كارثة الطائرة الإثيوبية حولت مطار بيروت إلى ساحة مأتم جماعي لأهالي الضحايا

عدوى الدموع انتقلت من الجمهور إلى أعين الوزراء والمسؤولين

لبنانية تبكي أحد اقاربها الذي كان من ضمن ركاب الطائرة (أ.ف.ب)
TT

على غير عادتها فتحت قاعات صالون الشرف في مطار بيروت أبوابها وسهّلت القوى الأمنية دخول جميع الراغبين إليها، إفساحا لأهالي ركاب الطائرة الإثيوبية التي سقطت في البحر قبالة منطقة الناعمة إلى الجنوب من العاصمة اللبنانية، بعد ثلاث دقائق من إقلاعها من مطار بيروت الدولي، قرابة الساعة الثالثة فجر أمس.

تدفق الأهالي ليستعلموا عن مصير ركاب الطائرة البالغ عددهم 90 شخصا، ومن ضمنهم طاقم الطائرة، و54 لبنانيا، و22 إثيوبيا وزوجة السفير الفرنسي لدى لبنان مارلا بيتون، بالإضافة إلى أشخاص من جنسيات مختلفة. النسبة الأكبر من اللبنانيين الذين فُقدوا على متن الطائرة كانوا من الجنوب. لم تتسع المقاعد الموجودة للجميع، لذا افترش البعض منهم الأرض في الزوايا، في حين رابط وزير الأشغال والنقل غازي العريضي الذي وصل فجرا وباشر العمل، فكان الحاضر الأكبر بين غرفة العمليات والقاعات ليتواصل مع الجميع ويخفف من معاناتهم قدر المستطاع. الموظفون في مطار بيروت أيضا وفروا كل وسيلة للاهتمام بأهالي المنكوبين، ولم يتوانوا عن تقديم الماء والقهوة والطعام للجميع ومواساتهم خلال الانتظار المرير. حضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري حرك معاناة الأهالي الباحثين عن ومضة أمل وهم ينتظرون المعلومات. دخل يرافقه العريضي ووزير الداخلية زياد بارود، وانضم إليهم بعد ذلك وزير الصحة محمد جواد خليفة ووزير الخارجية علي الشامي، بالإضافة إلى عدد كبير من النواب. وتوجه الجميع إلى حيث تجمع الأهالي فتحلقوا حولهم. طلب إليهم الحريري البقاء في أماكنهم لأنه يريد أن يتحدث إليهم واحدا واحدا. إحدى النساء قالت له: «احضروا لنا أولادنا. ابني شاب مثلك. الحياة بتلبقلو (تليق به)»، لترتفع وتيرة البكاء والحريري ينتقل دامعا بين الأهالي. تقول له أم أخرى: «لا نريد سوى أن تنتشلوا أولادنا من البحر. هل ستعيدوهم إلينا؟» أحد الأهالي قال لرئيس الحكومة والوزراء: «هل حضرتم لتقدموا واجب العزاء». بالفعل كان المشهد أشبه بمأتم جماعي. الشباب يعانقون الحريري ويبكون. عدوى الدموع انتقلت إلى العريضي وبارود. البعض أغمي عليه. صرخ أحدهم: «إسعاف.. إسعاف». فسارع طبيب للاهتمام بهم.

آلات التصوير شكلت عاملا سلبيا وسط المأساة. قال أحد الأهالي: «أوقفوا التصوير. نحن منكوبون ولسنا سبقا صحافيا أو لقطة لعدساتكم. الناس ماتوا وأنتم تصورون». رجال الأمن تدخلوا وحذروا المصورين من انتهاك حرمة المأساة.

قالت إحدى النساء: «يا ويلي. زوجي وأبي. ماذا أفعل»، لترد عليها أخرى: «ابني في الماء منذ ثماني ساعات والدنيا برد». مع دخول رئيس مجلس النواب نبيه بري وانضمامه إلى الحريري والوزراء اشتد الازدحام وارتفع منسوب التأثر. وارتفعت الأصوات الباحثة عن تقصير أدى إلى الكارثة. إحدى النساء قالت: «كيف يسمح للطائرة بالإقلاع في هذا الطقس؟ ألم توفر مصلحة الأرصاد الجوية في المطار المعلومات اللازمة؟». الأمر الذي دفع وزير الأشغال والنقل إلى الوقوف فوق كنبة ليتحدث إلى الأهالي ويقول لهم: «كل أجهزة الدولة اللبنانية استنفرت. ونؤكد لكم أن مصابنا واحد. لكن رجاءً لا لزوم للتأويلات. الموضوع منذ إقلاع الطائرة وحتى حصول الكارثة لم يستغرق إلا ثلاث دقائق. وخلال ذلك الوقت وقبله وبعده أقلعت طائرات عديدة. لكن هذه مشيئة الله ونحن نؤمن بقدرة الله». قاطعته المرأة لتقول: «نحن أيضا نؤمن بقدرة الله.. لكن ماذا عن العلم؟» أسكتها أحد أقاربها قائلا: «يا هلا مش وقت هذا الكلام». تابع العريضي فقال: «الموضوع أكبر منا جميعا». تابعت هلا اعتراضها، فقالت: «الله أكبر من الجميع. حرقة قلبنا كبيرة والمسؤولون جالسون خلف مكاتبهم».

عند ذلك تدخل الرئيس نبيه بري الذي كان بادي التأثر، فقال: «اسمعوني قليلا. بدي أحكي كلمة واحدة. ما يأتي من الله ما أحلاه. وكما أوضح العريضي، الدولة استنفرت كل قدراتها». بعد ذلك طلب أن يتوجه إلى غرفة العمليات ليتابع مجريات الكارثة.

المؤتمر الصحافي لسعد الحريري كان واضح التوجه. قال: «هَمّ الدولة البحث عن المفقودين أولا، وكذلك معرفة ماذا حصل والعثور على الصندوق الأسود لاكتشاف العطل الذي أدى إلى سقوط الطائرة». وتمنى على جميع وسائل الإعلام «مراعاة اللحظة الصعبة التي يعيشها أهالي المفقودين. وأشار إلى أن «الطائرة هي من طراز حديث. ولا لزوم للإعلان عن استنتاجات وتأويلات أو نقل معلومات عن مصادر غير رسمية. التصريحات الصادرة عن الوزراء المختصين هي التي ستقدم الحقيقة. التصريحات الأخرى لا قيمة لها». وشدد على «أن الدولة اللبنانية بدأت تستعين بكل مساعدة ممكنة، كما هي الحال في أي دولة تصاب بنكبة مشابهة. علينا أن نحصر اهتمامنا بالمفقودين وليس بأمر آخر». مع تقدم الوقت بدأ الأهالي يسلمون بفظاعة خسارة مفقوديهم. زوجة ألبير جرجي عسال (عمره 45 عاما) جلست على كرسي يحيط بها ابنها وابنتها. تقول بين دموعها: «صلوا لأجله». في حين توضح شقيقتها أنه كان مسافرا إلى أنغولا حيث يعمل في البحر. وقد سمعت العائلة بسقوط الطائرة في نشرة الأخبار.

صوت امرأة يخرق الضوضاء، تتوسل ابنها عبر الهاتف البقاء حيث هو. تقول له: «يكفيني خسارة واحدة. الله يرضى عليك لا تأتي. الدنيا عواصف. انتظر حتى يهدأ الطقس. لا تبكي يا حبيبي. الله كريم.. الله كريم».