إسلام آباد: تحطم طائرة استطلاع يعتقد أنها أميركية

حدود يتعين على باكستان عدم تجاوزها أثناء تقدمها لمواجهة طالبان

TT

تحطمت طائرة استطلاع من دون طيار، يعتقد أنها أميركية، في منطقة القبائل الباكستانية، أول من أمس، وفقا لما أعلنه مسؤول في الاستخبارات الباكستانية، أمس، وزعم رجال قبائل محليون أنهم أسقطوا الطائرة في منطقة حمزوني، في إقليم وزيرستان الشمالية، وذلك حسب ما ذكرته قناة «جيو» الإخبارية الباكستانية. وقال مسؤولون إن الطائرة تحطمت في الساعة الثامنة من مساء أول من أمس، حسب التوقيت المحلي، بالقرب من قرية حمزوني؛ على بعد خمسة كيلومترات إلى الغرب من ميرانشاه، شمالي وزيرستان. يذكر أن ميرانشاه تعد واحدة من المناطق المعروفة بأنشطتها الموالية لتنظيمي طالبان باكستان و«القاعدة». وقال مسؤول، رفض الكشف عن هويته لعدم التصريح له بالتحدث لوسائل الإعلام، إنه لا يعرف ما إذا كانت الطائرة قد تحطمت إثر تعرضها لنيران من المسلحين، أم لمشكلات فنية أصابتها. وطائرة الاستطلاع من دون طيار هذه هي الثانية التي تسقط داخل الأراضي الباكستانية، إذ سبق أن تحطمت طائرة مثلها في سبتمبر (أيلول) 2008، قال مسؤولون باكستانيون إنها أسقطت بالقرب من قرية جلال، في منطقة أنغور أدا بجنوب وزيرستان، داخل الجانب الباكستاني من الحدود مع أفغانستان. وفي ذلك الوقت، نفى مسؤولون أميركيون، والجيش الأميركي، تلك الحادثة، وجاء في بيان لفرقة المهام المشتركة في أفغانستان، المجوقلة 101: «لقد بلغتنا تقارير تفيد أن طائرة استطلاع من دون طيار تحطمت داخل الأراضي الباكستانية، نتيجة مشكلات في المحرك، وأنه تمت استعادة الطائرة فور وقوعها، وأنها وقعت داخل الأراضي الأفغانية، على بعد 96 كيلومترا إلى الغرب من الحدود مع باكستان». هذا ولم يصدر تأكيد رسمي بشأن هذه الطائرة من الجيش الأميركي، الذي يتبنى عادة سياسة عدم التعليق على تلك الهجمات العابرة للحدود. من جهة أخرى، ليس من المهم عدد القوات التي أرسلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى أفغانستان، وما استتبع ذلك من تعزيزات لهذه القوات، ولكن المهم حقا هو موقف باكستان التي تعتبر مفتاح النجاح في مواجهة طالبان وتمردها. ويدرك المسؤولون في واشنطن هذه الحقيقة إدراكا كاملا، لذا يزيدون من الضغوط على إسلام آباد كي توسع من هجومها العسكري ضد طالبان، ليصل إلي أماكن أكثر في منطقة القبائل القريبة من الحدود الأفغانية، ولكن لباكستان حدودا لا يمكن تجاوزها في تعاونها ضد الإرهاب، تحددها الاستراتيجية طويلة المدى، الداخلية والخارجية، فضلا عن مصالحها الاقتصادية التي يحب أن يضمنها هذا البلد، بغض النظر عما ستخسره أو تكسبه قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) في أفغانستان. وحتى الآن، تستهدف باكستان فقط أولئك المتشددين الذين يتحدون الحكومة، تاركة المتمردين الذين يهاجمون القوات الأجنبية عبر الحدود في أفغانستان. وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قامت القوات الباكستانية بعملية في وزيرستان الجنوبية ضد طالبان التي اعتبرتها مسؤولة عن مقتل آلاف الأشخاص، منهم رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، في حملة وحشية لمفجرين انتحاريين، على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. وقد نجح الجيش الباكستاني في عمليته التي لا تزال مستمرة في اجتثاث مخابئ طالبان، وطرد الآلاف من مقاتليها من المنطقة التي تحققت لهم السيطرة الكاملة عليها في يوم من الأيام، بيد أن آلافا من مقاتلي طالبان الموالين للحكومة، بقيادة الزعيم الأفغاني سراج الدين حقاني ومساعده الباكستاني حافظ جول بهادور، في منطقة وزيرستان الشمالية المجاورة، يتحركون، في الوقت نفسه، بحرية عبر الحدود، لضرب قوات الناتو على الجانب الآخر. ويقول تنوير أحمد خان، وزير الخارجية الباكستاني الأسبق، الرئيس الحالي لهيئة خبراء تعرف باسم معهد إسلام آباد للدراسات الاستراتيجية: «في الحقيقة، إن السلطات الباكستانية لديها شكوك عظيمة بشأن إمكانية انتصار الولايات المتحدة في الحرب في أفغانستان، رغم زيادة القوات»، وأضاف خان: «السبب الرئيسي في تشكك باكستان هو أن إدارة أوباما قد ربطت نشر 30 ألف جندي إضافي بانسحاب قواتها». وتتلخص المخاوف في أن طالبان ربما تفكر في انسحاب تكتيكي إلي منطقة الحدود الباكستانية، أو إلي المناطق الجبلية والريفية في أفغانستان، لتحاشي عمليات قتال ضخمة مع قوات الناتو بعد تكثيفها، والانتظار بدهاء حتى يوليو (تموز) 2011، عندما تبدأ الولايات المتحدة في الانسحاب.

وبالاحتفاظ بقدرتها على نشر الدمار عبر أفغانستان، فإن طالبان سيكون لديها أكثر من فرصة لإبرام اتفاق مع قوات الناتو المنسحبة، وأن تصبح جزءا على الأقل من حكومة كابل، ويجعل هذا الاحتمال، وإن بدا بعيدا، باكستان ترى في طالبان حليفا مفيدا في المستقبل لحماية مصالحها في أفغانستان ضد غريمتها الهند، التي تتمتع بنفوذ كبير على الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، وحلفائه من التحالف الشمالي السابق المناوئ لطالبان.

كذلك فإن أفغانستان جزء من مستقبل باكستان الاقتصادي، فالعائدات المتوقعة، بقيمة مليارات الدولارات، من خط أنابيب الغاز والنفط المعتزم، الذي يجري من آسيا الوسطي عبر أفغانستان إلي ميناء جوادار الباكستاني، ومنه إلى أوروبا، فضلا عن السلع التجارية التي تتدفق من أوروبا عائدة إلي دول آسيا الوسطي، يمكن أن تمثل جميعها شريان الحياة بالنسبة لاقتصاد باكستان العليل. ومن بين الشواغل وعوامل القلق الأخرى في إسلام آباد كيفية تسويق الحرب الأميركية ضد طالبان في بلد تسود فيه مشاعر عامة مناوئة لأميركا، حتى لو تعهد التحالف الدولي بضمان مصالحها في أفغانستان ما بعد الناتو. وتروج الجماعات الإسلامية والمحافظة لنظريات المؤامرة التي تجعل بعض الباكستانيين يعتقدون أن الوجود الأميركي في أفغانستان جزء من مخطط أكبر للهيمنة من قبل الغرب، لاحتلال البلدان المسلمة، ونزع السلاح النووي من باكستان. ورسميا، لم تعترف باكستان بأي من هذه الاعتبارات، وبدلا من ذلك قالت إن لديها الكثير في جعبتها لتقديمه في الحملة ضد طالبان، فبعد ساعات قلائل من تأكيد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس على رغبة بلاده في رؤية إسلام آباد وقد تحركت بشكل شامل ضد المتشددين الإسلاميين، وذلك خلال زيارة للبلاد الأسبوع الماضي، سارع الجيش الباكستاني إلى استبعاد توسيع عملياته ضد وزيرستان الشمالية؛ معقل طالبان أفغانستان القوي.