تقييم جديد للاستخبارات الأميركية: أدلة على أبحاث إيرانية حول الأسلحة النووية

مصدر أميركي لـ «الشرق الأوسط» : سيصدر الشهر المقبل ويتطرق إلى تأثير أزمة الانتخابات على قرار طهران النووي

الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لدى استقباله رئيس جمهورية غويانا في أميركا اللاتينية، بهرات جاجديس، في طهران قبل بدء مباحثاتهما، أمس (أ.ب)
TT

فيما يضع محللون من شتى وكالات الاستخبارات الأميركية اللمسات الأخيرة على تقييم استخباري جديد حول البرنامج النووي الإيراني، من المتوقع أن يصدر قريبا، كشفت مصادر أميركية قريبة من الملف الإيراني أن التقييم الاستخباراتي الجديد يخلص إلى أن هناك معلومات تشير لوجود أدلة على أن طهران تعمل في أبحاث خاصة بالأسلحة النووية «إلا أنها لم تدشن بعد برنامجا لتصنيع قنبلة نووية بشكل كامل». وقال مصدر أميركي مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن التقييم الاستخباراتي الجديد يتوقع أن يصدر الشهر المقبل، موضحا أن التقرير يتضمن أيضا تقييمات حول تأثير الأزمة السياسية التي تشهدها إيران منذ انتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) الماضي على قرارها النووي. ويأتي التقييم الاستخباراتي الجديد بينما تسعى أميركا إلى تكوين جبهة دولية داعمة لفرض عقوبات مشددة على طهران إذا ظلت حالة الجمود الحالية في مسار التفاوض بين طهران ودول 5 زائد 1. ومن المتوقع أن يؤدي تقرير الاستخبارات الأميركية عندما يصدر ويوضح بشكل تفصيلي الأدلة على الأبحاث الإيرانية في مجال الأسلحة النووية، إلى تسهيل مهمة الرئيس الأميركي باراك أوباما في مجلس الأمن لإقناع الصين وروسيا بتأييد زيادة العقوبات على إيران. كما أن تقرير الاستخبارات الأميركية الجديد يقرب الموقف الأميركي أكثر من موقف الحلفاء الأوروبيين بشأن البرنامج النووي لإيران. واختلف عدد من الاستخبارات الأوروبية مع التقييم الاستخباراتي القومي الأميركي الصادر عام 2007 والذي جاء فيه أن إيران أوقفت أبحاثها لوضع تصميم للقنبلة الذرية والأنشطة الأخرى المتصلة بالأسلحة كما أوقفت برنامجها السري لمعالجة اليورانيوم وتخصيبه عام 2003. وأقر مسؤولون أميركيون بأن بعض ما ورد في تقرير عام 2007 بحاجة إلى مراجعة. لكنهم توقعوا اختلافات نوعية، لا تغييرا كاملا في التقييم الجديد. ووفقا لمصادر أميركية مطلعة فإن وكالات الاستخبارات الأميركية، التي بدأت منذ بداية ولاية أوباما بحث تطورات الملف النووي الإيراني، توصلت إلى «معلومات جديدة عن إيران مفادها أن هناك أدلة متزايدة على أن طهران مضت قدما في أبحاثها الخاصة بالأسلحة النووية لكنها لم تطلق برنامجها لتصنيع قنبلة ذرية بشكل كامل». وقال مصدر أميركي قريب من ملف إيران بالإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن التقرير الجديد «يراجَع وفي مسودته الأخيرة، وأن النقاط الخلافية بين وكالات الاستخبارات الأميركية حوله قليلة ومن بينها ما إذا كانت القيادة الإيرانية قد اتخذت قرارا بالمضي قدما في عسكرة البرنامج النووي». وأشار المصدر الأميركي إلى أن التقرير الجديد سيصدر الشهر المقبل وأنه يتطرق أيضا إلى تأثير الأزمة السياسية في إيران بعد الانتخابات على قرارها النووي و«ما إذا كانت الضغوط الداخلية والصراع بين الأجنحة قد يسرع وتيرة البرنامج النووي العسكري». وبحسب المسؤولين الأميركيين الذين على دراية بمحتوى التقرير الجديد، فإن وكالات الاستخبارات الأميركية في تقييمها الجديد تشير إلى انها «ليست واثقة من أن إيران اوقفت الجانب العسكري من برنامجها النووي عام 2003، كما أكد تقرير 2007». ويشير التقرير الجديد أيضا إلى اختلافات بين المحليين الاستخباراتيين فيما إذا كان المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي أعطى أو سيعطي قريبا إشارة البدء للمسؤولين الإيرانيين للعمل بطاقة كاملة في برنامج للأسلحة النووية. ومن المقرر أن يحل التقرير الاستخباراتي الجديد الذي وضعته 16 وكالة استخباراتية أميركية، محل تقرير عام 2007 وأن يصبح الأساس الاستخباراتي الذي ستعتمد عليه الإدارة الأميركية في تحديد سياساتها حيال التحدي النووي الإيراني. من ناحيته قال ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، إن تقرير عام 2007 «كان ضعيفا وشابته الأخطاء». وتابع «أعتقد أن قول التقرير آنذاك: إن إيران أوقفت الجانب العسكري من برنامجها النووي عام 2003 ويمكن القول بدرجة معقولة من الثقة إنها لم تستأنفه حتى 2007، يشبه الجدال حول ما إذا كان نصف الكوب فارغا أم ممتلئا. فالحديث عن (درجة معقولة من الثقة) لا يعني شيئا في مجتمع الاستخبارات. استخبارات بريطانيا وفرنسا وألمانيا اختلفت مع تقرير عام 2007 وقالت إنها لا تعتقد أن إيران أوقفت الجانب العسكري من برنامجها النووي عام 2007». فيما قال مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه لـ«رويترز» حول التقرير الجديد: «في الأساس نحن نتحدث عن استئناف الأبحاث... لا عن تعبئة إيران لكل طاقاتها في برنامج لتصنيع قنبلة. لكن حين تنظر إلى البرنامج النووي الإيراني، فإن الظلال تكون لها أهمية». وفي تقييم عام 2007 الذي أميطت عنه السرية أكدت وكالات الاستخبارات الأميركية «بثقة معقولة» أن «إيران أوقفت برنامج الأسلحة النووية في خريف عام 2003. وخلص التقييم «بقدر أقل من الثقة» إلى أن إيران لم تستأنف هذا البرنامج حتى منتصف عام 2007 وقت استكمال التقرير. وأثار التقرير ساعتها استياء كبيرا لدى حلفاء واشنطن، بل ولدى إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، واتهم مسؤولون ضمنا الاستخبارات الأميركية بوضع «تقرير مسيّس» لتصعيب مهمة بوش زيادة العقوبات أو قصف المواقع النووية الإيرانية. كما تحدثت تقارير ساعتها عن «انقلاب» الاستخبارات الأميركية على إدارة بوش وعدم رغبتها في فتح جبهة مع إيران، فيما جبهات العراق وأفغانستان ما زالت مشتعلة. وقال السيناتور بيتر هويكسترا، الجمهوري عن ميتشغان، عن تقرير 2007 «لقد كتبوا تقريرا سياسيا عام 2007 لإحراج الرئيس بوش. الجميع يتفق على أن التقرير كان حثالة. أنا سعيد أن وكالات الاستخبارات تعيد النظر فيه وتجري تقييما جديدا. لقد أخطأوا 2007 بدرجة كبيرة».

وكان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية دينيس بلير قد أعلن في شهادة أمام الكونغرس الأميركي في مارس (آذار) الماضي أن إيران «لم تقرر أن تمضي قدما» في خطط بناء رؤوس نووية عسكرية على صواريخ باليستية. إلا أنه منذ شهادته في مارس (آذار)، كشفت وكالات الاستخبارات الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي عن منشأة نووية سرية في قم. وفيما قالت إيران إن المنشأة لا تجرى فيها أي أنشطة نووية عسكرية، قالت وكالة الطاقة الذرية في فيينا إن حجم منشأة قم يشير إلى أنها منشأة عسكرية وليست مدينة. كما أن آخر تقرير لوكالة الطاقة الذرية تحت رئاسة المدير العام السابق للوكالة محمد البرادعي أشار إلى أن هناك أسئلة حول جوانب عسكرية للبرنامج النووي الإيراني لم تفسرها طهران بعد. وكانت الأسابيع الأخيرة قد شهدت عددا من اللقاءات السرية أو غير المعلنة بين مسؤولين بالإدارة الأميركية ومسؤولين غربيين وإسرائيليين لبحث تطورات الملف الإيراني، وسط قلق إسرائيلي متزايد من أن «ساعة إيران النووية» تدق وأن كل أسبوع يمر دون وقف لتخصيب اليورانيوم يعني اقتراب إيران خطوة أساسية من خطر امتلاك سلاح نووي لو قررت أن تحول ما لديها من يورانيوم منخفض التخصيب إلى عالي التخصيب واستخدامه لأغراض عسكرية. وبحث مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز ودينيس روس مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مع مسؤولين إسرائيليين في القدس أخيرا الملف النووي الإيراني. ومن غير المعروف ما إذا كانت زيارة روس وجونز إلى القدس مرتبطة بتقديرات وكالات الاستخبارات الأميركية الجديدة المتوقع أن تقوي من حجة إسرائيل حول أن التعامل مع إيران يجب أن يكون أسرع وأن الوقت يلعب فقط لصالحها. ويأتي ذلك فيما أعلن وزير الاتصالات الإيراني رضا تقي بور، أمس، أن طهران ستكشف النقاب في مناسبة ذكرى قيام الثورة الإيرانية في فبراير (شباط) عن ثلاثة أقمار اصطناعية جديدة، تم الانتهاء من بناء اثنين منها والثالث قيد الإنجاز. وقال الوزير بحسب ما نقلت عنه وسائل الإعلام المحلية إن القمرين اللذين تم الانتهاء من بنائهما أطلق على الأول منهما اسم «يا مهدي» وهو «قمر اصطناعي تجريبي يهدف إلى تجربة كاميرا ومعدات اتصالات»، في حين أطلق على الثاني اسم «تولو»، من دون أن يوضح طبيعة هذا القمر، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الطلبة (إيسنا). وكان وزير الدفاع أحمد وحيدي كشف في ديسمبر (كانون الأول) عن بناء إيران القمر «تولو»، وبدوره لم يعط تفاصيل عن نوعية هذا القمر الذي صممته وبنته مؤسسة «سا إيران» (الشركة الإيرانية للصناعات الإلكترونية)، وهي مؤسسة حكومية تابعة لوزارة الدفاع.

وقال وحيدي أمس لوكالة أنباء الطلبة إن «تولو» هو «قمر اصطناعي للاستطلاع» بدون إعطاء توضيحات إضافية. ولم يوضح تقي بور ولا وحيدي إن تقرر إطلاق «يا مهدي» و«تولو» وموعد هذا الإطلاق. أما القمر الاصطناعي الثالث والذي أطلق عليه اسم «مصباح - 2» فهو قيد البناء حاليا وسيعرض خلال الذكرى الـ31 لقيام الثورة الإيرانية مطلع فبراير. وهو «قمر اصطناعي للاتصالات يدور في مدار منخفض» وبالتالي «لا يمكن استخدامه على الدوام وإنما يستخدم لأغراض محددة»، بحسب تقي بور.

وكانت إيران أطلقت في فبراير أول قمر اصطناعي بنته بنفسها وأطلقت عليه اسم «أوميد» (أمل)، بواسطة صاروخ سفير - 2 وهو بدوره من صنع إيراني، الأمر الذي أثار مخاوف الغرب من إمكان تسخير طهران هذه القدرات الصاروخية لغايات عسكرية. وأعلنت إيران في حينه أنها بصدد بناء سبعة أقمار اصطناعية جديدة، بينها ثلاثة معدة لوضعها في مدار مرتفع. وتنفي طهران الاتهامات الغربية لها بأنها تخفي خلف برنامجيها الفضائي والنووي أهدافا عسكرية.