أجهزة المحاكاة تدرب الجنود على مواجهة الهجمات الانتحارية

بالأبعاد الثلاثية.. مواجهة القنابل المزروعة أكثر أسلحة طالبان فتكا على جانبي الطريق

TT

تهتز عربة الـ«هامفي» على الطريق الترابي الذي يشق الجبال التي تلمع قممها الثلجية في ضوء أشعة الشمس. وخلال سيرهم تنطلق رصاصة من بندقية من بقعة جبلية شديدة الانحدار لتشير إلى كمين نصبه مقاتلو طالبان. وفجأة يطيح الانفجار بالمركبة لتتمايل على جانبيها قبل أن تتوقف بصعوبة والدخان يتصاعد من أعلاها. ربما يكون ذلك أحد أنماط ما يقدم في أفلام هوليوود، لكن هذا ليس مشهدا من فيلم؛ فعربة الـ«هامفي» جزء من جهاز محاكاة متقن يعمل على إعداد الجنود لقيادة السيارات في الجبال، التي تعد واحدة من أكثر المهام خطورة في أفغانستان اليوم. تعلم الدفاع ضد أكثر أسلحة طالبان فتكا، التي تتمثل في القنابل المزروعة على جانب الطريق، يمكن أن يكون بمثابة جولة في عالم «ديزني» هذه الأيام أو مشاهدة فيلم ثلاثي الأبعاد أو لعب مباراة تفاعلية على جهاز الحاسب. جهاز المحاكاة الجديد أحدث الأمثلة على محاولات البنتاغون استخدام التقنية العالية المستغلة في صناعة الترفيه لمواجهة القنابل البدائية، التي كانت مسؤولة عن غالبية قتلى القوات الأميركية في أفغانستان خلال العامين الماضيين أكثر من الاشتباك في ميدان القتال. تستخدم التقنية الجديدة متعة القيادة الهيدروليكية التي تمكن السائق من التعايش مع البيئة، والإحساس بالقيادة وكأنه ارتطم بحفرة في الأرض أو لغم مدفون. وتعرض الشاشات المحيطة بالعربة من جوانبها الثلاثة ممرات جبلية مشابهة للموجودة في أفغانستان بتقنية فيديو عالية تكفي لتمييز الصخور على جانب الطريق وكذلك الأوراق على الشجيرات الصغيرة. ويقول مايكل دوغالو، المدرب بقاعدة «يوستس» الذي شهد عددا من الهجمات بالقنابل في العراق وأفغانستان: «هذا أفضل الأساليب التي يمكن إعادة بنائها في الميدان، وأعتقد أن حامل البندقية في عربتي ستعاوده بعض الذكريات المؤلمة إذا ما استخدم النظام الجديد». جهاز المحاكاة الجديد واحد من بين عدة ألعاب أو أجهزة واقع افتراضي شرعت وزارة الدفاع في استخدامها بصورة جدية نظرا لارتفاع أعداد القتلى بين الجنود نتيجة للقنابل المزروعة على جانب الطريق. وقد بدأ جنود من الجيش وقوات البحرية في تلقى تدريب على البرنامج الجديد في قاعدة «فورت براغ» في نورث كارولينا ومعسكر «بيندلتون» في كاليفورنيا، الذي صممه معهد تكنولوجيات الابتكار في جامعة جنوب كاليفورنيا حيث يستخدم فيديو قصصيا تخيليا ولعبة متعددة الأفراد. في أحد هذه الأشرطة يشرح أحد الممثلين الذي قام بتمثيل دور متمرد كيفية بناء القنابل وكيفية زرعها وتفجيرها. وفي مشهد آخر يصف الجنود الأميركيون كيف ردوا على هجمة بالقنابل، وتنتهي الجلسة الأخيرة بلعبة تفاعلية لمدة 15 دقيقة يحاول فيها فريق تجنب تفجير سيارته من قبل فريق آخر. وفي تطبيق آخر من تكنولوجيا المقامرة يعمل مبرمجو وزارة الدفاع في موقع منفصل بالقرب من قاعدة «فورت مونرو» بفيرجينيا تصل إليهم تقارير استخباراتية يومية ومعلومات مراقبة وصور أقمار اصطناعية من العراق وأفغانستان لإنتاج أفلام محاكاة لأحدث تكتيكات وتكنولوجيا صنع القنابل وزرعها على جوانب الطرق وتفجيرها. هذه الألعاب عالية الجودة التي يمكنها تصوير مروحيات «بلاك هوك» أو المتمردين، المستمدة من الألعاب الحربية المتوفرة تجاريا التي تسمى «معركة الفضاء2»، ترسل كبرامج محاكاة لدى اكتمالها عبر البريد الإلكتروني إلى القادة وضباط الاستخبارات حول العالم. ويشير مارك كوفي، الذي يشرف على وحدة المحاكاة، إلى أن كثيرا من الضباط أبدوا تشككهم في بادئ الأمر بشأن وحدة المحاكاة التي يقودها حتى قارن أحدهم شريط فيديو بثه أحد المتمردين على الإنترنت وأحد الأشرطة التي قام هو بصنعها الذي يصور الهجوم ذاته. فقد كانا متطابقين تماما. وتعد أجهزة مقاومة القنابل المزروعة على جانب الطريق جزءا من خطة موسعة من قبل الجيش لاستخدام التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد وبرامج الألعاب الكومبيوترية لتدريب القوات المنتشرة والتعامل مع المقاتلين المصابين في الميدان. وقد ابتكرت شركة «موشن ريالتي» التي ساعدت في تحويل الممثل إلى شخصية المخلوق «غولم» في ثلاثية فيلم «ملك الخواتم» برنامج تدريب حقيقي ثلاثي الأبعاد الذي يحاكي مهمات وحدة قتالية صغيرة. كما يستخدم الأطباء في كثير من المستشفيات العسكرية نظاما يعرف باسم «العراق الافتراضي» لمعالجة الجنود المصابين بتوترات عصبية. وقد بني هذا النظام على لعبة كومبيوترية تدعى «فل سبكتريم وورير»، حيث تعمل على مساعدة المرضى على إعادة التخيل بمساعدة سماعات الرأس والأجهزة البصرية والمشاهد والأصوات والعمليات القتالية كطريقة للتغلب على هذه الإصابات النفسية. فاعلية التكنولوجيا الجديدة لا تزال موضع الدراسة، لكن بعض النقاد حذروا من أن ألعاب الكومبيوتر وأنظمة الواقع الافتراضي المستخدمة في التدريب تتمتع بالفاعلية كبرامجها، وهو ما يعني أن البرامج التي تؤكد على ابتكارية العدو قد تترك حتى أفضل الجنود بإحساس خاطئ من الإتقان. لكن المدافعين عن هذه البرامج يقولون إن الأنظمة الجديدة يمكن تحديثها بسهولة لتعكس التغيير في الوقائع على الأرض، وأشاروا إلى المميزات الأخرى التي تتضمن إمكانية نقل غالبية الأنظمة إلى جبهات القتال. ويقول المدربون إن أعظم الفوائد في برنامج «آي إي دي باتل دريل» ربما تكمن في تعليم الجنود البقاء متيقظين للتفاصيل غير الدقيقة في المشهد التي قد تشير إلى لغم مدفون أو كمين مرتقب. تلك الأدلة يمكن أن تكون واضحة كمركبة سريعة أو كومة صغيرة من الحجارة. وتنقل الأطقم التي استطاعت تجاوز هذه المراحل إلى سيناريوهات أكثر تعقيدا، أما من يفشلون فتفجر مركباتهم. ويقول السيرجنت المدرب ديفيد ريتشاردسون الذي خاض معارك في العراق وأفغانستان ويعمل مدربا الآن في قاعدة «فورت يوستس»: «أفضل الطرق لمواجهة الألغام المزروعة على جانب الطريق هو اكتشافها». ويشير المدربون إلى أن تفجير المركبة خلال التدريب عنصر تعليمي لأنه يمنح الجندي طعم الارتباك الذي قد يساعدهم في الإفاقة سريعا لدى التعرض لهجوم حقيقي. ويقول غاري كارلبيرغ كبير المدربين في منظمة «هزيمة الألغام المزروعة على جانب الطريق المشتركة» التي تعرف اختصار باسم «جيدو» والتي تتبع البنتاغون: «رد الفعل الأول لدى الجنود حال التعرض للألغام الأرضية هو الجمود، لكن إذا ما أمكننا بناء نقطة انطلاق عبر انفجارين أو ثلاثة فلن تتجمد في مكانك لتصبح هدفا». تطور جهاز المحاكاة يصبح نوعا من التحالف بين الجيش وصناعة الترفيه التي باتت أكثر شيوعا في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

وبناء على أوامر من «جيدو» استعان ريتشارد ليندهيم، المدير التنفيذي السابق بشركة سينمائية والمدير السابق لمعهد تكنولوجيا الإبداع بفريق من الخبراء. حيث قام مصورون سينمائيون باختراع كاميرا عالية التقنية قادرة على التصوير في محيط قدره 360 درجة. وقام كتاب سيناريو بابتكار سيناريوهات تدريب. ثم قام بعد ذلك المبرمجون بتحويل هذه السيناريوهات إلى ألعاب فيديو. وقامت الشركة التي تصمم الخدع لشركتي «يونيفرسال استوديوز» و«ديزني» بتصنيعها. وقال كارلبيرغ: «إننا لا نحصن أنفسنا من المشكلة، لكننا نحاول استغلال أكثر مواردنا قيمة ومرونة؛ وهو الجندي، لكي نحاول أن نشكل فارقا».

* خدمة «نيويورك تايمز»