أرسلان: سورية قدرت رسالة جنبلاط للتعزية بشقيق الأسد وأبلغتني أنها غير معنية بما يقال عن شروط لاستقباله

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يرفض التحالف الدرزي - الشيعي

طلال أرسلان
TT

أكد الزعيم الدرزي اللبناني النائب طلال أرسلان أن ما يشاع عن شروط سورية لاستقبال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط «حديث صالونات» وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن القيادة السورية أبلغته أنها قدرت برقية التعزية التي بعث بها جنبلاط بوفاة شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وأبلغته أن كل ما يثار عن شروط وظروف للزيارة «كلام لا يعني القيادة السورية».

ورفض أرسلان الكلام عن «صعوبات في ترميم العلاقة بين جنبلاط والقيادة السورية»، معتبرا أن الإكثار من الحديث عن هذا الموضوع «يزيد تعقيد الأمور» ولمح إلى إمكانية تجاوز سورية للمواقف التي أطلقها جنبلاط خلال عهد الخصومة بينهما لأنها «دولة استراتيجية كبرى».. ووصف علاقته بوليد جنبلاط بأنها «علاقة احترام متبادل على قاعدة أن لكل منهما موقعه وخصوصياته» معتبرا أنه «من الخطأ أن نزج بأنفسنا في لعبة الأمم»، مشيرا إلى أن 11 مايو (أيار) 2008 (الاشتباكات بين أنصار جنبلاط وحزب الله في الجبل) كانت نقطة تحول راديكالي لأنها نقطة خروج (جنبلاط) من لعبة الأمم.

واعتبر أرسلان أن تمثيل المعارضة في حكومة الوحدة الوطنية «خاطئ ومنقوص» وأكد أنه ضد التحالف الدرزي الشيعي، كما كان ضد التحالف السني الدرزي، مشددا على ضرورة الاختيار بين «بناء دولة حديثة أو الاستمرار في حالة التشرذم والاتجار بالدين».

وفيما يأتي نص الحوار:

* الأجواء الوفاقية السائدة.. إلى متى قابلة للاستمرار؟

- إن الأجواء الوفاقية قابلة للاستمرار في حال أقدم بعض السياسيين، من رموز الأزمات وحاصدي الحلول، على تحكيم العقل والضمير والمصلحة الوطنية والمسؤولية الإنسانية عند مواجهة أي موضوع خلافي. وبنظري، لا شيء يمنع من استمرار الأجواء الوفاقية في حال وضعوا مصلحة لبنان فوق كل مصلحة.

* أليس هذا الكلام طوباويا؟ - إن هذا الكلام ليس طوباويا وإنما هو من البديهيات. إن أي موقف سياسي يمكن أن يهدد السلم الأهلي، من قريب أو بعيد، يجب أن نتجنبه ونمتنع عنه. يكفي لبنان ما حلّ به من مآسٍ وكوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية وبيئية على امتداد سنوات الحرب اللعينة، وبعد ذلك أيضا. وعلينا أن نستفيد من مناخ الانفراج العربي، ولو النسبي، الذي تحقق على أيدي صديقين كبيرين للبنان هما جلالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، هذا الفارس العربي الأصيل، وسيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد الرجل المقدام والمقاوم السياسي الأول في المنطقة. إن ما أنجزه الزعيمان المرموقان، على صعيد تجاوز الخلافات وفتح صفحة التفاهمات يشكل بكل تأكيد رصيدا قويا للبنان يجب تثميره في سياق تكريس السلم الأهلي والانطلاق بعملية النهوض الاقتصادي.

* لماذا لم تدخل حكومة الوحدة الوطنية؟

- تعلمون أننا، كحزب سياسي وتيار شعبي أساسي في المعارضة، كنا قد رشحنا عدة أسماء لدخول الحكومة، وهذا من أبسط حقوقنا، فأتى تمثيل المعارضة خاطئا ومنقوصا. نحن أبناء مدرسة الأمير مجيد أرسلان الوطنية، لنا نظرة خاصة بنا في موضوع السياسة اللبنانية الداخلية. نحن نفكر دائما في الحفاظ على الوحدة المعنوية لشعبنا اللبناني، وهي الوحدة التي من دونها نحاول عبثا بناء وحدة وطنية. وأقصد بالوحدة المعنوية للشعب اللبناني ثلاثة أمور متكاملة عضويا بعضها مع بعض، ولا يمكن تجزئتها أو الفصل فيما بينها، وهي: وحدة الدولة أرضا وشعبا ومؤسسات، والاحترام الدقيق للحريات العامة والحقوق الفردية وهي قاعدة الديمقراطية التمثيلية الصحيحة، والسلم الأهلي. وهذا ما يحكم سياستنا وأداءنا في الحياة العامة. ما عدا ذلك يظل تفاصيل ثانوية.

نحن لا نرفع هذه الأمور كمجرد شعار بل نمارسها ميدانيا. وسواء كنا داخل الحكومة أو خارجها فإن من واجبنا الالتزام دوما بهذه القواعد التي طبقت نهج بطل الاستقلال اللبناني الأمير مجيد طيلة حياته. ولقد أثبتت الأحداث والتجارب أنها قواعد صحيحة، تصفر أمامها باقي الطروحات السياسية المحلية التي تنظر إلى الشأن الوطني من منظار المصالح الضيقة. كنا خارج السلطة، وفي صفوف المعارضة، وعندما وصل لبنان إلى حافة الانفجار في مايو (أيار) 2008 لبينا فورا نداء الواجب والضمير الوطني، فكان ما كان من إنقاذ ينعم لبنان اليوم من ثماره استقرارا وأمنا وإجهاضا للفتن.

* المصالحات في الشويفات وغيرها، هل مجرد تبويس لحى؟

ـ لا أبدا، إنها مصالحة جدية، واجبة الوجود، ومن المعيب ألا تحدث. إنها مصالحة بين أهل وأقارب ورفاق درب وطني وأخوة في المواطنة. إنها مصالحة وطنية لأن ما حدث قد طوي نهائيا وسوف يشطب من الذاكرة. وكما قلت في يوم المصالحة في الشويفات فإن 1213 سنة من الكفاح الوطني والقومي الواحد بين هؤلاء الأهل والأقارب والأخوة في المواطنة لا يمكن أن تمحوه ثلاث ساعات من التخلي والغضب.. لذلك أؤكد بأن مصالحة الشويفات ليست مجرد تبويس لحى، أبدا.

* ماذا عن العلاقة مع وليد جنبلاط؟

ـ إنها علاقة احترام متبادل، كل من موقعه، ولكل خصوصياته.

* هل سعيت شخصيا لرأب الصدع في العلاقة بينه وبين سورية؟

ـ سبق لي مرارا أن قلت إنني جاهز لبذل كل ما يوفق بين اللبنانيين، وما يوفق بين اللبنانيين والسوريين. ونحن بلد واحد قسّمه مبضع الاستعمار. ومن الجنون أن يدخل اللبناني في عداء مع سورية. نادرا ما وجدت عائلة لبنانية ليس لها أقارب وفروع في سورية، والعكس صحيح. ففي ذروة الخلافات التي كانت مستعرة على مدى السنوات الخمس الماضية (تنذكر ما تنعاد)، حسب القول الشائع عندنا، تعمدت باستمرار أن أكرر قولي: إن من يسقط الجغرافيا من معادلة السياسة يخرج نفسه من التاريخ. والثاني قولي: إن من الجنون أن نزج بأنفسنا في أتون لعبة الأمم، فهذه اللعبة الجهنمية لسنا نحن من يضع قواعدها، ولسنا نحن من يرسم حدودا لها، ولسنا نحن من يطلقها، ولسنا نحن من يأمر بإيقافها. لذا أشدد بأنه من الجنون أن نزج بأنفسنا في لعبة الأمم. فالإنسان يعرف متى يدخل في هذه اللعبة لكنه سرعان ما يفقد السيطرة على نفسه. يصبح رهينة ودمية في أيدي الأجانب، ولا يعرف متى وكيف يخرج من هذه اللعبة. ولو تأملتم عميقا بحدث 11 أيار (مايو) 2008 لأدركتم أنه كان نقطة تحول راديكالي لأنه بمنزلة خروج من لعبة الأمم. وما زلنا، وسنبقى نعيش، تداعيات وثمار الحادي عشر من أيار 2008 وروحيته، يوم كنت أشدد على هذين الأمرين لم يتجاوبوا مع تحذيراتي لكنهم عادوا واكتشفوا صحتها. وهنا، لا يسعني إلا أن أذكر بالتحية والتقدير أخي ورفيق دربي ومساعدي الشهيد الشيخ صالح العريضي، شهيد لبنان، شهيد روحية الحادي عشر من أيار 2008. به دفعنا غاليا ثمن تصدينا للفتنة.

* لماذا هذه الصعوبة في ترميم العلاقة بين النائب وليد جنبلاط وسورية، وهل هي أسباب سياسية أم شخصية؟

- أعتقد أن الإكثار من الحديث في هذا الموضوع لا يفيد كثيرا، كي لا أقول يزيد في تعقيد الأمور.

* هل ما قاله جنبلاط بحق سورية وقياداتها قابل للتجاوز من قبلها؟

- يا حبذا لو نتمكن في لبنان من بناء دولة. هذه الدولة هي مواجهة استراتيجية كبرى، وفي الوقت نفسه هي تخوض معركة تحديث وتنمية. هذا الواقع يستقطب مجمل اهتمامات القيادة السورية. ففي سياق المواجهة الاستراتيجية الكبرى هنالك سلم أولويات يتضمن: الموضوع الفلسطيني، بكل تشعباته وتعقيداته ومآسيه وطموحات الفلسطينيين الصابرين الصامدين، والملف اللبناني على صعيد المواجهة مع العدو الإسرائيلي، والملف العراقي، بالإضافة إلى تراب الجولان السوري المحتل وأهله الصابرين الصامدين. هذا من دون الحديث عن العلاقات السورية التركية التي تسجل نجاحات واعدة ذات أبعاد استراتيجية شديدة الأهمية، والتنسيق السوري الإيراني التركي، والتقارب والتنسيق السوري السعودي الذي يعيد الاعتبار إلى مبدأ العمل العربي المشترك، الذي تنعقد عليه آمال كل الأحرار والمخلصين في العالمين العربي والإسلامي... يجب وضع كل هذه الأمور أمامنا حين نتحدث عن السياسة السورية.

* ما مدى صحة ما يشاع عن شروط سورية لاستقبال جنبلاط ومنها زيارة الرئيس لحود؟

- أحاديث إعلامية وثرثرة صالونات شبه سياسية.

* هل صحيح أن المطلوب إذلال وليد جنبلاط تكفيرا لما قام به؟

- أبلغتني القيادة السورية أمرين: الأول أنها قدرت برقية التعزية، والثاني أن كل ما يحكى ويثار عن الزيارة والشروط والظروف كلام لا يعني القيادة السورية لا من قريب ولا من بعيد، ولا علاقة له بالقيادة. ولقد أبلغت هذين الأمرين إلى الأخ وليد بك. لا أكثر ولا أقل. والأمور واضحة.

* كيف الوضع داخل البيت الدرزي الآن؟ وما مستقبل العلاقة بين قيادات الطائفة وبقية الطوائف؟

- الوضع داخل البيت الدرزي طبيعي، وتعددي. وفيما خصنا أعتبر أن من الضروري تطوير العلاقات والتفاعل مع باقي الطوائف ودفع الأمور في اتجاه الابتعاد عن الاتجار بالدين والعمل على نشر الثقافة المدنية التي من دونها لا يمكن تحقيق نجاح في بناء دولة حديثة.

* هل انتقلنا من تحالف درزي سني إلى تحالف درزي شيعي؟

- أنا شخصيا ضد التحالف الدرزي السني وضد التحالف الدرزي الشيعي بل مع التحالف الدرزي السني الشيعي الماروني الأرثوذكسي الكلداني الكردي السرياني القبطي إلى آخره. إن مبدأ التحالف الطائفي يتناقض مع النهج الوطني في السياسة. علينا أن نختار: إما بناء دولة حديثة لكل أبنائها وإما الاستمرار في حالة التشرذم والاتجار بالدين، تقول الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» صدق الله العظيم.