بعد الهجوم الأخير.. سكان كابل يتساءلون: كيف مر المسلحون من نقاط التفتيش؟

مسؤول: هدفهم كان البنك المركزي

TT

بعد 24 ساعة من اقتحام سبعة مسلحين مركزا للتسوق في وسط كابل وتسببهم في إصابة المدينة بالشلل، عاود صانعو الأحذية الذين يعرضون بضاعتهم أمام المركز نشاطهم، وبالقرب منهم، عاود أصحاب المحلات عرض شرائط مادونا بجانب تسجيلات كبار المطربين الأفغان ومطربي بوليوود. وتبادل جمع من الرجال المزاح بشأن رجل يرتدي شالا كبيرا، لأن هذا هو الزي نفسه الذي كان يرتديه منفذو الهجوم، الاثنين، بهدف إخفاء أسلحتهم. الملاحظ أن من يعملون بالقرب من مواقع تعرضت لهجمات يبدون قدرا كبيرا من الصلابة ولديهم قناعة بأن الهجمات ستتكرر لاحقا، بينما يفتقرون إلى الثقة في قدرة الحكومة على منع وقوع مثل هذه الهجمات. لكن التساؤل الأكبر الذي هيمن على أذهانهم: لماذا لم يقدم المسلحون على قتل مزيد من المدنيين. في هذا الصدد، قال محمد عيسى، 35 عاما، صانع أحذية: «كان بمقدورهم ذبح كل من كانوا في (فراوشغا)»، في إشارة إلى مركز التسوق الذي اقتحمه مفجرون انتحاريون، صباح الاثنين، وتركوا به قذيفة. إلا أن المعارك بالأسلحة النارية التي اندلعت هناك مع قوات الأمن الأفغانية واستمرت لساعات خلفت خمسة قتلى فقط؛ اثنين من المدنيين وثلاثة من أعضاء قوات الأمن. وأعلنت جماعة طالبان مسؤوليتها عن الهجمات. وقال عيسى «هذا الأمر يحيرنا، فلو كانوا يرغبون في قتل الجميع، لفعلوا ذلك». وأومأ الآخرون، الذين تجمعوا فوق الرصيف الذي يفترشه بائعو الأحذية، برؤوسهم مؤيدين لوجهة نظره. وأشار حميد شاه، 17 عاما، إلى أن «هدفهم كان مختلفا عن ذلك. أرادوا أن ينقلوا للحكومة رسالة مفادها: بمقدورنا تدمير ما نشاء. وانظر ماذا فعلوا في الواقع»، مشيرا إلى مبنى خلفه يعلوه لون أسود. طبقا لعدة شهادات أدلى بها صانعو أحذية ممن كانوا في المبنى، الاثنين، فإن رجلين يرتديان شالين كبيرين أشبه بالدثار، الذي يفضل الرجال الأفغان ارتداءه ليقيهم برد الشتاء، دخلا إلى المبنى وصعدا إلى الطابق الرابع أو الخامس. وهناك، ألقيا عباءتهما، وكشفا عن أسلحة ثقيلة وأمرا الناس بالخروج من المكان. وتشير عدة تقارير إلى أنهما تسببا في إصابة قاتلة لصبي، وصوبا أسلحتهما باتجاه حارس وعامل نظافة، وأطلقا النيران بجانبيهما بينما صرخوا في الناس مطالبين الجميع بالخروج من المركز. باستثناء عدد قليل، خرج جميع من كانوا في المبنى دون أن يمسسهم سوء. من جهتهم، أعرب مسؤولو الاستخبارات الأفغانية عن اعتقادهم بأن قلة أعداد الضحايا المدنيين تعد نتاجا لصدفة بحتة أكثر من كونها إجراء متعمدا. وقال أمر الله صالح، رئيس الاستخبارات، إن الهدف الرئيس للهجمات كان المصرف المركزي الحكومي، والذي حاول تفجيري انتحاري دخوله، لكن أطلق عليه النار قبل تمكنه من ذلك. ولو كان نجح في تفجير نفسه بالداخل، كان سيتسبب في مقتل الكثير من الموظفين والزائرين. وكان الرجلان اللذان يرتديان العباءتين الكبيرتين يخططان للانضمام إليه في المصرف، حسبما أوضح صالح. إلا أنه عندما أطلق عليه النار، فرا إلى داخل المركز التجاري القائم بالجوار. وقال أشخاص كانوا على مقربة من مواقع الهجمات إن هذا القول يبقى عاجزا عن تفسير السبب وراء إقدام الرجلين، وكلاهما كان مسلحا، على تفجير المتفجرات التي بحوزتهما داخل المركز التجاري.

واتفق اثنا عشر فردا في مقابلات معهم على أن الحكومة بالغة الوهن بدرجة تحول دون تمكنها من منع مثل هذه الهجمات. وتساءل سياسيون ومواطنون أفغان عاديون، على سبيل المثال، حول كيفية مرور المهاجمين دون رصدهم عبر الكثير من نقاط التفتيش حتى وصلوا إلى قلب كابل. في هذا السياق، أكد نور الحق علومي، عضو البرلمان وكذلك لجنة شؤون الدفاع به، أن «التساؤل الأكبر يدور حول كيفية تمكن الإرهابيين من قطع هذه المسافة الطويلة من الحدود حتى كابل وبحوزتهم ذخائرهم ومعداتهم». وأضاف أن الفساد ربما له صلة بهذه الهجمات. يذكر أن هناك الكثير من التقارير حول تلقي حراس رشاوى لتمكين مجرمين أو متمردين من التنقل عبر المنطقة. وأشار علومي إلى أنه «إذا عجزنا عن القضاء على الفساد داخل الحكومة وعدم بناء الحكومة على أساس حكم القانون بهدف خدمة أبناء أفغانستان، فإن مثل هذا الفساد قد يبلينا بالكثير على غرار هذه الهجمات». وأعرب عزيز الله، 60 عاما، الذي يبيع شرائط مسموعة داخل كشك أعرض قليلا عن عرض أكتافه، عن وجهة نظر مشابهة، حيث قال: «لدى الحكومة قوات شرطة وحراس استخباراتيون وجنود في الجيش على جميع مفارق الطرق، إذن كيف تمكن هؤلاء الأفراد من المرور؟» المعروف أن الفساد متفشٍّ بدرجة بالغة في أفغانستان لدرجة أن مكتب مكافحة المخدرات والفساد التابع للأمم المتحدة أعلن، الثلاثاء، عن أن مقابلات جرت مع 7600 أفغاني بمختلف أرجاء البلاد تمخضت عن نتيجة مفادها أن الرشاوى التي يدفعها أفراد تشكل قرابة ربع إجمالي الناتج المحلي للبلاد. وقال بعض سكان كابل إن هجمات الاثنين من تدبير الولايات المتحدة لتبرير بقائها داخل أفغانستان لفترة أطول. على سبيل المثال، قال ضياء الحق، 22 عاما، ويعمل في متجر على بعد بضعة أقدام من موقع الهجوم الثاني: «ربما يقف الأميركيون وراء الهجمات. وإلا كيف تمكن المهاجمون من المرور عبر كل نقاط التفتيش تلك؟» وأضاف «لقد جرى التدبير لهذه الهجمات من عناصر داخل الحقل السياسي». وأعرب العديد من الأفغان عن اعتقادهم بأن الدافع الرئيس وراء الهجمات يكمن في كسب دعاية، ولإظهار للعالم أن كابل، العاصمة، ليست بمنأى عن الهجمات. لكن في الوقت ذاته، لا يبدو أن هناك منهم من يراوده ظن بأن الحكومة تواجه خطر الإطاحة بها. وقال عبد الراشد، 45 عاما: «ترمي الهجمات لإقناع الحكومة والعناصر الدولية أن المهاجمين بمقدورهم شن هجوم على بعد كيلومتر واحد من القصر الرئاسي. لكن ليس باستطاعتهم إسقاط الحكومة، فهذا مجرد هجوم، مجرد محاولة للخنق. كابل آمنة مع وجود كل هذه القوات الأمنية».

* خدمة «نيويورك تايمز»