طالبان تحسن من صورتها في محاولة لكسب حلفاء

حرب معلوماتية لمواجهة حملة أميركا لكسب قلوب وعقول الأفغان

TT

شرعت حركة طالبان في شن حرب معلوماتية متقدمة، مستخدمة فيها أدوات إعلامية حديثة وقديمة كذلك، من أجل تحسين صورتها وكسب تأييد الشعب الأفغاني، في محاولة لمواجهة الحملة الأميركية الجديدة لكسب قلوب وعقول الأفغان.

وكان الملا محمد عمر الزعيم الروحي للحركة قد أصدر في نهاية الربيع الماضي، توجيهات مطولة تلخص القواعد الأخلاقية الجديدة لطالبان، تشمل هذه الإملاءات حظرا على العمليات الانتحارية ضد المدنيين وحرق المدارس وقطع الآذان والألسنة.

ولا تعني هذه المبادئ، التي جرى تطبيقها على نحو متفاوت، بالضرورة تخفيف التمرد. فعلى الرغم من أن طالبان أطلقت تحذيرات للمدنيين للبقاء بعيدا قبل الهجوم على قلب كابل الاثنين الماضي، فإنهم يتحملون مسؤولية الإصابات التي وقعت بين المدنيين خلال تسعة أشهر العام الماضي، حسبما ذكرت الأمم المتحدة.

والآن، وفي الوقت الذي تقوم فيه حركة طالبان بتوسيع انتشارها في أفغانستان، فإنها في أمس الحاجة إلى الدعم الشعبي وإلى إعادة تشكيل نفسها كحركة تحرير محلية مستقلة عن تنظيم القاعدة، ومستفيدة من حالة الإحباط المتنامية بين الأفغان إزاء حكومتهم ووجود القوات الأجنبية على أراضيهم. وقال قرويون أفغان ومسؤولون في حلف «الناتو» إن هذه المبادئ بدأت تغير الطريقة التي يتصرف بها القادة في المستويات المتوسطة في الحركة وأتباعهم على الأرض. فقد قام الملا عمر بعزل اثنين من أشد القادة وحشية.

وقال مسؤول استخباراتي في حلف «الناتو» إن «التكيف الأفغاني على مكافحة التمرد جعلهم أكثر خطرا. من المحتمل أن تكون أهدافهم على المدى البعيد قد تغيرت كثيرا منذ عام 2001، لكن عندما قدمنا باستراتيجية جديدة لمكافحة التمرد، قاموا بالرد باستراتيجية خاصة بهم».

تشمل الاستراتيجية الأميركية الحد من الضربات الجوية التي أسفرت عن مصرع مدنيين أفغان وتركيز وجود القوات في مناطق أكثر قربا من التجمعات السكانية بحيث يشعر الأفغان بالحماية ضد عمليات طالبان.

وينظر محللون أميركيون وأفغانيون إلى الجهد الذي تقوم به طالبان على أنه جزء من مبادرة عريضة تستخدم كل وسيلة يستطيعون إتقانها، بما في ذلك تكنولوجيا الإنترنت التي رفضوها في الماضي وقالوا إنها وسيلة غير إسلامية. حيث يستخدمون الآن الرسائل على الهواتف الجوالة والمقاطع المرئية والصوتية على الإنترنت لإيصال رسالتهم.

وأضاف وحيد مجدا، المسؤول السابق لدى حركة طالبان: «تحاول طالبان كسب ود الناس. السبب وراء تغيير التكتيكات الخاصة بهم هو أنهم يريدون الاستعداد لحرب طويلة الأجل، ولهذا السبب فهم يحتاجون إلى الدعم من الشعب.. لذا فقد تعلموا عدم تكرار أخطاء الماضي».

من جانبه، وصف بروس ريدل، الذي قاد المراجعة التي أجراها الرئيس باراك أوباما على الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان وباكستان، الحرب المعلوماتية بأنها في غاية الأهمية. وأضاف: «يجب عليك الرد في حرب الدعاية في دورة زمنية سريعة للغاية؛ فلا تستطيع إصدار بيان يقول: إننا نبحث عن الحقائق كافة قبل أن نعلق».

يرجع العامل الأهم في الانتشار المتزايد لطالبان إلى عدم فاعلية الحكومة المركزية واستياء الشعب الأفغاني من وجود القوات الأجنبية. ويقدر محللون في الاستخبارات العسكرية الآن عدد المقاتلين الملتزمين في صفوف طالبان بـ25 ألفا إلى 30 ألف مقاتل، إلى جانب ما يصل إلى 500 ألف آخرين تقريبا سيقاتلون إما بالأجر أو إذا شعروا بالهجوم ضدهم من قبل التحالف الغربي.

وكانت الجهود الرامية إلى تحسين صورة طالبان قد بدأت بصورة فعلية خلال شهر مايو (أيار) الماضي عندما أعلن الملا عمر عن القواعد الأخلاقية الجديدة. وقد حصلت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخة من الوثيقة التي تشمل هذه القواعد من أحد المتحدثين باسم طالبان. وتتناول الوثيقة، المؤلفة من تسع وستين صفحة وأكدتها استخبارات «الناتو» الصيف الماضي، كيفية التعامل مع الشعب والسجناء وكيفية التصرف في المعدات الخاصة بالعدو التي يتم الاستيلاء عليها ومتى يتم إعدام الأسرى. ويتعامل معظم هذه الصحيفة مع سلسلة القيادة في طالبان ويحدد القرارات التي يستطيع القادة الميدانيون اتخاذها بأنفسهم. وتحض الوثيقة المقاتلين على العيش والعمل في وئام مع السكان المحليين.

وفي انعكاس غريب لاتفاقيات جنيف، التي تحظر تصوير السجناء، قال أحد البنود في الوثيقة: «إذا حُكم على أي فرد بالإعدام، فيجب قتله بمسدس، ومحظور تصوير عملية الإعدام».

لكن وضع القواعد السلوكية شيء وإنفاذها شيء آخر. فمن الصعب إقناع القادة المحليين الذين يعملون في المناطق الجبلية والصحراوية باتباع تعليمات القادة الذين يعيشون على بعد مئات الأميال في باكستان.

كما أن هناك شكوكا بشأن التأكيدات الأخيرة لطالبان بأنها مستقلة عن تنظيم القاعدة، حيث يعيش قادة الحركتين في المناطق نفسها في باكستان، وتظل «القاعدة» مصدر التمويل والتدريب لحركة طالبان.

وقال الأدميرال غريغوري جيه. سميث، مدير الاتصالات في حلف «الناتو»: «إذا ما قارنت الوثيقة بالسلوك الفعلي، فإن الملا عمر يسيطر سيطرة هامشية على قواته». وأضاف: «قد يصلح جزء منها في بعض المناطق من البلاد، لكنه لا يصلح في مناطق أخرى». على الرغم من البند الذي يقول: «افعلوا أقصى جهدكم لتجنب قتل السكان المحليين في الهجمات الانتحارية»، فإن 16 مدنيا لقوا مصرعهم في الهجوم الانتحاري الذي وقع في مقاطعة أروزكان الخميس الماضي. وقال سميث وآخرون إنه وفقا لمسح حديث أجرته وكالة الاستخبارات العسكرية، فإن استراتيجية طالبان الجديدة في كسب تأييد الأفغان أخفقت، وإنه على الرغم من أن المتمردين قد يقومون بالقليل من عمليات التمثيل بالجثث وقطع الرؤوس، فإنهم يعتمدون على الترهيب من خلال الخطابات الليلية والتهديدات وحتى الاغتيالات.

وتشير المقابلات مع شيوخ القبائل في المناطق التي ينشط فيها أعضاء حركة طالبان إلى صورة معقدة. فقد أشاد كثير من الذين أجريت معهم مقابلات بالنهج الجديد والأقل تهديدا الذي تبنته طالبان، لكنهم قالوا إن ذلك لا يترجم إلى حماسة لصالح الحركة. وفي الوقت نفسه، لا تلقى الحكومة الأفغانية ولا القوات الأجنبية قبولا كبيرا.

وقال حاجي خان محمد خان، أحد شيوخ القبائل في حي شاواليكوت في ريف مقاطعة قندهار: «هناك تغير كبير في سلوك أعضاء حركة طالبان، فهم لا يقطعون رؤوس الناس ولا يعتقلون المشتبه في أنهم جواسيس من دون تحقيقات. لكنهم لا يزالون في بعض الأحيان يرتكبون أخطاء.

*خدمة «نيويورك تايمز»

*شارك في هذا التقرير من قندهار تيمور شاه