علاوي: ترشيحي لرئاسة الحكومة المقبلة متروك للشعب.. وخيارات كتلتنا

رئيس كتلة «العراقية» لـ«الشرق الأوسط»: أميركا مطالبة بالتدخل لوقف تداعيات إجراءاتها

إياد علاوي (أ.ب)
TT

اعتبر الدكتور إياد علاوي، رئيس القائمة العراقية ورئيس أول حكومة عراقية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، هيئة المساءلة والعدالة «غير قانونية وغير دستورية وغير منطقية ولا تعبر عن الإيمان بالعملية الديمقراطية والالتزام بقواعدها وقواعد القانون. وهي بالتالي وبالتوجه العام، إجراء سياسي يهدف إلى مصادرة الديمقراطية وتقويض السلم الأهلي والخلاص من الخصوم السياسيين. لقد حصلت مساومات لرفع أسماء وإدخال أسماء أخرى»، مؤكدا أن هناك من يقف وراء إجراءات هذه الهيئة التي تتمثل في إقصاء أعداد كبيرة من المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة «فالواجهة أشخاص لا يتعدون أصابع اليد، لكن هناك بالتأكيد من يقف خلفهم ويدعمهم ويحركهم. ليس لي علم عدا التكهن» على حد قوله.

علاوي الذي تقدم للانتخابات البرلمانية المقبلة بأكبر تكتل سياسي أطلق عليه اسم «العراقية»، وهو العنوان ذاته الذي كان قد حمله تكتله في الانتخابات السابقة، لكن تحالفاته الراهنة، وهي الأوسع بين كل الكيانات الانتخابية المرشحة للانتخابات، حيث تضم 500 مرشح من كل المحافظات عدا محافظات كردستان، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر بريده الإلكتروني، قائلا عن هيئة المساءلة والعدالة، التي تعد قائمته من أكثر ضحاياها، قائلا إن «هيئة اجتثاث البعث (وهي نفسها «المساءلة والعدالة» اليوم) التي أسسها الأميركيون، بعيدة كل البعد عن المساءلة العادلة، وللأسف استطاعت هذه اللجنة، وهي مجموعة من الأشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، إيذاء العملية الديمقراطية ومصادرتها لصالح الفئوية، مما يثير كثيرا من علامات الاستفهام عن دورها ومن يقف حقيقة وراءها»، منبها إلى أن «هذه الهيئة استهدفت كل من له علاقة بالمشروع الوطني، أو كانت له علاقة، أو محتمل أن تكون له علاقة. هي تصفية الخصوم السياسيين باسم تصفية البعث».

ويعرف عن علاوي، الذي غالبا ما توجه إليه اتهامات بأنه على علاقة بالبعثيين، بأنه كان من أكثر معارضي الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين صلابة، حتى إنه تعرض لأكثر من 14 محاولة اغتيال، ويعلق على التصريحات والأحاديث التي صدرت عن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي وحزبه (الدعوة الإسلامية) الموجهة لرئيس «القائمة العراقية»، خاصة في ما يتعلق بموضوع الاتصال بالبعثيين، قائلا: «موضوع الاتصال بالبعثيين أكل الدهر عليه وشرب، وسيمضي عقد من الزمان على سقوط النظام السابق على يد الأميركيين، فلا يمكن أن تكون قضية البعث قضية جدية فعلا، لكن (البعث) و(الإرهاب) و(المخبر السري) كلها قوانين قد تم تسييسها وأخذت تستعمل كسلاح سياسي لضرب الخصوم. هذا من جانب، أما من جانب آخر فدولة السيد رئيس الوزراء المالكي يجب أن يكون رئيسا لوزراء العراق وأن يمارس هذا الدور ولا يشجع إلا المصالحة الوطنية وهذه نصيحة مخلصة له».

ويوضح علاوي متحدثا عن موضوع حزب البعث من جهة، وفي رده على سؤال حول ما إذا كان سيرشح نفسه كرئيس للحكومة المقبلة من جهة أخرى، قائلا: «حول موضوع ترشيحي لرئاسة الحكومة القادمة، فهذا متروك للشعب وخياراته وخيارات الكتلة، وأنا عندما ناضلت ضد نظام صدام حسين، بل حتى قبل هذه المرحلة عندما كنت عضوا في حزب البعث واشتركت في انقلاب 17 يونيو (حزيران) 1968 وكنت لا أزال طالبا في الكلية الطبية وفي عمر الشباب، لم يكن في تصوري أن أتسلم وظيفة أو أي منصب حكومي، ولم أفكر في هذه المسألة على الإطلاق. حتى عندما تسلم البعث السلطة عام 1968، وأنا تركت البعث والعراق عام 1971؛ خلال هذه السنوات عرضت عليّ الكثير من المواقع والمناصب ولم أوافق وكنت أستهجن هذا الموضوع. كان أملي هو إنهاء دراستي في كلية الطب، وأنهيتها، وأن يبنى العراق على أسس حقيقية كنا مؤمنين بها. وعندما تركت البعث وناضلت ضد النظام السابق، أيضا لم يكن في خلدي أن آتي في موقع المسؤولية، كنت أعمل للمساهمة مثل بقية العراقيين في تغيير النظام، وإنقاذ الشعب العراقي من الممارسات القاسية التي كان يرزح تحتها».

وتحدث الرئيس الأسبق للحكومة العراقية عن قائمته «العراقية» التي انضم إليها طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، ورافع العيساوي، نائب رئيس الوزراء، وصالح المطلك، زعيم جبهة الحوار الوطني، الذي يدور الحديث عن منعه من الترشح للانتخابات من قبل هيئة المساءلة والعدالة مع كيانه السياسي عملا بالبند السابع من الدستور العراقي الذي يحظر الترويج لأفكار البعث، قائلا: «هناك ثلاثة وأربعون كيانا (شخصيات وكتل) اندمجت مع القائمة العراقية الوطنية. وهناك كيانات تحالفت معها، وهي تسعة عشر كيانا وسمي هذا التكتل الجديد بـ(العراقية)».

وفي رده على سؤال يتعلق بإمكانية الاتفاق مع الأحزاب الكردية الرئيسية (الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق) لتشكيل كتلة وطنية واسعة، لا سيما أن علاوي يعد الأقرب إلى كل من الزعيمين الكرديين طالباني وبارزاني، قال إن «الخصوصية الكردية واضحة ولها ظروفها ومنطلقاتها، والتحالف الكردستاني وليد هذه الخصوصية، لكن التحالف الكردستاني يبقى الأقرب لنا من حيث المنطلقات اللاطائفية والإيمان بعدم تسييس الدين والإيمان بالحرية والانفتاح. لهذا، وفي انتظار ما ستتمخض عنه نتائج الانتخابات، لا بد من أن نفكر في علاقة تعاون أو تنسيق أو حتى علاقة جبهوية في مرحلة ما بعد الانتخابات وما يليها».

ويشير علاوي إلى أن «القائمة العراقية تؤمن ببرنامج واضح ومحدد له بعدان أساسيان؛ الأول مرتبط بتعديل مسارات العملية السياسية لتكون عملية متوازنة شاملة لا تستثني إلا الإرهابيين والقتلة فقط، والثاني يتعلق ببناء مشروع الدولة ذات المؤسسات الوطنية المحترفة والنزيهة، كما يعالج برنامج (العراقية) الأزمة الراهنة في العراق، ومنها موضوع مجتمع العدالة والرفاهية، الذي يعتمد على تحقيق وتوفير الخدمات للمجتمع العراقي، وفي مقدمتها توفير الماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليم والنقل وتقليص البطالة قدر الإمكان، وتوفير فرص العمل للعراقيين، والسكن. أما الجانب الآخر من برنامجنا فهو النهوض ورفع درجة الاستعداد في الجانب الأمني والعسكري بما يضمن سيادة ووحدة وأمن العراق، وأن يكون له جيش قوي يدافع عن الوطن، ومؤسسات دستورية راسخة باستطاعتها حماية الديمقراطية. فمن يؤمن بهذا البرنامج من المتحالفين عليه أن يلتزم بالعمل به. بالنسبة لنا لا بديل عن هذا البرنامج، وكما حافظنا على هذا النهج سابقا سنحافظ عليه الآن ونراهن كذلك على حتمية انتصاره».

وفي خطاب إعلانه عن قائمته «العراقية»، قال علاوي «يغمرنا اليوم الشعور بالانتصار لأن أغلب الائتلافات السياسية قد تنصلت من نهجها الجهوي السياسي الذي تصدينا له، وأخذت تقول إنها قد تبنت أخيرا الخيار الوطني، ذلك الخيار الذي تبنيناه نحن منذ سنوات طويلة، وتعرضنا بسببه للملاحقة والتهميش والإقصاء والقتل، مما يؤكد سلامة توجهنا. حيث سيكون الانتماء للعراق هو المنتصر على الجهوية السياسية مهما طال المسار وصعب الطريق». وحول ما إذا كانت الائتلافات السياسية الأخرى، الطائفية منها خاصة، مؤمنة بهذا الخيار الوطني، أم إن طروحاتها لأغراض انتخابية، قال: «بالتأكيد هناك من يقول، وهناك من يقول ويفعل. نحن نريد اقتران القول بالفعل. غير أن استبدال النهج لدى كثير من القوى السياسية هو دليل على تبدل نبض الشارع وإخفاق الطائفية والجهوية السياسية في كل المجالات ومنها مجالات الحكم. وهذا فعلا يؤكد سلامة توجهنا لأننا التزمنا بهذا منذ البدء ولم نتغير وإنما تغير الآخرون».

وحول توقعاته عن قيام بعض الكيانات الانتخابية باللجوء إلى استغلال المذهب أو الدين لأغراض انتخابية، قال: «بالتأكيد هناك قوى لا تمتلك مشروعا واضحا، فهي تتمسك بالدين أو المذهب أو الجهويات الأخرى للحصول على مواقع ولا ترغب في أن يكون الوطن الكبير هو فضاؤها الحقيقي».

ولا يجد علاوي وسيلة لتجنب ما حدث في تجربة خروج أحزاب وشخصيات كانت قد تحالفت مع «العراقية» في الانتخابات السابقة (مثل الحزب الشيوعي) وشخصيات تحولت إلى كتل أخرى بعدما وصلت إلى البرلمان عبر القائمة، حيث يقول: «لا وسيلة لتجنب ذلك، للأسف التجربة الديمقراطية جديدة في العراق والالتزام بالنهج والتوجه هو أولا إيمان شخصي والتزام طوعي ووفاء للرفقة، لكن بالتأكيد هناك مجموعة تحالفاتها مبنية على المرحلية، لكن الأغلبية متمسكة بالروابط الاستراتيجية، ونحن نحترم قرار من اختار مسارات أخرى، والانضمام إلى كتل ثانية، وهذا حقهم وحق أي مواطن في اختيار من يشاء ومن يريد أن يتحالف معه».

وعبر رئيس «القائمة العراقية» عن اعتقاده بأن يكون هناك المزيد من التصعيد الأمني «ونحن لا نزال في بداية الطريق، وأعتقد أن التصعيد مستمر وخطير وسيستمر أكثر، وخرج أصلا عن قواعد التنافس السياسي ليصل إلى حد هتك الأعراض وإلقاء التهم خارج الإطارات السياسية. المشكلة هي ليست قبل الانتخابات، لكن المشكلة الأكبر أو الجزء الأكبر من المشكلة سيكون بعد الانتخابات»، مشيرا إلى أن الانتخابات ستكون في موعدها «لكنها لن تكون نزيهة بدليل الأجواء السائدة الآن، ولربما ستكون محسومة النتائج قبل حصولها أصلا. فإن لم تكن (الانتخابات) شاملة تستثني الإرهاب والقتلة فقط، فستكون فاشلة، وهي ممكن أن توصف من الآن بهذا الوصف. أنا لا أتكلم عن سنة وشيعة، أنا أتكلم عن عراقيين، على الإعلام أن لا يشجع ما أريد للعراق؛ وهو إشعال نار الفتنة».

ووصف علاوي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بأنها «مغلوبة على أمرها» معبرا عن أسفه للـ«المواقف العربية والدولية، لأنها لا ترقى أبدا إلى المستوى المطلوب لإيقاف التدهور في الوضع العراقي، وهذا الأمر لازم الموقف العربي منذ عهد صدام ولحد الآن باستثناء مبادرة المغفور له الشيخ زايد». واتهم علاوي أميركا «فهي التي أدخلت اجتثاث البعث وتفكيك مؤسسات الدولة، وهي المطالَبة بالدرجة الأولى، بإيقاف تداعيات هذه الإجراءات الآن، خاصة أن العراق لا يزال تحت طائلة الفصل السابع». وحمل الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع في العراق الذي يخلو من «الخدمات والأمن، وليست هناك معالجة للأوضاع الاقتصادية، وهذا يتحمله كله الطيف السياسي المشارك في العملية السياسية، كما يتحمله الطيف السياسي الذي لا يزال خارج العملية، لكن تبقى الحكومة هي المسؤولة الأساسية عن هذه الإخفاقات»، منوها بأن «البرلمان لم يؤد دوره لأسباب كثيرة ومهمة، وعلى رأسها عدم وضوح العلاقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية والقضائية، وكذلك فقر العملية السياسية نفسها واعتمادها على الجهوية التي ولد منها المجلس النيابي والحكومة».

واعتبر علاوي أن وضع العراق مستقبلا سيعتمد «على قرار الشعب وعلى نزاهة الانتخابات. وحسبما تجري الأمور الآن، لا يبدو أن الانتخابات ستكون نزيهة، فإن لم تكن نزيهة فعلا (لا سمح الله) سيتعرض العراق، وربما المنطقة، لمشكلة كبيرة».

وعد علاوي دور الرئيس العراقي جلال طالباني وطنيا، وقال: «فخامة الرئيس جلال له دور وطني واضح وله علاقات إقليمية ودولية جيدة»، مشيرا إلى مسألة تجديد انتخابه للدورة القادمة كرئيس للجمهورية: «مجلس النواب والتوافقات السياسية بالتأكيد ستحدد هذا الأمر، وبناء أيضا على رغبة التحالف الكردستاني. نحن ساهمنا في انتخاب فخامة الأخ جلال رئيسا للجمهورية في المرتين الماضيتين».

في الوقت الذي عبر فيه علاوي عن أسفه لابتعاد «العراق كثيرا، وكذلك عن محيطه الإسلامي ودوره الدولي»، فإنه أكد بقوله حول لقائه السفير الإيراني الذي زاره في مكتبه في «العراقية» على أن «موقفنا واضح. نحن مع العلاقات الجيدة والمتوازنة المصالح مع إيران ودول الجوار والعالم، ومع احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والخصوصيات. هناك دعوة لي، حسبما أخبرت، لزيارة إيران، وأخبرت الجانب الإيراني أني سأعمل على ذلك بعد الانتخابات بغض النظر عن نتائج الانتخابات. وأنني أبحث عن سياقات للبحث مقبولة من الكل تضع كل الملفات العالقة وغير العالقة للنقاش والعلاقات مع العرب وإيران في مواقعها السليمة والصحيحة».