عصابات تتعاون مع «القاعدة» وتجار المخدرات وراء مقتل السعوديين بالنيجر

الجماعات المسلحة تمركزت في منطقة الحدود المالية الموريتانية بسبب تضاريسها

TT

طرح مقتل وجرح ستة سعوديين شمال النيجر على يد مسلحين مجهولين عدة تساؤلات حول العصابات المسيطرة على الصحراء الإفريقية الواسعة الممتدة على طول الساحل الحدودي بين مالي وموريتانيا والجزائر وصولا إلى تشاد، حيث أصبح المجال الصحراوي خارجا عن سيطرة أي سلطة في الدول المذكورة وأصبح مجالا خصبا للقاعدة وغيرها من الحركات الإسلامية المسلحة ناهيك بتجار المخدرات واللصوص وقطاع الطرق.

وجميعها مجموعات تعمل جنبا إلى جنب في أكبر مجال حدودي غائب عن سيطرة أي سلطة محلية أو إقليمية، وفشلت جميع الجهود المبذولة لوضع الرقابة عليه.

وأكد مقتل السعوديين مدى تشابك الوضع، حيث تبين من التحقيقات أنهم ضحية عصابات متنوعة الأهداف، تحترف قطع الطريق وتتعاون مع تنظيم القاعدة وتجار المخدرات في ذات الوقت.

وقد كشف مصدر أمني رفيع في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» أن المتورط الرئيسي في مقتل السعوديين هو عربي من المنطقة، وهو صاحب سوابق معروف يتعاون مع جميع العصابات في البلدان المذكورة بما في ذلك «القاعدة»، وقد رصد تحرك موكب السعوديين بواسطة شخصية كانت على تواصل وثيق بالضحايا. وحتى كتابة هذا التقرير تفيد التحقيقات أن الذين يجري التحقيق معهم في النيجر هم ثلاثة أفراد من بينهم دبلوماسي نيجري سبق أن عمل في إحدى دول الخليج، إضافة إلى موظفة أمنية وسائق خاص، جميعهم - حسب التحقيقات - كانوا على اتصال مع ضحايا الاعتداء، وهم من كانوا وراء تنسيق رحلة الصيد (غير الشرعية حسب السلطات المحلية)، التي بدأت في النيجر وكان من المفترض أن تشمل الأراضي المالية دون أي علم للسلطات.

إلا أن التحقيقات القضائية الجارية لم تؤكد حتى الآن ضلوع المعتقلين في التآمر، رغم صلة بعضهم بالعصابة المتهمة والمكونة في الغالب من نيجريين وماليين.

وتفيد المصادر المحلية أن منطقة الصحراء التي تعد واحدة من أكثر المناطق إغراء للصياديين خصوصا من منطقة الخليج أصبحت خارج سيطرة هذه الدول بعد انتشار المجموعات الإسلامية التي امتهنت خطف السياح، إضافة إلى تجار المخدرات. وهو ما دعا إلى نشوء سوق سوداء للصيد تقوم باستغلال الفجوة الأمنية الكبيرة وتغري هواة الصيد بالقدوم وممارسة هوايتهم بإشراف هذه المجموعات القبيلة التي تقوم بتأمين مسارات آمنة لرحلات الصيد عير المرخص وتقوم بحماية الصيادين.

وحسب مصدر أمني رفيع تحدثت معه «الشرق الأوسط» شمال مالي أكد أن قضية الصيد أضحت من الأمور المقلقة لهذه الدول حيث تم ضبط أفراد من القاعدة وممولين يأتون في قوافل صيد من منطقة الشرق الأوسط، مما جعل الأمر ملتبسا على السلطات التي لم تعد تفرّق بين الصيادين وبعض ممولي القاعدة في المغرب العربي. وقد دعا المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته هواة الصيد إلى اتخاذ الحيطة والتنسيق مع السلطات المحلية في هذه البلدان لتوفير الحماية لهم واختيار المواقع الآمنة لرحلاتهم.

وأشار إلى أن ممولين لـ«القاعدة» تم رصدهم في العام الماضي رفضوا مرافقة القوات الأمنية لهم، وقد رصدتهم السلطات المحلية في مالي حيث قاموا بإيصال أموال ووسائل اتصال حديثة لمجموعات يشتبه في انتمائها إلى «القاعدة».

وأكد المسؤول أن كثيرا من هؤلاء وغيرهم من الصيادين غير الشرعيين تعرضوا لأنواع من السلب والنهب إلا أن أيا منهم لم يتقدم بشكوى للسلطات لعدم شرعية الأعمال التي يقومون بها، مؤكدا أن شكوك السلطات في محلها خصوصا أن جماعات الصيد المشبوهة والجماعات الإسلامية المسلحة يتحركون في نفس المجال، مشددا على نشر هذه الحقائق لتنبيه الصيادين من الوقوع في أيد العصابات والدخول إلى هذه المناطق الخطرة.

وفي التحقيق الذي أعدته الشرق الأوسط أكد مسؤولون أمنيون أن منطقة الحدود المالية الموريتانية بالتحديد أصبحت المجال الأكثر تعقيدا في المنطقة، بعد أن اتخذت فيها الجماعات المسلحة مجالا أمنا بسبب تضاريسها الوعرة وصعوبة الوصول إليها من قبل القوات الأمنية، وقد اتخذت منها «القاعدة» وتجار المخدرات موقعا آمنا لممارسة عمليات خطف السياح وإعادة توزيع المخدرات القادمة عبر ما يسمى طائرات الرحلة الواحدة من أميركا الجنوبية. وتنتشر في الصحراء اليوم هياكل طائرات قديمة تأتي في رحلة واحدة محملة بأطنان المخدرات ويتم حرقها فورا بعد إفراغ حمولتها. لتتجه إلى دول حزام الصحراء بدءا من موريتانيا وحتى مصر والسودان.

وهي عمليات تقف حكومات المنطقة مكتوفة الأيدي تجاهها، خصوصا أن مجموعات «القاعدة» وتجار المخدرات استطاعوا اختراق بعض المجموعات القبلية بل ومصاهرتها، إضافة إلى رشى سخية يقدمونها لبعض صغار الموظفين في المناطق الحدودية لهذه الدول.

وقد أصبحت «القاعدة» والمجموعات العاملة بجوارها سادة الصحراء اليوم حيث يقومون بحفر الآبار ومساعدة بعض السكان المحليين للتستر عليهم، وقد أضحت عملة اليورو الأكثر انتشارا بين سكان الصحراء بفضل مبالغ الفدية الضخمة التي تتلقاها «القاعدة» مقابل إطلاق رهائنها.

وكشفت تقارير استخباراتية محلية أن كل هذه المجموعات المكونة من القاعدة وتجار المخدرات والمتاجرين بالبشر وتجار الصيد غير المرخص تعمل جنبا إلى جنب وتتعاون أحيانا مع بعضها بسبب معاداتها لأنظمة هذه الدول التي عجزت عن محاربتها بسبب الخسائر البشرية الفادحة التي تُمنَى بها في كل محاولة اشتباك معها.

وتتوزع في الصحراء عدة مجموعات أهمها مجموعة عبد الحميد ويحيى أبو لمام المتمركزة في منطقة الرزيقة 180 كلم شمال غرب تمبكتو، وهي المنطقة التي تسكنها قبائل الوسراس العربية المعروفة بتدينها وتعد من أكثر الأماكن وعورة، وتمتاز بغطاء نباتي كثيف إضافة إلى مسالكها الوعرة وامتداد رقعتها المحاذية للحدود الموريتانية في مجال يتجاوز 200 كلم وهو مجال يصعب كشف أي تحرك فيه، وفيه تم رصد رحلات لطائرات «سيسنا» مجهولة عدة مرات، يُشتبه أنها طائرات تابعة لـ«القاعدة» وتجار المخدرات، وهو ما أكده تقرير أميركي نُشر مؤخرا أكد رصد رحلات طيران مجهولة تحط في المنطقة منذ عام 2008.

وتشير تقارير أمنية إلى أن مجموعات «القاعدة» اتخذت من هذه المنطقة مجالها الآمن وحفرت آبارا يتزودون منها بالمياه. كما قام بعض قادة القاعدة بالزواج من بنات هذه القبائل وإغداق المال عليها.

وتتكون المجموعات التابعة لـ«القاعدة» في هذه المنطقة في غالبها من جزائريين وموريتانيين وماليين ونيجريين وأقليات إفريقية أخرى من نيجيريا وغانا، والفئات الأخيرة ذات البشرة السمراء هي الأكثر خطورة حسب مسؤولين أمنيين لصعوبة تفريقها عن الأفارقة في المنطقة. وتقدر السلطات عدد خلايا القاعدة الناشطة في الحزام الحدودي بين مالي وموريتانيا بنحو 150 عنصرا مدججا بالأسلحة والمال وأحدث وسائل الاتصال، وتتحرك هذه المجموعات في حال الخطر نحو الحدود المالية النيجرية سالكين الشريط الحدودي الجزائري، وهي منطقة جبلية صعبة التضاريس يصعب رصدهم فيها. وهو مجال لجماعة أخرى يتزعمها الجزائري مختار بالمختار (بلعور) الذي يعد من أكثر المتمرسين في الصحراء ومسالكها، والأكثر صلة بقبائل المنطقة.

يُجمِع الخبراء في المنطقة على أن جهود محاربة هذه الجماعات فشلت لعدة أسباب، أهمها قلة إمكانيات دول المنطقة، تحديدا مالي والنيجر وموريتانيا. إضافة إلى تغلغل الجماعات المسلحة وغيرها بين السكان المحليين ورشوة موظفين كبار وصغار في أجهزة هذه الدول إضافة إلى تفوقهم في حرب العصابات على هذه الدول التي مُنيت بهزائم في مواجهاتها معهم. ورغم وجود مراكز رصد وتمويل من قبل القوات الأميركية في إفريقيا «أفريكوم» فإن الأخيرة لم تستطع الولوج إلى الصحراء بسبب مخاوفها من تكبد خسائر بشرية، واكتفت بتدريب عناصر محلية غير قادرة على مواجهة خطر «القاعدة» والعصابات المنتشرة في الصحراء.

وقد تجاوزت القاعدة وعناصرها الصحراء إلى المدن حيث يُشتبه في ظهور أفراد من «القاعدة» أو متعاطفين معها كرجال أعمال في بعض المدن الإفريقية يقومون بغسل أموال القاعدة والجماعات الإسلامية وتجار المخدرات، ويمارسون شتى الأعمال بدءا من تجارة الألماس الإفريقي، والنفط وانتهاء بالأعمال المصرفية. وهو ما حمل بعض أقلام المعارضة في هذه الدول بعدم الرغبة في محاربة «القاعدة»، لاستنزاف تعاطف العالم مع «أنظمة فاسدة» تحاول تقديم نفسها على أنها ضحية لبعبع «القاعدة» وتجارة المخدرات وتجارة البشر، وهو الأولوية التي يجعلها الغرب نصب عينيه في تقديم أي مساعدة لأنظمة العالم الثالث.

ويشير مراقبون إلى أن الجهود الأمنية التي تبذلها دول الساحل والصحراء المكونة من 28 دولة لمحاربة الاضطراب في المنطقة سيظل ناقصا في غياب أحد أهم اللاعبين في المنطقة، وهو الجزائر، التي تعد شريكا مهما في أي تحرك أمني في المنطقة، إضافة إلى التهديدات التي يمثلها الصراع في الصحراء الغربية التي ستجعل ثقافة حركات التحرر والتمرد باقية ومستمرة في المنطقة. ويرى هؤلاء أن عدم سكون الصحراء يرجع بالدرجة إلى وجود صراع مستمر يغذيه فكر المنظمات الانفصالية مثل البوليساريو والواقفين خلفها.

وستبقى المنطقة مجالا متناميا وأرضا خصبة وملجأ آمنا لكل الحركات في ظل غياب أي تكامل وتوافق استراتيجي أمني حولها. حيث ترزح اليوم بين رغبة أميركية تحاول السيطرة عليها، ورؤية فرنسية تنظر إلى الريبة للأهداف الأميركية في منطقة نفوذها ورغبة هذه الدول في استتباب أمنها بعيدا عن أي سيطرة أو نزاع عليها.