موريتانيا تحاور متطرفيها المعتقلين تطبيقا لتوصيات ندوة «الإسلام وجدلية الاعتدال والغلو في الفهم والسلوك»

الخديم ولد السمان زعيم «القاعدة» المعتقل: إذا كان معنا الحق فعلى العلماء أن يتوبوا والأمر نفسه ينطبق علينا

زعيم «القاعدة» في موريتانيا المعتقل الخديم ولد السمان (يسار) مع رفاقه خلال الجلسة الاولى للحوار الفكري بين الحكومة والسلفيين المعتقلين التي جرت في السجن المركزي بنواكشوط («الشرق الاوسط»)
TT

قال أحمد ولد النيني، وزير الشؤون الإسلامية الموريتاني، إن الدولة مع انتهاجها للخيار الأمني كأساس لضمان حوزتها الترابية، تهدف أيضا إلى فتح حوار جاد مع كل الأطراف بالتي هي أحسن، ضمن أسس ومقتضيات الشريعة الإسلامية التي تعتبر المرجع الأساسي لكل الموريتانيين. جاء كلام ولد النيني مساء أول من أمس، في الجلسة الافتتاحية للحوار الفكري، الذي يعتبر الأول من نوعه في موريتانيا، بين الحكومة وبعض المعتقلين من حملة الفكر المتشدد، وذلك في السجن المركزي بنواكشوط، وسط حضور إعلامي وأمني واسعين.

ويهدف الحوار إلى إقناع المتشددين بالعدول عن فكر القتال والتكفير والعودة إلى منهج الاعتدال والوسطية.

في سياق ذلك، قال المسؤول الموريتاني إن الحوار يهدف إلى وضع حد للملف الذي بات يهدد السلم الاجتماعي في البلاد، ويرمي إلى دمج كل أبناء الوطن ضمن مشروع واحد يهدف إلى تعزيز تنمية البلاد. ومثل الحكومة الموريتانية في الحوار الذي دام يومين، بعض العلماء والشخصيات الدينية في البلد، إضافة إلى وزير الشؤون الإسلامية.

وأوضح الوزير الموريتاني أن العلماء سيجلسون على طاولة الحوار مع السجناء داخل معتقلهم، من أجل مناقشة القضايا الرئيسية المطروحة، على أمل التوصل إلى مراجعات فكرية تكون أساسا لحل الملف الذي يوليه الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، كل الاهتمام، وفق الرؤية الوطنية العامة التي أكد عليها خلال كل مشاوراته مع القوى السياسية الرئيسية في البلاد.

من جانبهم، أعرب المعتقلون السلفيون قبل انطلاق الاجتماع عن استعدادهم للحوار المبدئي، مؤكدين على أن الشرط الوحيد لقبولهم له، هو فتح باب الجلسات أمام الإعلام ليكون شاهدا على تفاصيل مجريات الحوار. وقال المعتقل الخديم ولد السمان، وهو أحد قادة التيار السلفي في موريتانيا، إن الأمة الإسلامية معنية بمعرفة ما يجري، مشيرا إلى أنه على الرغم من وصف العلماء له بالجهل، وعدم الدراية والعلم بالشريعة، فإنه مستعد لسماع حججهم بشأن إبطال الجهاد، وحمل السيف ضد الكفار، والأدلة التي يحرم بها العلماء قتال الحكومة المرتدة، وإنه في المقابل يؤكد أنه ورفاقه يتوفرون على حجج.

وأضاف ولد السمان: «نحن لا نكفر الشعوب المسلمة، لكننا نكفر الحكومات المرتدة التي لا تحكم بشرع الله، ونعتقد أن مقارعتها واجبة». وكان لافتا ظهور ولد السمان في قاعة الحوار، وهو يرفع قميصا يحمل شعارا مكتوبا عليه «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، إضافة إلى صورة «قنبلة يدوية» توسطت القميص، في إشارة إلى أن ولد السمان يتبنى نهج تنظيم القاعدة، فكرا، وأسلوبا. وكان ولد السمان قد صافح عند دخوله قاعة الاجتماع، العلماء والصحافيين، وأخرج القميص من جيبه، وقال: «إذا كان للدولة الحق في رفع شعاراتها، فإنه من حقنا نحن أن نرفع شعاراتنا».

وخاطب ولد السمان الحضور قائلا: «أطلب من الصحافة أن تنقل كل حيثيات الحوار للناس مباشرة حتى لا يقال إنها طلبت محاورتنا ورفضنا الاستجابة».

وأضاف: «إذا كان معنا الحق فعلى العلماء أن يتوبوا، وإذا كان الحق مع العلماء، فإننا سنتوب، ولكننا نتمسك بحقنا الشرعي في قتال المرتدين».

من جهته، قال السلفي عبد الله ولد محمد سيديا، المتهم بقتل سياح فرنسيين، إنه يتحدث باسم 40 من الذين وقعوا على عريضة الحوار، مشيرا إلى أن ولد السمان لا يمثل إلا نفسه. آنذاك وقف ولد السمان، وقال إنه لا يتكلم إلا باسم الذين حملوا السلاح في وجه المرتدين. وقال محمد فاضل ولد محمد الأمين، عضو الوفد المحاور إن هذه مجرد بداية، وإنه لمس تقبلا من الجميع لهذا الحوار. وأضاف: «زرت أنا والشيخ محمد الحسن ولد الددو، المجموعة الموجودة في السجن، وعقدنا جلسة مطولة لمسنا خلالها منهم تجاوبا مهما، وأعتقد أنه ستكون هناك إن شاء الله نتائج إيجابية». وكان الشيخ ولد الددو، وهو من كبار علماء البلاد، قد التقى قبيل بدء الحوار مع 47 من معتقلي التيار السلفي في السجن المدني، وذلك في جلسة تمهيدية لشرح آليات وأهداف الحوار، وأخذ وجهة نظر السلفيين ومقترحاتهم لتسهيل التقائهم بوفد العلماء المكلف «محاججتهم» حول «طرحهم الجهادي». ونقل الشيخ الددو لجماعة السلفيين رغبة السلطات وعلماء البلد في حل نهائي لهذا الملف، وإنهاء المشكلة، وذلك وسط ترحيب جل العناصر السلفية الحاضرة في اللقاء التمهيدي، بقبول الدولة للحوار من حيث المبدأ.

يأتي هذا الحوار تطبيقا لتوصيات الندوة الإسلامية التي التأمت في نواكشوط قبل أسبوع تحت عنوان «الإسلام وجدلية الاعتدال والغلو في الفهم والسلوك»، التي أوصى المشاركون فيها بأن الطريقة المثلى للقضاء على الفكر المتعصب هو اتباع نهج الحوار مع أصحاب هذا الفكر.

يذكر أن الحكومة الموريتانية استجابت في وقت سابق على انعقاد الحوار لطلب الناشط السلفي المعتقل ولد السمان بنقل مجريات الحوار عبر وسائل الإعلام الرسمية، بحيث تم تسجيل جلسات الحوار على أساس بثها ليلا عبر التلفزيون وأمواج إذاعة موريتانيا. كما تم تعيين الفقيه محمد المختار ولد امباله، ناطقا رسميا باسم لجنة الحوار مع السلفيين، فيما عهد إلى المستشار الإعلامي لوزير الشؤون الإسلامية، محمد محمود ولد ببانة بالتنسيق بين اللجنة ووسائل الإعلام المحلية والدولية.