية لا تزال قابعة في حاسب محلل صغير في «سي آي إيه» تنتظر وضع صورة للشاب النيجيري، ونظرا لأن الشاب لم يكن معروفا للمحلل فقد أرسلت الصورة إلى وكالات مكافحة تجسس أخرى.

وقال مسؤول رفيع في الإدارة: «كانت هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تبدل من مسار الأحداث»، وقد كشفت توابع المؤامرة الإرهابية بعض التوترات المضطربة التي عقدت من مهمة الحكومة في إصلاح تلك المشكلات، وقد ألقى أحد كبار مسؤولي الإدارة باللوم على دنيس بلير، مدير الاستخبارات الوطنية في الفشل في تعيين محللي استخبارات إضافيين للتركيز على اليمن والفشل أيضا في توقع التهديدات المحتملة الموجهة ضد الولايات المتحدة.

من جانبهم أبدى بعض كبار مسؤولي الاستخبارات غضبهم تجاه ما اعتبروه محاولة من البيت الأبيض لإلقاء اللوم على هذا الفشل الاستخباراتي على وكالات التجسس الاستخباراتية الأميركية بمفردها.

لكن بلير رد على المسودات الأولية لتقرير البيت الأبيض، بأن محاولة تفجير الطائرة لم تتحدث بصورة كافية عن وجود صعوبات في وضع اسم على لائحة الانتظار، وقد تأخر إصدار التقرير عدة ساعات حتى يتمكن بلير من القيام بتعديلات على النسخة النهائية.

وقد أضيفت هذه التوترات إلى القلق الذي عبر عنه المشرعون النافذون، والذين قالوا إن مسؤولي الإدارة قالوا لهم في جلسة استماع، إن الولايات المتحدة تعتقد أن «القاعدة» في اليمن قد تستخدم شبابا مثل عبد المطلب في التفجيرات الانتحارية على متن طائرات.

وقال مايكل ماكول، النائب عن ولاية تكساس، العضو البارز في لجنة مجلس النواب لاستخبارات الأمن القومي: «نحن لا نعلم عدد الأشخاص الآخرين الذين لا يزالون هناك، والذين دربهم المتطرفون في اليمن، وربما ما زالوا يحاولون القيام بنفس العمل».

- شارك ستيفن إرلانغر ومايك ماكينتر في كتابة التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»