الحياة تعود تدريجيا إلى البلاد المدمرة.. وكندا تحتضن اجتماعا يمهد لمؤتمر الإعمار

هايتي: وقف البحث عن الناجين.. وحصيلة الزلزال تتجاوز 111 ألف قتيل

عائلة تحتمي، في بورت أوبرنس أمس، بواحدة من الخيام التي أعدها جنود فرنسيون للسكان الذين فقدوا كل شيء إثر الزلزال (أ.ف.ب)
TT

فيما انتهت أعمال البحث عن ناجين في هايتي، وتجاوزت حصيلة الزلزال المدمر الذي وقع في الثاني عشر من الشهر الحالي، 111 ألف قتيل، بدأ توزيع المؤن يخفف من آلام الأهالي، وتسارعت فيه وتيرة مساعدة المصابين. وأعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن «الحكومة أعلنت انتهاء مرحلة البحث والإنقاذ»، مشيرا إلى أن هذه العمليات انتهت نحو الساعة التاسعة من مساء أول من أمس (بتوقيت غرينتش)، وأن فرق الإنقاذ الدولية انتشلت 132 ناجيا منذ وقوع الزلزال.

وارتفعت حصيلة الزلزال الرسمية بشكل سريع الجمعة لتشير إلى مقتل 111 ألفا و499 شخصا، وجرح 190 ألفا آخرين. وكانت الحصيلة السابقة التي أعلنتها السلطات الهايتية أشارت إلى مقتل 75 ألف شخص وإصابة 250 ألفا آخرين بجروح.

وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف إليزابيث بيرز إن «الحكومة الهايتية اتخذت قرارها (بإنهاء أعمال البحث عن ناجين) بعد استشارة خبراء.. إنها هي من يقرر». وستركز العمليات الإنسانية الآن على مساعدة المشردين، في حين تم تسريع وتيرة توزيع الأغذية والمياه والأدوية، وتأمين الملجأ لمئات آلاف الناجين في بورت أوبرنس، وفي مدينتي جاكميل وليوغان. وقد عاد مرفأ العاصمة إلى العمل جزئيا على غرار 30% من المرافق.

وقالت مديرة برنامج الأغذية العالمي جوزيت شيران في بيان إن المساعدات الغذائية بدأت «بعد 24 ساعة من وقوع الزلزال»، وتزداد «يوما بعد يوم مع توزيع مليوني وجبة طعام، بارتفاع ملحوظ عن يوم الخميس الماضي الذي جرى فيه توزيع 1.2 مليون حصة غذائية». وأضافت «إنها العملية الأشد تعقيدا بين العمليات» التي قام بها برنامج الأغذية العالمي، وقالت إن «البنى التحتية التي تستخدم في التوزيع (توزيع المساعدات) دمرت وكان علينا إطلاق حملة من لا شيء تقريبا». وتابعت «لا تكفي الكلمات لوصف الدمار في هايتي جراء الزلزال. بعض المناطق في بورت أوبرنس في حالة أسوأ بكثير من بعض مناطق الحرب».

ووزع جنود برازيليون تابعون للأمم المتحدة أول من أمس 10 أطنان من الحصص الغذائية، و22 ألف لتر من المياه، على نحو 10 آلاف مشرد يعيشون تحت الخيام في ظروف صحية سيئة. وقد نفد الطعام في ساعتين، ونفد الماء في أربع ساعات. وقرر الكثير من الهايتيين النزوح من المناطق التي ضربها الزلزال. واستفاد أكثر من 130 ألف شخص من العرض الذي قدمته الحكومة بنقلهم مجانا، غير أن «العدد الإجمالي للذين يرحلون بوسائلهم الخاصة ما زال غير محدد» كما أعلنت الأمم المتحدة.

ولاحظت المنظمات الإنسانية في وسط البلاد وغربها وصول عدد من هؤلاء النازحين من بينهم مصابون. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) فإن عدد النازحين قد يبلغ مليون شخص، ما يشكل عبئا إضافيا على المناطق الريفية الفقيرة. وقال رونالد فريت، 25 عاما «ليس هناك ما أقوم به، حيث أنوي الذهاب، لكن على الأقل يمكن أن أجد طعاما، ففي العاصمة لم يعد هناك شيء».

وفيما توقفت أعمال البحث عن ناجين، استعد سكان هايتي أمس للحداد على قتلاهم، وسط علامات على أن الحياة اليومية في البلد الذي دمره الزلزال بدأت تعود لطبيعتها. وكان متوقعا أن يشارك حشد كبير في مراسم جنازة الزعيم الكاثوليكي جوزيف سيرج ميوت كبير أساقفة بورت أوبرنس الذي لقي حتفه في الزلزال.

ووسط سحب الحزن، ظهرت دلائل على أن أفقر دولة في القارة الأميركية بدأت تعود للحياة. فقد كان مقررا أن تعيد البنوك فتح أبوابها أمس وينتعش نشاط شركات تحويل الأموال التي أعادت فتح أبوابها أول من أمس. وقال رجل الأعمال أسلين دينيس (31 سنة) بينما كان واقفا في طابور طويل أمام مكتب شركة «يونيترانسفير»: «أريد سحب بعض المال الذي أرسلته لي أسرتي من كندا. إنه 500 دولار، لكن الأمر صعب. فهناك الكثير من الناس». كما أعيد فتح متجر كبير لكن مديره يقول إن لديه مخزونا يكفي لأسبوع أو لأسبوعين فقط.

ورغم تدفق المعونات من أنحاء العالم على المدينة المدمرة فإن السكان الذين يقيمون خياما في الشوارع التي يتناثر فيها الركام لا يزالون يشكون مر الشكوى من أنهم لا يحصلون على الطعام. وهتفت مجموعة من المحتجين خارج مركز للشرطة حيث تعمل حكومة الرئيس رينيه بريفال «نحن جوعى وعطشى ولم يعد بمقدورنا تحمل الكارثة. نريد طعاما ومياها. ليسقط بريفال. يعيش أوباما». وقال بريفال الذي انهار قصره الرئاسي ومنزله في الزلزال المدمر إن حكومته والشركاء الدوليين يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة مئات الآلاف من الناجين المحتاجين. وقال «نحن لا نجلس عاطلين عن العمل لا نفعل شيئا. أعرف حجم المشكلة وكيف يعاني الناس».

في غضون ذلك، قدرت وكالات الإغاثة أن ثلث سكان هايتي البالغ عددهم 9 ملايين سيكونون بحاجة إلى توفير احتياجات طارئة من الطعام والماء والمأوى لفترة ممتدة من الزمن. وقال ادموند موليت، القائم بأعمال رئيس بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي، إن تنسيق وتوصيل المساعدات يتحسن يوما بعد يوم. لكن هنريت تشاموليت، ممثلة منظمة الصحة العالمية في هايتي، قالت إن ذلك لا يزال يمثل مشكلة. وأضافت أن رئيس وزراء هايتي شكا في اجتماع مع جماعات الإغاثة أنه لم يحصل سوى 10 في المائة من ساكني المخيمات المؤقتة على طعام، في حين حصلت بعض المخيمات على أكثر من ثلاثة أمثال ما تحتاجه من الطعام. ونقلت طائرات الهليكوبتر التابعة للبحرية الأميركية صناديق المياه لتوزع على سكان هايتي الذين اصطفوا في طوابير بمخيم كبير للاجئين في ملعب للجولف.

ومن المقرر أن تعقد «البلدان الصديقة» لهايتي وبينها الولايات المتحدة وفرنسا والبرازيل يوم غد في مونتريال اجتماعا طارئا لتنسيق المساعدة وللتحضير لمؤتمر حول إعادة إعمار البلاد في مارس (آذار) المقبل.