الحريري: مبادرة باريس لعقد قمة سلام في الشرق الأوسط جدية.. لكنها لم تنضج بعد

قال إنه يدعم المشروع الفرنسي.. ونقل عن ساركوزي «حق الجيش اللبناني في التسلح»

رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يصافح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدى لقائهما في قصر الإليزيه بباريس أمس (أ.ف.ب)
TT

قالت مصادر في رئاسة الجمهورية إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رد على المخاوف التي عبر عنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال الاجتماع الذي عقد ظهر أمس في قصر الإليزيه، أن باستطاعة لبنان أن «يعول على صداقة فرنسا ودعمها» من أجل العمل على صيانة سيادة لبنان.

وأكدت هذه المصادر التي كانت تتحدث بعد انتهاء الاجتماع أن الرئيس الفرنسي «طمأن الرئيس الحريري لجهة أن فرنسا ستعمل على المحافظة على سيادة لبنان وسلامة أراضيه»، مضيفة أنه «يتعين على جميع دول المنطقة أن تحترم هذه السيادة». وكان ساركوزي قد أسمع الرئيس اللبناني ميشال سليمان الكلام نفسه عند زيارته لباريس نهاية العام الماضي حيث «وعده» بالتحرك لصالح لبنان بعد أن اشتكى سليمان من التهديدات الإسرائيلية للبنان.

وأثار الحريري الموضوع عينه في غالبية لقاءاته في باريس، وقال في لقاء مع الصحافة اللبنانية إن الرئيس الفرنسي «كان واضحا وصريحا حيث أكد أن باريس ستقوم بكل الاتصالات الممكنة وتتحدث مع الإسرائيليين»، لمنع حصول اعتداء على لبنان، مضيفا أن فرنسا تعتبر مثل هذه الأعمال «غير مقبولة ولا مبررة» وأنها «ستقوم بالخطوات اللازمة لمنعها». وأكد الرئيس الحريري أيضا أن موقف الولايات المتحدة الأميركية «مشابه» للموقف الفرنسي.

وكان أمين عام قصر الإليزيه كلود غيان قد زار الحريري قبيل ظهر أمس في الفندق الذي ينزل فيه واجتمع به على انفراد نحو الساعة. وقال الحريري للصحافة في باحة الإليزيه خلال مؤتمر صحافي إنه تناول مع الرئيس الفرنسي «التحديات» التي تواجهها المنطقة و«مأزق السلام»، ونقل عنه عزمه على «القيام بخطوات» من أجل تحقيق تقدم، مشيرا بذلك إلى مشروع قمة للسلام في الشرق الأوسط يعقد في باريس.

ووصف رئيس الوزراء اللبناني مشروع ساركوزي بأنه «جدي» لكنه اعتبر بأن صيغته لم تنضج بعد. وحرص الحريري على تأكيد أن لبنان «يدعم» المشروع الفرنسي و«يشجع» ساركوزي على السير فيه.

وإزاء رغبات فرنسا بأن يضم لبنان إلى مسار السلام، قالت مصادر واسعة الاطلاع إن باريس «لا تعرف بعد» كيف يمكن ضم لبنان إلى قطار السلام في حال انطلق.

وتعتبر باريس أنه يتعين على لبنان «الدفاع عن مصالحه»، بالانضمام إلى قطار السلام عندما «تتهيأ الظروف».

ولا يبدو أن بيروت مقتنعة بهذا التفكير إذ كرر الحريري التزام لبنان بالمبادرة العربية وعاد إلى الموقف اللبناني القديم من أن لبنان سيكون آخر من يوقع السلام مع إسرائيل.

ولم تختلف أجواء ساركوزي الإيجابية عن أجواء فيون بخصوص مطلب لبنان تسليح الجيش. فقد رد الرئيس الفرنسي على طلب الحريري بتأكيد أن فرنسا «مستعدة لمساعدة لبنان في كل المجالات» بما في ذلك تزويده بالمعدات الثقيلة والخفيفة.

وقال الحريري إن ساركوزي يرى أن من «حق لبنان» أن يحصل على السلاح الذي يريده ثقيلا أو خفيفا للدفاع عن سيادته واستقلاله و«مسموح له أن يكون ما يريده» من السلاح مما يعني انتفاء «المحاذير» التي كانت تحول دون تجهيز الجيش اللبناني في الماضي وأولها وصوله إلى حزب الله. ويقوم التعاون العسكري حاليا على عمليات تأهيل لمجموعات من الجنود والضباط اللبنانيين في المدارس الفرنسية كما أن هناك مشروعين دفاعيين: الأول يتناول تأهيل 13 طوافة «غازيل» يملكها لبنان وتسليحها بصواريخ محمولة جو - أرض. وتبلغ قيمة المشروع عشرين مليون دولار، والعرض المقدم يجري حتى نهاية الشهر الحالي. والمشروع الآخر يتناول تدريب وتأهيل طيارين لبنانيين للطوافات الـ13 من طراز «بوما» التي حصل لبنان عليها من الإمارات العربية المتحدة.

وشارك وزير الدفاع اللبناني في محادثات الإليزيه وقال إن البحث في المساعدات العسكرية الإضافية ما زال في «العموميات».

وكان موضوع العلاقات اللبنانية - السورية موضع مراجعة بين ساركوزي والحريري. وأشارت مصادر القصر الرئاسي إلى «الشجاعة» التي تحلى بها الحريري في مبادرته. ونقل الأخير أن فرنسا «ستتابع هذه العلاقات التي من المفترض أن تفيد الطرفين». ولم يعرف ما دار في الخلوة الثنائية بين ساركوزي والحريري، إلا أن مصدرا في الوفد اللبناني أشار إلى أن الحريري «يريد من باريس أن تسهل العلاقة بدعوة دمشق للتعامل مع الدولة اللبنانية وليس مع الفرقاء أو الأحزاب بحيث تكون العلاقة من دولة إلى دولة وعبر المؤسسات». وفي المقابل، ووفق المصادر الفرنسية، فإن باريس كانت «حريصة» على التعرف على ما آلت إليه علاقات الحريري مع سورية بعد زيارته دمشق.

وسيكون هذا الموضوع محل تباحث بين رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون والمسؤولين السوريين خلال الزيارة التي سيقوم بها إلى دمشق في الحادي والعشرين من الشهر القادم. وتريد باريس أن تعرف ما تريد دمشق القيام به بشأن المسائل العالقة مع لبنان مثل ترسيم الحدود وفرض الرقابة عليها وتهريب السلاح والمواقع الفلسطينية المسلحة، فيما تشدد على أهمية التطبيق الكامل للقرار 1701 وللقرارات الدولية الأخرى الخاصة بلبنان من قبل كل الأطراف.

ومساء تناول الحريري علاقاته بدمشق بكثير من الهدوء والإيجابية لا بل دعا إلى عدم النظر إليها من باب المسائل الخلافية بل النظر إلى «الإيجابيات»، معتبرا أن الحلول تأتي عن طريق «التناول الهادئ» وبعيدا عن الإعلام أو عقلية «تسجيل النقاط». وكشف الحريري أنه «مستمر في التواصل» مع الرئيس السوري بواسطة الهاتف، مضيفا أنه «لا يتعين أن نعطي الانطباع أننا نريد من سورية موضوع الحدود فقط»، ورأى رئيس الوزراء اللبناني أن لبنان بحاجة إلى «علاقة صريحة وهادئة» مع سورية بشكل «يريح لبنان ويريح سورية»، وبرأيه أن لبنان ما زال بحاجة لفرنسا في هذا لأنها «حريصة» على استكمال التطبيع مثلها كدول عربية كثيرة. ونوه الحريري أكثر من مرة بدور المبادرة التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز للمصالحة العربية - العربية وتأثيراتها الإيجابية على لبنان. وكشف الحريري أن المبعوث الأميركي جورج ميتشل «لم يحمل أفكارا واضحة» بخصوص السلام، لكنه «سيعود» إلى المنطقة لاحقا وبأفكار جديدة. أما بخصوص المحكمة الدولية، فقال الحريري إن ساركوزي «كان واضحا وصريحا حيث أكد أن فرنسا لن تتخلى عن المحكمة بأي شكل من الأشكال».

وقالت مصادر الإليزيه إن الرئيس الفرنسي يرغب في تعاون مع لبنان في مجلس الأمن بخصوص «الملفات الكبرى» بما يفهم أن من بينها الملف الإيراني.

ووصفت المصادر الفرنسية زيارة الحريري بأنها «ناجحة بكل المعايير»، وشكلت «دفعا إضافيا» للعلاقة مع لبنان الذي أظهرت باريس له أنه ما زال «يتمتع برعاية خاصة».