فرنسا متشائمة إزاء فرض رزمة جديدة من العقوبات ضد إيران.. وبكين تدعو إلى «الليونة»

طهران تهدد بضرب السفن الغربية في الخليج إذا تم استهداف منشآتها النووية

TT

توقعت فرنسا، التي تسعى إلى تسريع عملية فرض عقوبات جديدة على إيران مع توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي في فبراير (شباط) المقبل، عملية تفاوض صعبة فيما يتعلق بفرض عقوبات جديدة على طهران بسبب تعثر الحوار حول ملفها النووي، معربة عن تشاؤمها بإمكانية التوصل سريعا إلى قرار من هذا النوع خصوصا بسبب موقف الصين المعارض لفرض عقوبات سريعا على طهران.

وبدأت الدول الست المكلفة بالملف النووي الإيراني (الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) التي اجتمعت يوم السبت الماضي في نيويورك، في درس إمكانية فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب عدم امتثالها لقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن ملفها النووي. وقال دبلوماسي فرنسي: «ستكون العملية طويلة ومعقدة وستتأخر بسبب الصين».

وترى بكين التي تقيم تعاونا اقتصاديا وثيقا مع طهران أن فرض عقوبات جديدة على طهران سابق لأوانه. وبحسب باريس، سيكون المؤتمران الدوليان حول أفغانستان واليمن في لندن الأسبوع المقبل مناسبة لإجراء مباحثات جانبية حول إيران. ولم يكن للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران حتى الآن آثار اقتصادية حقيقية. وتريد واشنطن ولندن وباريس وموسكو وبرلين استهداف إيرادات إيران من خلال هذه العقوبات. وكان هناك اتجاه في البداية إلى منع الدول الأخرى بيع إيران كميات كبيرة من البنزين الذي تفتقر إليه بسبب إمكانياتها المحدودة في مجال تصفية النفط. إلا أنه تم التخلي عن هذه الفكرة لأن هذا الإجراء يطال مباشرة الشعب الإيراني وهو ما يمكن أن تكون له نتائج عكسية.

وقال خبير في الملف لوكالة الصحافة الفرنسية إن «لعدد من كوادر النظام الإيراني مصالح في المؤسسات الكبرى في قطاعات النقل والمصارف والمحروقات». وأضاف «إذا كان هناك توافق في إيران لامتلاك البلاد الطاقة النووية فهو غير موجود حول الثمن الواجب دفعه لتحقيق هذه الغاية» مشيرا ضمنا إلى الأزمة السياسية التي تهز البلاد منذ يونيو (حزيران) الماضي. ويقول مسؤولون فرنسيون إن الاضطرابات الداخلية لا تؤثر على مواصلة تطوير البرنامج النووي الإيراني. وأضاف المسؤولون أن «الإيرانيين يواصلون إنتاج اليورانيوم الضعيف التخصيب وفي نشر أجهزة الطرد المركزي. ويمكنهم مضاعفة إنتاجهم بين ليلة وضحاها حتى وإن واجهوا مشاكل تقنية عملانية».

ويؤكد الغربيون أنهم يحظون بدعم روسيا لفرض عقوبات جديدة على إيران قلما منحته لهم موسكو. وتأكد هذا الدعم لدى إعلان واشنطن ولندن وباريس في سبتمبر (أيلول) الماضي وجود موقع نووي إيراني سري. والسؤال الآن هو: هل الصين التي لا ترغب في أن تكون معزولة في الملفات الدولية، ستذهب إلى حد فرض فيتو في مجلس الأمن؟ إلا أن الفيتو ليس من مصلحة الدول الست التي سيعزز موقفها الموحد قوتها حيال طهران. وستحاول الدول إقناع الصين بالانضمام إليها وإن كان ذلك على حساب تخفيف مضمون قرار دولي جديد، وإن لزم الأمر تبني الاتحاد الأوروبي ما لم يتم تبنيه في الأمم المتحدة.

ودعت الصين أمس إلى اعتماد «الليونة» ومواصلة الحوار الذي يقف حاليا في طريق مسدود. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية ما زهاوتشو للصحافيين «إن الصين دعت على الدوام إلى تسوية الملف النووي الإيراني عبر الحوار والتشاور». وأكد المتحدث أن بكين تأمل في أن تعمق الأطراف مشاوراتها وتتحلى بـ«الليونة» بهدف الوصول إلى «حل سلمي».

ويأتي ذلك فيما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان بارست أن إيران ترى «إشارات واقعية» في توجه الدول الكبرى الست بشأن ملفها النووي. وقال المتحدث خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي «إن الحديث عن عقوبات يتكرر وذات نتيجة عكسية». وأضاف «إذا اتخذت بعض الدول الغربية موقفا، فعليها أن تصحح توجهها وأن تكون واقعية بشأن حقوقنا (في المجال النووي). إننا نرى إشارات تنم عن الواقعية». وكان مهمان بارست يرد على أسئلة تتعلق باجتماع ممثلي مجموعة الدول الست في نيويورك السبت الذي لم يؤد إلى أي قرار لكنه بدأ بإثارة فكرة فرض عقوبات جديدة على إيران.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية دانت طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب برنامجها النووي ورفضها الموافقة على اتفاق عرضه المجتمع الدولي عليها للحد من قدراتها على تخصيب اليورانيوم.

وينص هذا الاتفاق على نقل القسم الأكبر من مخزون اليورانيوم الإيراني القليل التخصيب إلى روسيا على أن تتسلم إيران في المقابل وقودا مخصبا بنسب أكبر تحتاجه لمفاعلها للأبحاث في طهران. ويخشى قسم من المجتمع الدولي أن يسمح تطور قدرات إيران في تخصيب اليورانيوم بامتلاكها السلاح النووي لاحقا. وأعربت إيران أمس عن عدم اندهاشها من تهديدات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بدراسة فرض عقوبات جديدة على طهران. يأتي هذا في أعقاب جلسة المشاورات المشتركة التي تمت أول من أمس في العاصمة الألمانية برلين بين مجلس وزراء كل من ألمانيا وإسرائيل، حيث تطرقت فيها ميركل إلى قضية الملف النووي الإيراني.

وقال رامين مهمان بارست إن إعلان ميركل عن تشديد العقوبات ضد طهران في حال عدم تعاونها في قضية ملفها النووي كان من المحتمل إشارة لـ«حسن الضيافة» تجاه إسرائيل. وكانت ميركل قد قالت خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه إذا لم يتغير الموقف الإيراني في قضية ملفها النووي فإن بلادها ستشارك في فرض «عقوبات شاملة» على طهران. ومن جانبه قال مهمان بارست: «أحيانا تكون مثل هذه الملاحظات إشارة إلى حسن الضيافة لتهدئة الضيف.. هذه التهديدات تم ذكرها أكثر من مرة من قبل، وهي مجرد تكرار ولا يمكن أن تكون إجراء بناء».

كما طالبت طهران باريس بإطلاق سراح المهندس الإيراني مجيد كاكاوند المعتقل في فرنسا منذ مارس (آذار) 2009 بطلب من الولايات المتحدة بتهمة مخالفة الحظر التجاري الأميركي المفروض على إيران. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «على الرغم من براءته، فهو يحاكم أمام القضاء. إننا نندد بهذا التحرك الذي تقوم به فرنسا بضغط من الولايات المتحدة». وأضاف أن «هذا الإجراء غير شرعي ومخالف لأصول الإجراءات القضائية وعلى فرنسا أن تطلق سراحه في أقرب وقت ممكن». ويبت القضاء الفرنسي في 17 فبراير (شباط) في طلب أميركي لتسليم كاكاوند الذي اعتقل في مارس 2009 في مطار رواسي الباريسي عند وصوله لقضاء عطلة في فرنسا.

ويتهم القضاء الأميركي المهندس الإيراني بشراء مكونات إلكترونية وأدوات قياس من شركات في «نيوجيرسي» و«ألاباما» و«كاليفورنيا» عبر شركة ماليزية وتصديرها بصورة غير شرعية إلى إيران عبر ماليزيا. واتهم مهمان بارست الولايات المتحدة بتقديم «وثائق مزورة» إلى القضاء الفرنسي، معتبرا أن واشنطن تريد من خلال هذا الاعتقال «الضغط على إيران». وورد اسم مجيد كاكاوند في إطار قضية الشابة الفرنسية كلوتيلد ريس التي تحاكم حاليا في إيران بتهمة المشاركة في المظاهرات التي جرت في يونيو (حزيران) احتجاجا على إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. ويتوقع صدور الحكم بحقها مبدئيا خلال الأسبوع الحالي. ونفت السلطات الفرنسية والإيرانية رسميا السعي لعملية تبادل بين المعتقلين.

وعلى صعيد ذي صلة، قال وزير الدفاع الإيراني احمد وحيدي، أمس، إن السفن الغربية المتمركزة في الخليج هي «أفضل أهداف» لبلاده إذا ما تعرضت منشآتها النووية لهجمات، حسب ما نقلت وكالة «فارس» للأنباء. وهدد مسؤولون إيرانيون عدة مرات بـ«رد مدمر» وضرب أهداف أميركية بما فيها قواعد في الخليج وفي العراق وأفغانستان المجاورة. وقال وحيدي في مؤتمر بعنوان «الخليج الفارسي» عقد في طهران: «لماذا يوجد هذا العدد الكبير من السفن هناك؟ يعلم الغربيون أن هذه السفن هي أفضل هدف لأي عملية تشنها إيران إذا ما قاموا بأي فعل ضدنا».