مجزرة مباراة الكرة الطائرة.. انتقام طالبان من قرية باكستانية حاربتها

أهالي القرية: نحن بشتون وسنثأر من طالبان التي نشرت الفكر الضال بين شبابنا

TT

عندما قاد تفجيري انتحاري شاحنته إلى داخل ملعب تجرى به مباراة للكرة الطائرة في شمال غربي باكستان، منذ ما يزيد قليلا على أسبوعين، أسفر التفجير عن مقتل رجال شباب من كل أسرة داخل هذا المجتمع القبلي الصغير الذي تربط أفراده عرى وثيقة. وكان من بين القتلى الانتحاري نفسه.

وتعد الأحداث التي أدت إلى المذبحة في شاه حسن خيل، والتي لقي خلالها أكثر من 100 حتفهم، بمثابة عبرة تتناول مجتمعا أجبر على الاختيار بين جماعة طالبان والدولة. وعلى الرغم مما يجمع أبناءه من علاقات القرابة وقرون طويلة من التقاليد والأعراف القبلية، فقد مزقتهم الأيديولوجية المتطرفة.

ويعد هذا الهجوم أكثر الأعمال الانتقامية فتكا حتى الآن من قبل قوى إسلامية متطرفة ضد حفنة من المجتمعات القاطنة بشمال غربي باكستان حاولت التصدي لهذه القوى. ففي الماضي، عمدت عناصر مسلحة إلى مهاجمة أو قتل قيادات محلية شكلت قوات مسلحة ضدهم، لكنهم لم يقدموا قط على إرهاب قرية بأكملها.

الأسبوع الماضي، وصف العديد من قادة قرية شاه حسن خيل مسرح المذبحة والذعر الذي ساد في أعقاب وقوع الهجوم، الذي خلف وراءه حفرة كبيرة بأرض الملعب وجثثا وأشلاء مبعثرة مشوهة لدرجة جعلت من المتعذر التعرف على هوية أصحابها. وأشار كل من هؤلاء القادة إلى قريب واحد لهم على الأقل لقي مصرعه في الهجوم أثناء اللعب أو مشاهدة المباراة. أيضا، كانوا على معرفة بالانتحاري الشاب، وهو أحد أبناء القرية ممن فروا مع طالبان. في هذا الصدد، قال مشتاق أحمد، مزارع نحيل الجسد يترأس لجنة السلام بالقرية، وهو اسم يشير إلى الميليشيات المناهضة لـطالبان: «فقدت كل أسرة في قريتنا قريبا لها، لكن ما من أحد يبكي. لقد دمرت القنبلة قريتنا، لكنها لم تسلبنا شجاعتنا. بمجرد انتهاء أيام الحداد الـ40 عندنا، سنقاتل، وسنظل نقاتل طالما بقي ولو رجل واحد في القرية». ويملك هؤلاء الرجال أكثر من مجرد أسلحة «كلاشنيكوف» التي يحملونها للتأكيد على جدية تهديدهم. ينتمي هؤلاء الرجال إلى قبيلة كبيرة (مروة) يعارض زعماؤها طالبان. ومثلما الحال مع خصومهم، ينتمون إلى البشتون، وتجبرهم تقاليدهم على الثأر وانتهاج مبدأ العين بالعين. ولم يتضح بعد ما إذا كانت المجتمعات الأخرى بالمنطقة ستستخلص درسا مغايرا من المذبحة وتفكر مليا قبل الإقدام على تحدي عدو بمقدوره إقناع أطفالهم بقتلهم.

ترك الهجوم قرية شاه حسن خيل في حالة من الفوضى والحزن، خاصة وأن المتطرفين الإسلاميين الذين ظهروا بالمنطقة الفقيرة منذ عامين لم يكونوا عدوا غريبا، وإنما عناصر محلية ينتمون لنفس الجذور العرقية والدين التي ينتمي إليها جيرانهم. وقد نجح المتطرفون في إقناع بضع عائلات بتأييدهم وأغووا الشباب النصف أمي بالانضمام إلى قضيتهم بناء على وعود بالمال والسلطة والخلاص.

من بين المتعاونين مع المتطرفين نجل مدرس في القرية، عبيد الله، حاول والداه إقناعه بالعدول عن فكره دونما جدوى، ثم طرداه من المنزل في نهاية الأمر. لم يشاهده أحد خلال الشهور الماضية، لكن العديد من الناجين تعرفوا عليه باعتباره سائق السيارة الرياضية التي اقتحمت الملعب وانفجرت. وقال آخرون أنهم رأوا أيضا فارزاند، نجل شقيق أحد زعماء طالبان المحليين. وانتابت قيادات القرية حيرة كبيرة في محاولة تفسير كيف تحول شباب من القرية، جاوزوا بالكاد مرحلة المراهقة، إلى مثل هذا النهج بالغ العنف ضد ذويهم. لكنهم وصفوا عملية بطيئة من الإقناع والتخويف تعرض لها الشباب على يد قيادات في طالبان وفدوا إلى المنطقة منذ عامين.

في هذا الصدد، قال أحمد: «عندما أتوا إلينا في البداية، قالوا إنهم يرغبون في إقامة نظام إسلامي بحق، ولن يسببوا لنا أي متاعب. كانوا يتحدثون إلى فتياننا ويمنحونهم أموالا. بعد بعض الوقت، بدأوا في مضايقة المدرسات من بنات مجتمعنا واعترضوا على النساء اللائي كن يقمن بالتطعيم. ثم بدأوا عمليات اختطاف وجرائم أخرى، وانتقل بعض فتياننا إلى العمل معهم. ودمروا بيئتنا المسالمة».

جدير بالذكر أن شاه حسن خيل تقع في منطقة عازلة تدعى لاكي مروة، تقع بين الأراضي الباكستانية الخاضعة لسيطرة الدولة والأخرى القبلية التي يغيب عنها حكم القانون، والواقعة على الحدود مع أفغانستان: حيث تقاتل طالبان ضد الجيش الباكستاني. حتى مطلع العام الماضي، أبقى قادة مروة على خطر المسلحين بعيدا من خلال عقد مجالس «جيرجا» هددوا خلالها بإطلاق يد آلاف من رجال الميلشيات حال عدم التزام طالبان نهجا سلميا داخل منطقتهم.

في هذا السياق، قال أنور كمال مروة، شيخ القبيلة، الذي يحتفظ بمجموعة متنوعة من الأسلحة الثقيلة في منزله ونال درجة علمية في القانون ومقعدا في البرلمان: «أوضحنا تماما أنه ليس بإمكاننا السماح لهم بتنفيذ عمليات انطلاقا من منطقتنا. وقمت برسم خط محدد، وجعلنا من لاكي أكثر مناطق الشمال الغربي بأسره أمنا».

إلا أنه بحلول الصيف الماضي، انهار الاتفاق، وشن مقاتلو طالبان هجمات ضد المنطقة، حسبما أوضح قادة بمروة وآخرون محليين. وعليه، استدعى أبناء مروة الميلشيا المحلية وواجهوا المسلحين في معارك متكررة، وقتلوا البعض منهم وسلموا آخرين إلى السلطات. ومع ذلك، استمر المسلحون في الاعتداء على شاه حسن خيل وقرى أخرى.

وأخيرا، في الخريف الماضي، أمر مسؤولو الجيش أبناء القرى بطرد قوات طالبان المحلية والمتعاطفين معهم خارج قراهم أو تنحيتهم جانبا. وجرى إجلاء سكان القرية، ثم قصفت القرية. وعندما عاد السكان إلى ديارهم الشتاء الماضي، وجدوا ماشيتهم مقتولة ومنازلهم مدمرة، بينما رحل جيرانهم الموالين لـطالبان.

وقد كان من شأن التفجير الذي وقع في مباراة كرة اليد محو جيل من شباب شاه حسن خيل. وعلى الرغم من أن المسؤول المحلي الأول قدم تعازيه إلى أسر الضحايا أثناء زيارة قصيرة قام بها عبر طائرة مروحية، وأن عدة مئات من القوات الحكومية تقوم الآن بدوريات في المنطقة، فإن سكان القرية يؤكدون أنهم لا يثقون بالقوات الحكومية.

بدلا من ذلك، ارتد أبناء القرية إلى ولاءاتهم وغرائزهم البدائية، وتعهدوا بالثأر من أعضاء طالبان الذين نشروا فكرهم الضال بين شبابهم.

في هذا السياق، قال أحمد: «إننا بشتون، وسننتقم مما نالنا». وأضاف أنه بعد الحادث، «حاولنا التخفيف عن الجرحى والمحتضرين» وأخبرناهم «لا تبكوا! هذه هدية من الله، وسيمنحنا الله مزيدا من القوة كي نقاتل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»