مباحثات الحريري في باريس تشمل شؤونا «إقليمية» بحكم عضوية لبنان الراهنة في مجلس الأمن

فرنسا أكدت أن الزيارة مناسبة للتذكير بأهمية القرار 1701

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لدى وصوله إلى باريس في أول زيارة رسمية له ظهر أمس (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

استبقت فرنسا وصول رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى باريس مطلع ظهر أمس، في أول زيارة رسمية له، بإعادة التأكيد على «أساسيات» موقفها من لبنان ومن قضاياه.

والتقى الحريري عصر أمس رئيس مجلس النواب الفرنسي برنار اكوايه في مبنى البرلمان على أن يجتمع ظهر اليوم برئيس الحكومة فرنسوا فيون الذي سيقيم على شرفه مأدبة غداء. وسيتم التوقيع اليوم على خمس اتفاقيات في مجالات التعاون في البحوث العلمية والأمن الداخلي والإدارة والتعاون القضائي والشؤون الاجتماعية والاقتصاد. وقبل فيون، يستقبل الحريري في مقره وزير الخارجية برنار كوشنير والسفراء العرب المعتمدين في باريس فيما يلتقي ليلا رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الذي يقيم على شرفه مأدبة عشاء في مقر المجلس. وليل أمس، أقامت نازك الحريري، أرملة الرئيس السابق رفيق الحريري، مأدبة عشاء في منزلها تكريما لرئيس الحكومة اللبنانية.

وجاء في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية أن زيارة الحريري تشكل «فرصة للتعبير عن دعم فرنسا الثابت للبنان ومؤسساته» وتجديد «تمسكها باستقرار لبنان ووحدته وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه». وجاء في البيان أيضا أن المحادثات ستكون مناسبة «للتذكير بأهمية القرار الدولي رقم 1701» والتأكيد على الدور الأساسي الذي تلعبه قوات الطوارئ الدولية التي تشارك فيها فرنسا بقوة من 1500 رجل، «من أجل ضمان الاستقرار في الجنوب». ولم ينس البيان الإشارة إلى موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي حيث أكدت باريس «دعمها» للعمل الذي تقوم به.

وأفادت باريس أن المسؤولين الفرنسيين سيثيرون مع الحريري «المسائل السياسية والإقليمية والدولية» بالنظر لاحتلال لبنان مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية 2011 مشيرة إلى مساعي معاودة إطلاق مفاوضات السلام والعلاقات بين لبنان والدول المحيطة. غير أن الإشارة إلى عضوية لبنان في مجلس الأمن تضمن موضوعا غاب عن بيان الخارجية الفرنسية يتعلق بالملف النووي الإيراني حيث يجري التشاور بين مجموعة الدول الست (الخمس الدائمة العضوية وألمانيا) لفرض سلة عقوبات اقتصادية ومالية إضافية على طهران لحملها على «التعاون» مع الوكالة الدولية للطاقة النووية ومع مجلس الأمن نفسه. وترى مصادر دبلوماسية ذات صلة في باريس أنه إذا ما جاء مشروع قرار بهذا المعنى إلى مجلس الأمن «سيجد لبنان نفسه في موقف حرج إذا صوت للمشروع وإذا لم يصوت». ففي الحالة الأولى سيحدث التصويت أزمة داخل الحكومة ومع سورية وإيران. أما في الحالة الثانية، فستتأثر علاقاته بالدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فضلا عن دول عربية.

وفي مقابلة مع صحيفة «لوموند» أجريت في بيروت ونشرت أمس، طرح السؤال على الحريري الذي تفادى الإجابة المباشرة عليه عبر تأكيده أن لبنان «سيتخذ قراره على ضوء المصالح اللبنانية» معتبرا أن هذه الطريقة «أمر مشروع» وأن لبنان «لا يمثل نفسه فقط في مجلس الأمن بل الدول العربية». واستبعد رئيس الوزراء اللبناني أن تؤثر العقوبات، إذا فرضت، على لبنان «لأنها ستكون عقوبات دولية».

وأفادت مصادر لبنانية أن الحريري سيثير مع المسؤولين الفرنسيين خصوصا مع وزير الخارجية ورئيس الجمهورية، التهديدات الإسرائيلية للبنان وسيسعى للحصول على تطمينات فرنسية وربما أوروبية. وفي المقابلة المذكورة، أشار الحريري إلى «مخاوفه» من ضربة إسرائيلية مدللا على ذلك بأن الطيران الإسرائيلي قام الأسبوع الماضي بـ25 طلعة فوق الأراضي اللبنانية في يوم واحد. وفند الحريري ما يمكن أن تقوله إسرائيل بتأكيد أن أية عملية عسكرية قد تقوم بها «ستستهدف كل لبنان» مضيفا أنها «قد تتحجج بأي سبب.. لا بل إنها لا تحتاج لمبررات» لشن حرب على لبنان والهروب من مأزق السلام. غير أن المصادر الفرنسية التي ترى أن وضع الهدوء الحالي في الجنوب «يمكن أن يتغير» في المستقبل تؤكد أنها «لا تمتلك معلومات» في الوقت الحاضر، عن حرب إسرائيلية جديدة على لبنان.

وستكون زيارة الحريري فرصة لبحث ملف العلاقة اللبنانية - السورية، على ضوء زيارة الأخير لدمشق وما «آلت إليه» خريطة الطريق التي اتفق عليها بين لبنان وسورية بمساهمة من الرئيس ساركوزي شخصيا. و على الرغم من التقدم الكبير في العلاقة، فإن باريس ما زالت ترى ضرورة أن يقفل اللبنانيون الملفات العالقة داخليا ومع سورية والفلسطينيين واستكمال تطبيق القرار 1701 وترسيم الحدود وفرض الرقابة عليها ووقف تهريب السلاح. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن باريس «سعيدة» باستقبال الحريري رئيسا لمجلس الوزراء اللبناني وإنها «سعت» في الماضي لتسهيل مهمته وستسعى في المستقبل لتوفير ظروف النجاح له وتوفير الدعم الذي يحتاجه. وسيتباحث الحريري مع المسؤولين الفرنسيين في ما آلت إليه الجهود لإعادة إطلاق مفاوضات السلام علما بأن الحريري استقبل المبعوث الأميركي جورج ميتشل قبل مغادرته بيروت. وترى فرنسا أن مصلحة لبنان أن يدخل في مفاوضات مع إسرائيل عندما تحين الفرصة وتتوافر الظروف «للدفاع عن مصالحه». وكانت باريس تسعى لإطلاق مؤتمر دولي للسلام يريده ساركوزي على مستوى القمة. غير أن مصادر فرنسية واسعة الاطلاع قالت لـ«الشرق الأوسط» إن مؤتمرا كهذا «لن يعقد ما لم يحصل تقدم في جهود الوساطة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو ما يقوم به ميتشل ومصر وأطراف أخرى.

وعلى المستوى الثنائي اللبناني - الفرنسي، أفادت الخارجية الفرنسية أنها تتوقع أن تسهم الزيارة في «تعميق» التعاون القائم بين البلدين الذي وصفته بأنه «مكثف» في مجالات عديدة. وفي السياق الأخير، سيبحث الجانبان «باريس 3» واستفادة لبنان من المساعدات الفرنسية والدولية التي قررت له ومساهمة الشركات الفرنسية في عدد من المشاريع الجديدة الأساسية في لبنان.