لبنان: توجه لربط خفض السن بآلية لانتخاب المغتربين لتعويض غياب التوازن الديمغرافي بين المسلمين والمسيحيين

اقتراح خفض سن الاقتراع يواجه برفض من كل القوى المسيحية

TT

لم يعد من المؤكد أن الجلسة العامة المقررة اليوم لمجلس النواب اللبناني ستحصل بسبب «التعقيدات» التي ألمت بموضوع انعقادها، وهو تعديل الدستور لخفض سن الاقتراع إلى 18 عاما، بدلا من 21 كما هو معمول به الآن.

ويواجه المشروع رفضا علنيا من قبل القوى المسيحية رغم اختلافها السياسي الجذري، ذلك أن إقراره سيزيد من عمق الهوة العددية بين المسلمين والمسيحيين وفقا لتقديرات الخبراء، رغم أن رئيس مركز بيروت للدراسات عبدو سعد رأى أن لا تأثير لهذا الموضوع في الانتخابات البلدية التي تجري في دوائر محددة، ورغم أن سعد اعترف في اتصال مع «الشرق الأوسط» بأنه من الطبيعي أن يزداد عدد المسلمين نسبة إلى المسيحيين إذا أقر المشروع بسبب الفارق العددي بينهما بالإجمال، لكنه قلل من تأثيراته في هذه الانتخابات أو غيرها، باعتبار أن الطائفتين ليستا موحدتين سياسيا.

ويؤكد النائب في تيار «المستقبل» زياد القادري لـ«الشرق الأوسط» وجود تفاهم مسبق في موضوع خفض سن الاقتراع يربط إقرار هذا المشروع بإقرار آلية انتخاب المغتربين. مشيرا إلى أنه كشاب لبناني مؤيد تماما لموضوع خفض سن الاقتراع، وسيكون حاضرا في جلسة مجلس النواب اليوم. لكنه أشار في المقابل إلى مخاوف من أن يتحول هذا الموضوع «الملح والضروري إلى سبب إضافي للانقسام الطائفي، خصوصا أن هذا المشروع يأتي بعد طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري موضوع إلغاء الطائفية السياسية، وما تسبب فيه هذا الطرح على المستوى الوطني والطائفي». وأوضح أن خطورة ما يحصل هو أن هناك ثلاثة اشتباكات كبيرة في المنطقة تؤثر على المسيحيين، في السودان ومصر والعراق، ما يخلق المزيد من المخاوف في ما بينهم ويساهم في إحساسهم بالقلق، بينما نحن نسعى لتثبيت وجودهم في لبنان». وقال القادري: «نحن نتمنى أن يتم العمل سريعا لإنضاج الظروف على المستوى الوطني من أجل إقرار هذا الموضوع والسير به لأنه حق للشباب اللبناني على دولتهم».

وتوقعت مصادر نيابية بارزة لـ«الشرق الأوسط» أن لا يتم تأمين نصاب الجلسة المخصصة لتعديل الدستور والتي تحتاج إلى 86 نائبا»، معتبرة أن «تطيير النصاب هو المخرج الأنسب للجميع»، لافتة إلى أنه رغم موافقة القوى الأساسية في البرلمان على المشروع الذي أقر بالإجماع في مجلس الوزراء الذي تتمثل فيه كل الكتل البرلمانية الكبرى، إلا أن نواب كتلة «المستقبل»، أكبر كتل المجلس، لن يحضروا جميعا بسبب رغبتهم في تأجيل الموضوع لأن إقراره بضغط القوى الإسلامية الأساسية من شأنه أن يخلق تعقيدات طائفية».

وقالت المصادر إن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يعتبر من أكبر المؤيدين للمشروع لن يمضي به في ظل اعتراض حلفائه المسيحيين في «القوات اللبنانية» والكتائب، كذلك الأمر بالنسبة إلى «حزب الله» الذي لا بد له من أن يجاري حليفه المسيحي الأساسي رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، الذي انخرط في سجال إعلامي مع حليف حليفه (حزب الله) الرئيس بري. وفي المقابل قالت أوساط لرئيس مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحصل هو أن مشروع القانون وصل إلى الرئيس بري من مجلس الوزراء، وهو أحاله إلى الهيئة العامة، مشددة على أنه «لا يستهدف أحدا»، وأشارت إلى وجود مواضيع أخرى على جدول الأعمال، مما يعني أن عدم توفر النصاب للتعديل الدستوري سيحول الجلسة إلى عادية لإقرار مشاريع واقتراحات قوانين.

ورأى عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أن «هناك استحالة لتأمين أكثرية موصوفة من 86 صوتا في جلسة المجلس النيابي اليوم، لا سيما أن عددا كبيرا من القوى غير موافقة على تخفيض سن الاقتراع إلا إذا حصلت تسوية شاملة لأن الأمور متداخلة بعضها ببعض»، لافتا إلى أنه «عندما يكون هناك قرار سياسي يمكن تعديل الدستور بسرعة»، وأنه «لا شيء يمنع الربط بين تخفيض سن الاقتراع واقتراع المغتربين، ولكن يجب تأجيل هذا الأمر حتى لا يحصل أي خرق لوجوب ورود هذا المشروع عبر مجلس الوزراء بأكثرية موصوفة». وأشار فتفت إلى أن «اقتراع المغتربين موجود حاليا كون المغترب هو من يحمل (باسبورا) لبنانيا ويستطيع أن ينتخب ساعة يشاء، أما الموضوع المطروح فهو بشأن استعادة الجنسية للمغتربين، وهو سيحصل لمن يستطيع أن يثبت أنه من أصل لبناني ومن هو مهتم أصلا».

وفيما بدا واضحا أنه تم احتواء «الانفجار الإعلامي» بين الرئيس بري والعماد عون، تواصلت الاتصالات بين الطرفين ممثلين بالنائب علي حسن خليل المعاون السياسي لبري، وأمين سر تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه عون. وقال الأخير لـ«الشرق الأوسط» إن «الكثير من التشنجات قد تم تفكيكها والإرادات توضحت، فلا الرئيس بري ضد مشروع استعادة الجنسية الذي طرحه العماد عون، ولا الأخير ضد قانون خفض سن الاقتراع»، مشيرا إلى أن الأمر يحتاج إلى «عملية سياسية تنضج الأمور وتوضح التزامات كل الأطراف».

وقال عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب علي خريس إن «هناك تواصلا مستمرا ولم ينقطع بين (التيار) والـ(حركة)»، مشيرا إلى أن «الخلاف هو في بعض وجهات النظر، وهذا لا يفسد ودا في القضية».

وأكد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب عباس هاشم أن «اتصالات مباشرة قائمة بين نواب (التكتل) ونواب (التنمية والتحرير) أدت إلى بداية مشاورات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب ميشال عون في كيفية مقاربة الأمور، منها التعيينات الإدارية وإلغاء الطائفية السياسية». وأكد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب فريد الخازن أن «هناك اتصالات تستكمل اليوم للوصول إلى تفاهم حول جدول الأعمال المطروح بالنسبة لجلسة الغد التي لا تزال مقررة».

وانتقد نائب رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان «الطروحات التي تظهر على الساحة وكأن المطلوب توتير الأجواء والعودة إلى أجواء لا تخدم الاستقرار والاهتمام بشؤون المواطنين». وطلب عدوان بعد لقائه البطريرك الماروني نصر الله صفير «تغيير كلمة إلغاء الطائفية السياسية لأنها تعطي انطباعا خاطئا، واستبدالها بكلمة المشاركة لإعطائها المعنى الحقيقي».

وذكر عدوان أن «البطريرك صفير ليس مع إلغاء الطائفية السياسية الآن»، مشيرا إلى أنه «في اليومين الأخيرين كان هناك اتصالات مع أكثرية القوى وفي أولويتها التيار الوطني الحر، كما كان هناك تواصل مع بقية القوى وعلى رأسها تيار (المستقبل) والنائب مروان حمادة»، لافتا إلى أن «الجميع متفاهمون على أن المواضيع التي تشنج الأجواء وتخلق نوعا من الفرقة يجب أن نتجنبها لكي تسير الأمور نحو الاستقرار»، معربا عن اعتقاده «أن مشروع خفض سن الاقتراع لن يمر غدا لوحده من دون تمرير قضية تصويت المغتربين».