كلينتون: النزاع في اليمن له تداعيات خارجية ولكن يجب حله داخل حدوده

واشنطن تقول إن مساعداتها المالية لصنعاء تعتمد على «خيارات صعبة» للحكومة

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدى لقائه وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

شهدت زيارة وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي إلى واشنطن نقاشات صريحة حول العلاقات بين البلدين وتقوية الشراكة بينهما لمواجهة عناصر تنظيم القاعدة في اليمن. وقد أوضح المسؤولون الأميركيون أنهم غير معنيين مباشرة بالنزاعات في جنوب البلاد وشماله، إلا أنهم يسعون إلى دعم الحكومة اليمنية لحل هذه النزاعات بالإضافة إلى مساعدة البلاد في الإطار الاقتصادي والتنموي. وعبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن أهمية استقرار اليمن لبلادها وللمنطقة: «هذا نزاع له تداعيات خارج حدود اليمن ولكن يجب أن يحل داخل اليمن».

وتشاور القربي مع كلينتون بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال جيم جونز ومجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الأميركيين المهتمين باليمن خلال زيارته واشنطن التي جاءت في إطار الاستعداد لاجتماع لندن الأسبوع المقبل حول اليمن. والتقت وزيرة الخارجية الأميركية مع نظيرها البريطاني ديفيد ميليباند والممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون لتنسيق الجهود الأوروبية والأميركية في التعامل مع اليمن. ويشدد مسؤولون أميركيون وأوروبيون على أهمية دعم اليمن ولكن في الوقت نفسه جعل اجتماع لندن فرصة لدفع الحكومة اليمنية للالتزام بإصلاحات ومعالجة سياسية للمشكلات القائمة في البلاد.

وتؤكد مصادر أميركية أن واشنطن تركز جهودها على مكافحة القاعدة في اليمن وتعتبر أن تقوية الحكومة اليمنية ودعم جهودها التنموية سيساعد في استقرار البلاد على المدى البعيد وتقليص تهديد المتطرفين. وقد خصصت الإدارة الأميركية 121 مليون دولار خلال السنوات الثلاثة المقبلة من المساعدات المالية لليمن لهذا الغرض. إلا أن كلينتون لفتت في مؤتمر صحافي مشترك مع القربي إلى أن «نجاح هذا الاستثمار يعتمد على قدرة اليمن على اتخاذ قرارات صعبة ضرورية؛ لتحسين قدرتها على الحكم، وإصلاح اقتصادها، وحماية حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، وخلق أجواء أفضل للأعمال والاستثمارات».

ولكن أكدت كلينتون على «الشراكة» بين البلدين، قائلة: «لقد أجرينا حوارا مفتوحا وبنّاء جدا حول عدد من القضايا المهمة، وبلدانا تعملان معا كشركاء لتحسين قدرة اليمن على توصيل الخدمات الأساسية وحماية حدودها وإجراء عمليات مكافحة الإرهاب وتحسين الخدمات للشعب اليمني». وأكدت كلينتون: «نحن نواجه تهديدا مشتركا من المتطرفين العنيفين الذين يستهدفون المدنيين من دون رحمة أو ندم، لقد قتلت القاعدة في شبه الجزيرة العربية العشرات من اليمنيين في السنوات الأخيرة، من بينهم الجنود السبعة الذين ماتوا وهم يحمون السفارة الأميركية خلال هجوم من الانتحاريين في 17 سبتمبر (أيلول) 2008». وتعهدت بأنه من أجل «التصدي لهذا التهديد المتنامي، ستشدد الولايات المتحدة تعاونها مع اليمن في الأمن والتنمية وسنعمل مع شركاء آخرين ومع الدول التي تفكر مثلنا»، معتبرة أن «اليمن قد أظهرت نية وقدرة على اتخاذ الخطوات ضد القاعدة وغيرها من المجموعات المتطرفة والولايات المتحدة تشيد بهذه الإجراءات».

ويلفت مسؤولون عسكريون في واشنطن إلى أن اليمن أثبتت خلال الأسابيع الستة الماضية عزيمة لمواجهة القاعدة في العمليات الأخيرة التي قامت بها واعتقال عدد من المتهمين بالارتباط إلى التنظيم وقتلهم. وكانت هذه الخطوات مهمة للدول المجتمعة في لندن الأسبوع الماضي من أجل التأكد من التزام اليمن بالهدف المشترك ومواجهة التطرف معا.

ومن جهته، أكد القربي أن «الإدارة الأميركية الجديدة أظهرت فهما أكبر للتحديات التي تواجهها اليمن والعزيمة لمساعدة اليمن»، مؤكدا أن الهدف المشترك هو «يمن مستقر وموحد وقوي». وكان هناك بعض التوتر في العلاقات بين صنعاء وواشنطن في زمن رئاسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وامتنعت كلينتون عن الحديث عن تلك الفترة، قائلة: «لا أستطيع التحدث عن الفترة إلى ما قبل عام»، لكنها أكدت أن العلاقات الآن «إيجابية جدا»، مضيفة أن «هناك وعيا من قبل الولايات المتحدة واليمن بأنه لا يمكن حصر علاقاتنا بالإرهابيين فقط». ولفت القربي إلى التزام اليمن بـ«مواصلة الحرب ضد الإرهاب والتطرف»، بالإضافة إلى التنمية. واعتبر القربي أن الحكومة اليمنية حاولت تطبيق برنامج تنموي وإصلاحي ولكنها لم تستطع أن «تحقق الإنجازات بسبب عدم حصولها على المصادر المطلوبة لتطبيق الإصلاحات». وطالب القربي مؤتمر لندن بدعم القدرات اليمنية، مشيرا إلى أن تطبيق الإصلاحات وتحقيق النمو الاقتصادي سيعتمد على ذلك. ويذكر أن الاجتماع الأخير حول اليمن في لندن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 تعهد بالمليارات من الدولارات لكنها لم توصل للحكومة اليمنية.

إلى ذلك قال مسؤولون أميركيون: إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعتزم أن تجمع بين الدعم العسكري الموسع لليمن في حربه ضد القاعدة وبرنامج للمساعدات الاقتصادية يهدف إلى الحد من قدرة المتطرفين على جذب مجندين. والى جانب التعاون العسكري، الذي يشمل التدريب ومساعدات أخرى للقوات اليمنية التي تحارب الإرهاب، تعمل وزارة الدفاع الأميركية مع وزارة الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية على برنامج للتنمية وإعادة الإعمار يستهدف الشبان ومن يعيشون في الريف والمناطق القبلية.

وتأمل واشنطن أن تؤدي التنمية الاقتصادية طويلة المدى إلى القضاء على شعبية القاعدة بين 50 في المائة من سكان اليمن ممن تقل أعمارهم عن 15 عاما. ويصف مسؤولون أميركيون حكومة اليمن المركزية بأنها «غير كفء» ولا تتمتع بنفوذ كبير خارج المراكز السكانية الكبيرة تاركة أراضي مفتوحة أمام القاعدة وجماعات أخرى. وتقدر المخابرات الأميركية عدد الكوادر النشطة في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ببضع مئات.

وقال مسؤول أميركي في وزارة الدفاع «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. لا يمثل تهديدا لليمن فحسب بل للأمن الإقليمي والدولي أيضا». وقال مسؤول دفاعي أميركي «الحل العسكري للمشكلة يبدو غير مرجح أكثر من أي وقت. وحتى تتم معالجة الموقف الإنساني المتفاقم والحد من التوسع الإقليمي للصراع ندعو إلى تقليص فوري للصراع». ويقول مسؤولون أميركيون: إنهم لا يرون دليلا على تدخل إيراني مباشر في الصراع الحوثي لكنهم حذروا من أن ذلك قد يتغير إذا استمر الصراع طويلا.