بعد عام على توليه الحكم.. أوباما لا يزال ينتظر نتائج سياساته

تغيير أسلوب الأداء وفتح صفحة جديدة مع العالم أبرز إنجازات الإدارة الأميركية

أوباما يحيي طلابا خلال زيارته مدرسة ابتدائية في فالز تشيرتش بولاية فيرجينيا أمس وبدا إلى يساره وزير التعليم أرن دانكان (رويترز)
TT

بعد عام حافل بالأحداث الداخلية والخارجية، يحيي الرئيس الأميركي اليوم الذكرى الأولى لتنصيبه الرئيس الـ44 للولايات المتحدة، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد لا تترك مجالا كبيرا لأوباما للاحتفال بهذه الذكرى، إذ كان توقع إحراز تقدم في إصلاح نظام الرعاية الصحية وإغلاق معتقل غوانتانامو وعملية السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى فتح أفق جديدة لمعالجة الملف النووي الإيراني واستقرار أفغانستان، بحلول الذكرى الأولى لتوليه الحكم، غير أن هذه القضايا تعثرت خلال الأشهر الماضية، حتى بدا أن إنجاز أوباما الأول هو تغيير نهج الولايات المتحدة وطريقة مخاطبتها للعالم، ليجعلها تنتظر نتائج هذا التغيير.

وقال رئيس برنامج الشرق الأوسط في معهد «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» جون الترمان لـ«الشرق الأوسط»: «النجاح الأكبر للسياسة الخارجية هو أسلوب التعامل والنهج، لقد ساعد أوباما في تفسير الأهداف الأميركية للعالم، بالإضافة إلى بدء عملية للتعاون الدولي والعمل الجماعي لحل تحديات العالم»، واتفق المحلل دانيال سيرور، مدير «مراكز الابتكار» في معهد الولايات المتحدة للسلام، مع هذا التحليل، قائلا: «التغيير في النهج هو النجاح الأبرز، ليس فقط في الشرق الأوسط بل حول العالم، على سبيل المثال العلاقات مع روسيا، هناك شعور واسع بأن الولايات المتحدة عادت إلى نشاط التعاون التقليدي»، إلا أنه أردف قائلا: «الأمر الذي لم يحدث بوضوح بعد هو فائدة الولايات المتحدة من هذا التغيير، فمن غير الواضح بعد للأميركيين الفوائد التي نتجت عن سياسة أوباما الجديدة، وهذا سيكون تركيز الإدارة الأميركية في العام الثاني من رئاسة أوباما»، ومن المرتقب أن يحدد أوباما أهدافه للعام المقبل في خطاب «وضع الاتحاد» أمام الكونغرس الأميركي يوم 27 يناير (كانون الثاني) الحالي، وعلى الرغم من أن الخطاب السنوي التقليدي عادة ما يركز على الوضع الداخلي للبلاد، فإنه من المتوقع أن يتحدث أوباما عن السياسة الخارجية أيضا.

والبحث عن نتائج ملموسة سيكون واضحا في عدد من الملفات التي ما زالت عالقة، والتي حاول أوباما أن يعالجها، مثل استئناف مفاوضات السلام في الشرق الأوسط واستقرار أفغانستان والعراق وحل الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى استقرار اليمن الذي أصبح أولوية للولايات المتحدة، مع التركيز على مكافحة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، ولفت سيرور إلى أن «السياسة الخارجية بطيئة جدا» ومن غير الممكن الحكم على السياسة الخارجية في العام الأول للرئاسة، إلا أن أوباما قد وضع الأسس المطلوبة لحصد النتائج، وكان أوباما قد ألقى خطابا في القاهرة في 4 يونيو (حزيران) الماضي للإعلان عن «بداية جديدة» مع العالم الإسلامي، واعتبر تغييرا في نهج الحكومة الأميركية في التعامل مع العالم الإسلامي بعد التوتر الذي سببته هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلا أن الهجوم على معسكر «فورت هود» من قبل الميجور نضال حسن في نوفمبر (تشرين الثاني) ومحاولة عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة أميركية في ديسمبر (كانون الأول) زادت من الضغوط على أوباما لتقوية سياسات مكافحة التطرف بما في ذلك فرض إجراءات جديدة على المسافرين من 14 دولة، منها 9 دول عربية، ولفت الترمان إلى أن «التغيير في النهج لا يعني تغييرا في الواقع وما زالت هناك جهات تريد أن تضر الولايات المتحدة وعلى أوباما التعامل مع ذلك في ظروف صعبة».

واعتبر المحلل والمحرر لموقع «المجلس» الإلكتروني غريغ كارلستون أن «أوباما تولى دور القائد العام للقوات المسلحة بشكل ملموس في الأشهر الأخيرة من العام الماضي»، مشيرا إلى قرار أوباما إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان و«استخدامه ألفاظا شبيهة للحرب على (القاعدة) والإرهاب بتلك التي كنا نسمعها من الرئيس السابق جورج بوش»، وأضاف كارلستون أن تولي أوباما دور القائد العام بقوة في خطابين في ديسمبر، عند إعلانه عن استراتيجية جديدة في أفغانستان بالإضافة إلى خطابه لاستلام جائزة السلام «فاجأ بعض مؤيديه ولكنه كان من المتوقع أن يحدث ذلك»، ويذكر أن المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة أميركية نهاية العام الماضي زادت من الضغوط على أوباما لانتهاج سياسة أكثر شدة علنا في مواجهة الإرهاب، إلا أن سيرور قال «إن الفرق هو أن أوباما يتعامل مع هذه القضية على أنها مسألة فرض القانون وليس قضية آيديولوجية، وهذا فرق مهم».

وقد أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقريرا يفيد بأن سجل أوباما حول إصلاح طريقة مكافحة الإرهاب والتطرف «مختلط»، وبحسب التقرير، لقد أحرز باراك أوباما «تقدما مهمّا» لإنهاء «سياسات إدارة بوش لمكافحة الإرهاب المسيئة، لكنه في الوقت نفسه اتخذ خطوات خاطئة»، وأشادت المنظمة بقرار أوباما إنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية، ومحاولته إغلاق معتقل غوانتانامو، ولكن انتقدت المنظمة الحقوقية قرار إدارة أوباما الاعتماد على سياسة «الاعتقال من دون توجيه اتهام»، بما في ذلك نقل بعض معتقلي غوانتانامو إلى سجون في ولاية ايلانوي، كما أن أوباما قرر مواصلة الاعتماد على المحاكم العسكرية، يذكر أنه عند استلامه الرئاسة، كان هناك 240 معتقلا في سجن غوانتانامو، بينما هناك الآن أقل من 200 معتقل بعد نقل نحو 40 إلى دول أخرى أو دولهم الأصلية. وبينما تشغل الحرب في أفغانستان ومكافحة التطرف الإدارة الأميركية، تعتبر السياسة الأميركية في العراق من السياسات التي اتبعت النهج الذي تعهد به أوباما خلال الحملة الانتخابية، ولفت الترمان إلى أن «تقييم التطورات في العراق سيعتمد على طريقة سير الانتخابات» المرتقب إجراؤها في مارس (آذار) المقبل، موضحا أن «الطموح للعراق قد تغير في الولايات المتحدة، ونطمح أن يكون العراق خاليا من قسوة نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وأن لا يمثل تهديدا لجيرانه»، غير أن سيرور أضاف، بينما الاستعداد لسحب تدريجي للقوات الأميركية في العراق يسير بشكل جيد، فإن «تعهد الرئيس بزيادة الجهود السياسية والمدنية في العراق لم يتحقق بالدرجة المطلوبة وهناك حاجة إلى دور أميركي أكثر تواصلا في العراق». وفي ما يخص التطورات في الشرق الأوسط والعمل على إحراز السلام في المنطقة، لم تحصل الإدارة الأميركية على النتائج المرجوة بعد، إلا أنه في الأسبوع الذي يحتفل فيه أوباما بعامه الأول في البيت الأبيض، يقوم مبعوثه للسلام جورج ميتشل بجولة في المنطقة لتحقيق هذه الأهداف، واعتبر كارلستون أنه في العام الأول «استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يستغل الوضع» مع رفضه وقف الاستيطان وإحراج الإدارة الأميركية، لكنه أضاف، «ما زال هناك وقت كافٍ للنجاح في الشرق الأوسط، وإطار تحقيق دولة فلسطينية خلال عامين ما زال ممكنا، مما يعني نجاح إدارة أوباما قبل انتهاء ولايته الأولى في 2012»، واتفق الترمان وسيرور مع هذا التحليل، مشيرين مجددا إلى الحاجة إلى نتائج ملموسة خلال العام المقبل ليس فقط من واشنطن بل من الدول المعنية.

وتبقى الإدارة الأميركية منشغلة بإيران التي لم تستجِب لدعوة أوباما بفتح حوار مباشر بعد، في وقت تغير نهج الإدارة الأميركية خلال الأشهر الأخيرة من المطالبة بالحوار إلى العمل على فرض عقوبات على النظام الإيراني، وبينما يؤكد مسؤولون أميركيون أن سياسة «مساري الحوار والضغوط» ما زالت قائمة، إلا أن الضغوط تزداد، وقال سيرور: «جهود أوباما في عامه الأول ساعدته على بناء تحالف بدا يظهر أكثر قوة في مواجهة إيران»، مشيرا إلى أن التردد الصيني لفرض المزيد من العقوبات قائم، ولكن التعاون مع أوروبا وروسيا يساعد أوباما حاليا، وأضاف: «نحن في مرحلة بداية نضوج السياسة تجاه إيران، وليس حصد نتائجها».