مديرو الصحف المغربية يطالبون بمراجعة شروط تقديم الدعم المالي للصحف

وزارة الإعلام المغربية: 60 ألف دولار قيمة الدعم الممنوح سنويا لكل صحيفة

TT

تعتزم وزارة الاتصال (الإعلام) في المغرب، تقديم الدفعة الرابعة من الدعم المادي المقدم للصحف المغربية نهاية فبراير (شباط) المقبل، وذلك في إطار عقد برنامج تأهيل المقاولات الصحافية وتحديثها.

وفي غضون ذلك تباينت آراء الصحافيين حول شروط منح هذا الدعم، إذ يطالب مديرو الصحف أن تُعتمد الشفافية والنزاهة، وألا تمنح الأموال لمقاولات صحافية تجني أرباحا كبيرة، في الوقت الذي لا تستفيد الصحف الناشئة من الدعم إلا بعد مرور سنتين على صدورها.

ويتزامن هذا النقاش في ظل حدوث تصادم كبير بين الصحافيين والدولة، وصل إلى حد الزج بمدير إحدى الأسبوعيات في السجن، في حين توبع ناشرون وصحافيون أمام القضاء، وصدرت في حقهم عقوبات حبسية مع وقف التنفيذ، وغرامات مالية تنتظر أن تدفع إلى خزينة الدولة، الشيء الذي دفع ببعض المقاولات الصحافية إلى الإعلان عن قرب إفلاسها، في حين تتخبط مقاولات صحافية أخرى في مشاكل مادية تهدد وجودها.

وكانت معظم الصحف المغربية قد توصلت بالدعم المادي للدفعات الثلاث الأولى - أو كما تسمى بالتعبير المتفق عليه في عقد البرنامج الموقع بين المهنيين والوزارة الوصية ، ب«الفصول» خلال كل سنة - حيث تقدم المنح المالية على فترات متفاوتة ضمن ثلاثة فصول، يحسب كل فصل بثلاثة شهور، تقدم فيه الوزارة منحة مالية حسب رواج كل مقاولة صحافية.

وفي هذا السياق، قال مصدر من وزارة الاتصال (الإعلام) لـ«الشرق الأوسط»: «إن الوزارة تعكف حاليا على مراسلة أغلب الصحف، وإخبارها بتجميع الوثائق المطلوبة، وتهيئ الملف الخاص بطلب الدعم المحدد للفترة الأخيرة (الفصل الرابع) من السنة الماضية، بعدما تمت المصادقة على قانون المالية الجديد»، وأضاف المسؤول المغربي: «إن الملف مكون من الوثائق الخاصة بالتسيير والتدبير الإداري للصحيفة، من قبيل معدل كميات السحب وكمية الورق المستهلك». وتطالب الوزارة أيضا المقاولات الصحافية بالإدلاء بفواتير الهاتف وفواتير النقل والتصدير بالنسبة للصحف الموزعة خارج المغرب.

وأوضح نفس المصدر: «أن الدعم ينحصر في 500 ألف درهم ( 62.5 ألف دولار) لكل صحيفة، تستفيد منه المقاولة الصحافية بعد دراسة الملفات والمعطيات التي يحتوي عليها كل ملف على حدة، بعد أن تبت فيه اللجنة الثنائية المشتركة للصحافة المكتوبة، استنادا إلى عدة معايير مهنية، يرفع بعدها الملف إلى لجنة المحاسبة للنظر فيه، واعتماد المبلغ المالي المخصص لكل صحيفة، والقيام بإجراءات إرساله عبر حسابها البنكي»، مشيرا إلى أن «الدعم المادي الخاص بالفترة الأخيرة من سنة 2009، من المرتقب منحه نهاية شهر فبراير (شباط) المقبل بعد استكمال دراسة الملفات والقيام بالإجراءات القانونية». وفي سياق متصل قال علي أنوزلا، مدير النشر ورئيس تحرير يومية «الجريدة الأولى» المستقلة، التي توبعت قضائيا بتهمة «نشر خبر زائف بسوء نية وادعاءات ووقائع غير صحيحة» حول صحة العاهل المغربي الملك محمد السادس: «إن صحيفته لا تستفيد من الدعم على اعتبار أننا لم نكمل المدة الزمنية التي تخول لنا الاستفادة من دعم الحكومة حسب شروط العقد»، وأضاف: «نحن نطالب باعتماد شروط للدعم تكون مبنية على أسس الشفافية والنزاهة، خصوصا أن الدعم موجه لقطاع يعتبر مراقبا لصرف المال العام، بحيث لا بد أن تعطي هذه الصحف المستفيدة من الدعم، النموذج الأول في صرف أموال الدولة المستخلصة من أموال دافعي الضرائب».

وأوضح أنوزلا: «أعتقد أن الدعم الممنوح لبعض المقاولات الناشئة مع الأسف يشترط سنتين على الوجود للاستفادة منه، لدي يمكنني القول إنه حان الأوان لإعادة النظر في هذه الشروط»، واستطرد قائلا: «لا يعقل أن يمنح الدعم أيضا لمقاولات صحافية تجني أرباحا سنوية كبيرة، وإذا كنا سنستفيد من الدعم، فإننا نطالب بالشفافية التامة لأنها بكل بساطة أموال دافعي الضرائب».

من جهته قال خالد بليزيد، المدير العام لصحيفة «الصباح» وهي يومية مستقلة، لـ«الشرق الأوسط»: إن الدعم الممنوح من وزارة الاتصال، يختلف في طبيعته العملية من صحيفة إلى أخرى، وبالتحديد على مستوى النتائج، إذ يسهم الدعم برأيه في زيادة مردودية الصحف القوية بإمكانياتها، في حين يساعد الصحف الضعيفة على البقاء فقط في سوق الصحف.

وأبرز بليزيد: «أن عددا من الصحف في المغرب أصبحت تعمل ضمن شركات لها هيكلها التسييري والتدبيري بما يتوافق مع بعض المقاولات الصحافية الأوروبية، الأمر الذي يعتبر من الإيجابيات في الحقل الصحافي المغربي، إذ يشكل دفعة قوية لبناء صحف تسهم في تعدد الآراء والأفكار»، بيد أنه تأسف لإعلان صحف أخرى إفلاسها، مشيرا إلى المحاكمات التي أثقلت كاهل الصحف بغرامات مالية، أضحت تهدد مصيرها، وأوضح أن المطلوب حاليا هو الرفع من قيمة الدعم لتطوير العمل الصحافي، وزاد قائلا: «نعمل يوميا وبشكل مستمر على التطوير ومتابعة العمل الصحافي العالمي لتحسين قدراتنا وإمكانياتنا في سبيل تحقيق صحافة أكثر مهنية».

إلى ذلك قال نور الدين مفتاح، مدير نشر صحيفة «الأيام» الأسبوعية المستقلة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الدعم المادي هو جزء من الكل، ويدخل في إطار تأهيل المقاولات الصحافية في عدة جوانب مؤسساتية، تتعلق بالخصوص في التكوين وتحديث المقاولات، وكل ما يتعلق بالتوزيع والسحب، إضافة إلى الدعم المالي الذي نعتبره مرحلة مهمة من مراحل الدعم المختلفة الجوانب».

وأشار مفتاح إلى أن الصحف تتمكن من الاستفادة من الدعم بعد حصولها على رقم «اللجنة الثنائية»، التي تمنحه بشروط كما هو منصوص عليه في عقد البرنامج، الشيء الذي دفع ببعض المقاولات الصحافية التي كانت في وضعية هشة إلى التنظيم، ووضع خطط للتحديث، لرفع مستوى عملها ومردوديتها وتحسين ظروف العاملين فيها، رغبة منها في الحصول على رقم اللجنة.

وأضاف مفتاح: «إنه خلال الخمس سنوات القادمة سيتم التركيز على صياغة عقد برنامج يواكب مسيرة التأهيل بناء على دراسات تقوم بها فيدرالية الناشرين، وبعض الجهات المختصة، ونطمح من خلالها إلى تزايد وتيرة الدعم لاستفادة الجميع، فبعدما كانت 12 مقاولة صحافية تستفيد في الماضي، وصل العدد إلى 66 مقاولة السنة الماضية».

وكان عقد البرنامج لتحديث المقاولات الصحافية وتنمية قطاع الصحافة المكتوبة، قد وقع سنة 2004، وانطلق العمل به في بداية يناير (كانون الثاني) 2005، بين الحكومة المغربية ممثلة في وزارة الاتصال، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، حيث تمتد مدة العمل في إطار العقد مدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وتتكون اللجنة الثنائية المشتركة للصحافة المكتوبة، من خمسة ممثلين عن السلطة الحكومية، المكلفة بالاتصال (الإعلام)، وممثل واحد عن السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وستة ممثلين عن ناشري الصحف، تعينهم الفيدرالية المغربية لناشري الصحف.

وتخصص آلية توزيع الدعم العمومي، حسب عقد البرنامج نسبة %80 من اعتمادات الدعم العمومي لفائدة الصحف الوطنية، و%20 كحد أقصى للصحف المحلية، إذ يحتسب ورق الصحافة بناء على ثمنه الحقيقي، حيث تستفيد الصحف التي تسحب إلى حدود 20 ألف نسخة، بنسبة 40 % من ثمن الورق، كما تستفيد الصحف التي تسحب أكثر من 20 ألف نسخة، بنسبة 30 %من ثمن الورق واعتبار 50 ألف نسخة كحد أقصى للاستفادة من هذا الدعم.

ومن بين البنود المتفق عليها كذلك، استفادة المقاولة الصحافية من دعم بنسبة 50% من تكاليف 6 خطوط، من الهاتف والفاكس والخطوط الخاصة، ويوفر العقد أيضا استفادة المقاولة الصحافية من الاشتراك في خدمات وكالة الأنباء المغربية بتخفيض بنسبة 30% من ثمن خدمات الوكالة، أما على مستوى توزيع الصحف في الخارج، فتستفيد المقاولة الصحافية من دعم مخصص لنقل الصحف إلى الخارج حسب الاعتمادات المتوفرة سنويا.