أوباما يصنع قراراته.. بناء على نطاق واسع من المؤثرات

يستاء من مستشاريه الذين يوافقونه دوما الرأي ويجلس سرا مع شخصيات مثل كروغمان وباول

TT

خلال أحد اجتماعات مراجعة السياسة الخاصة بأفغانستان العام الماضي، فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما كبار مستشاريه بالحديث حول دراسة جديدة تناقش الاضطراب النفسي لما بعد الإصابة لدى الجنود الأميركيين، لم يكن ذلك راجعا إلى إحدى المعلومات التي ترد إلى الرئيس، التي عادة ما تدار بحذر شديد، بل لأن الرئيس لا يقف عند حدود ما يقدم له، ويقول أحد المستشارين الذين حضروا ذلك الاجتماع: «لم نكن نحن من أرسلنا إليه بهذه الدراسة، لكن كان واضحا أنه كان قد اطلع عليها، لقد كان الأمر معبرا».

ما ينبئ عنه سؤال الرئيس، هو إصراره على الحصول على معلومات خاصة تتخطى نطاق ما يقدم له من قبل مساعديه، بيد أن التزامه الدقيق والصارم بالمعلومات والحقائق شكل انطباعا لدى البعض بأنه فاتر الحماسة ومنفصل عن الواقع، وهي صورة يرفضها مستشاروه وأصدقاؤه، الذي رسموا له، بدلا من ذلك، صورة مختلفة لرئيس متأثر بشكل كبير بصراعات المواطن العادي، الذي يحضر اجتماعات مجلس المدينة ويكتب آلاف الرسائل إلى البيت الأبيض، التي يقرأ منها هو شخصيا 10 رسائل يوميا.

وعندما يتوجه أوباما صوب حل المشكلات السياسية، يقوم بمراجعة الحقائق، ويطلب المزيد والمزيد من المعلومات، ثم يبحث عن مراجع تاريخية ويقرأ بنهم كبير، ويقول ديفيد أكسلرود، المستشار البارز في البيت الأبيض: «هذا رجل شارك في أثناء دراسته في كلية الحقوق مع لاري ترايب (أستاذ في هارفارد) في بحث حول (المضامين القانونية لنظرية النسبية لآينشتاين)، ومن ثم فهو يمتلك عقلا نشطا، وهو مستعد لمتابعة الأمور الهامة التي ستطور من حياة الأميركيين». لكن ما الذي يؤثر في قرارات هذا الرئيس وهو يبدأ عامه الثاني كرئيس ويتعامل مع عدد من القضايا بدءا بحالة الاتحاد ومرورا برأي عام قلق وكونغرس متململ؟ وماذا يقرأ؟ وإلى من يتوجه لطلب النصيحة؟ وإلى مَن مِن أجل السلوى؟ وإلى من للحصول على المعلومات التي لم تفلتر قبل المرور على مسؤولي الإدارة أولا؟

يملك الرئيس زوجة شجاعة، فميشيل أوباما أكثر تفاعلا مع الحياة اليومية للأميركيين خاصة عائلات أفراد الجيش، والسيدة الأولى، كما يقول أحد المستشارين البارزين: «هي هيئة قوية وناقدة له، تنقل إليه الأحداث، لكنه أمر خاص جدا». يستند أوباما على أيدي شيكاغو الموثقة التي خبرها طوال سنوات وهم، أكسلرود رئيس موظفي البيت الأبيض، ورام إيمانويل وفاليري غاريت على وجه التحديد.

وقال أحد كبار المستشارين: «إذا كانت نتائج استطلاعات الرأي تشكل المعيار الأساسي بالنسبة له، فنحن الآن نتقدم بشكل جيد، لكن البلاد تمر بحالة من الكساد»، فأول ما يؤثر في الرئيس هو التقويم الذي يحدد كم يمكننا إنجازه قبل حتمية تحول البيت الأبيض إلى إدارة حملة إعادة الانتخاب، وقد أضفت تلك الحقيقة السياسية على عامه الأول في الرئاسة شعورا بضرورة المسارعة.

يعد أوباما أول رئيس مختلف بحق، وأول من يستخدم الإنترنت في مكتبه ويتواصل عبر البريد الإلكتروني، ويشير أحد المستشارين إلى أن وجوده على الإنترنت بشكل مستمر والمعلومات التي يجدها هناك تؤثر على تفكيره وبعض مشاوراته، ويقول مستشار آخر: «إنه أيضا يستخدم الإنترنت كأداة عادية يقرأ من خلالها المقالات الإخبارية والأحداث الرياضية».

بالنسبة لما يقرؤه أوباما على الإنترنت، يقول مستشاروه، إنه يبحث عن المدونات غير المطروقة والقصص الإخبارية، ويتعقب أحدث التقارير الإخبارية، ويقرأ مقالات الرأي ليعلم آراء كتابها بشأن السياسات، وأوضح أحد مساعديه، الذي رفض ذكر اسمه حتى يتمكن من الحديث بحرية، إن الرئيس اهتم على نحو خاص بما نشره أندرو سوليفان على موقع «أتلانتيك أون لاين» حول الانتخابات الإيرانية العام الماضي.

وقلل مسؤولو الإدارة من الانطباع بأنه مستخدم دائم لـ«غوغل»، ويقول أكسلرود: «لا أعتقد أن الرئيس يملك وقتا للتصفح على الدوام، لكنه يقرأ المجلات مثل (نيويوركر) و(الإيكونوميست) و(سبورتس إلستراتد) و(رولينغ ستون)، بشراهة كبيرة، هناك بعض المعلقين ممن يستمتع بكتاباتهم ويقرأ مدوناتهم»، ويقول المستشار الاقتصادي لورانس سومرز: «أنا أذكر له على نحو دوري المقالات التي أجدها شيقة وقد يجدها هو شيقة، ويقرأ في وقت قليل جدا ويكون لديه نوع من رد الفعل بشأنها».

أما الأشخاص الذين يعملون عن قرب مع الرئيس داخل الإدارة فقالوا، إنه لا يزال مغرما بجهاز البلاكبيري ووسائل الاتصال المباشر بدلا من إدارة كل الأمور عبر رئيس موظفي البيت الأبيض، فهو أحيانا يرسل رسائل بريد إلكتروني في أوقات متأخرة من الليل، التي تعتبر نسخة حديثة من المكالمات التي كان يجريها آخر الليل الرئيس الأسبق بيل كلينتون مع الشخص الذي كان يأتمنه.

كما يشاهد أوباما التلفزيون بصورة كبيرة، حيث يتنقل بين قنوات «الكابل» وأحيانا ما يتوقف عند «الثرثرة الكابلية» التي انتقدها أوباما علنا، كما أنه دائما ما يراقب فريقه المعاون مثل ريتشارد غيبس الذي تعرض بياناته الصحافية اليومية على قناة «سي سبان»، وتقول أنيتا دون، مسؤولة الاتصالات السابقة للرئيس: «من المؤكد أنه سيشاهد تقرير روبرت، وحينها سيقول روبرت لقد رأيتك وأنت تسأل». لكن فاليري غاريت، المستشارة الأقرب إلى أوباما، حذرت من الإفراط في تفسير استعراضه للقنوات وتقول: «غالبية مشاهدته للتلفزيون تدور حول برنامج (سبروتس سنتر) على قناة (إي إس بي إن)، ولا أعتقد أن هناك الكثير من العروض التلفزيونية التي تستهويه عدا البرامج الرياضية».

من جانب آخر، دعا أوباما في بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي مجموعة من رجال الأعمال إلى البيت الأبيض من أجل قمة أعمال، وكان بول كروغمان كاتب الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» والحائز على جائزة «نوبل» والذي كان من أشد منتقدي الرئيس بين لائحة المدعوين وجلس على يسار الرئيس.

وفي الوقت الذي حضر فيه غالبية الصحافيين لقاء الرئيس لمحاولة الخروج بقصة إخبارية جديدة، كان الاجتماع السري بين كروغمان وأوباما أمرا أشبه بنقاش سياسي حول الاقتصاد والرعاية الصحية، على الرغم من أن المساعدين لم يكشفوا عن التفاصيل، ويقول أحد المساعدين عن أوباما، إنه كان ممتنا ليرى تحديا عقليا من خصوم يرى أنهم قادرون على تنقية فكره الخاص، وتقول غاريت: «إنه يحب النقاشات القوية مع شخص يمكن أن يقدم له وجهة نظر جديدة، إذ إنه لا فائدة من إضاعة الوقت مع أفراد يوافقونه في الرأي طوال الوقت، لأن ذلك لن يساعده على مراجعة موقفه، وذلك لن ينير موقفه، كما أن ذلك يساعد كروغمان على أن يسمع وجهة نظر شخص آخر مخالف لرأيه».

ولم يتضح بعد ما إذا كانت آراء الرئيس قد تغيرت برأي كروغمان، وفي آخر ما نشره كروغمان على مدونته قال: «إنني كنت على وشك فقدان الأمل في أوباما الذي يبدو مصمما على تأكيد كل الشكوك التي لدي أنا والآخرين بأنه مستعد للقتال عما يؤمن به مناصروه». ويسعى أوباما إلى البحث عن آراء معارضة بين الطاقم المعاون له حول أي فكرة خلال الاجتماعات، وخلال إحدى الجلسات الاقتصادية كان كل مستشاريه يوافقونه على نفس الرأي، ما أغضب أوباما وطردهم من الغرفة طالبا منهم العودة برأي مخالف، على حد قول أحد المشاركين في الجلسة، وما تبع ذلك كان أشبه باجتماع جلسة في أحد النوادي، ويقول سومرز: «إنه يرغب في الاستعانة بمستشارين تكون لديهم وجهات نظر مختلفة لتقاسم وجهات النظر المختلفة، وهو حريص على سؤال الأفراد الذين لم يتحدثوا عما إذا كان لديهم رأي يمكن أن يطرحوه».

التقى أوباما خلال حملته الانتخابية بالجنرال المتقاعد كولن باول عدة مرات، الذي تجاوز خطوط الحزبية وأيده كمرشح للرئاسة، ومنذ الانتخابات التقى أوباما بباول 4 مرات في البيت الأبيض، فأحيانا ما كان يدعى إلى اجتماعات دون معرفة كبار أعضاء مجلس الأمن القومي، وعندما يسأل باول عما دارت حوله الجلسات؟ يرفض التعليق، لكنه يصف سلوك أوباما في دراسة المشكلات بالصائبة والدقيقة، وقال باول في مقابلة معه: «إنه محام ويفكر كمحام ويتخذ قراراته كمحام، إنه يحب الحوار وأنا أقدر ذلك».

ويقول كبار مساعدي أوباما، إن الرئيس يقدر موقع باول كرجل دولة بارز لم يتأثر بالدخول إلى البيت الأبيض، وقد لعب باول دورا مهما خريف العام الماضي في مساعدة الرئيس في التصدي لمنتقديه من أمثال ديك تشيني نائب الرئيس السابق، الذي اتهمه بالتردد بشأن سياسة أفغانستان، وقال أكسلرود: «هناك بعض الأشخاص الحكماء جدا والمحنكين والعاقلين، وأعتقد أن الرئيس وباول ينتميان إلى هذا الصنف من الناس، ولا أعتقد أنه يتصل به بصورة دائمة، لكنه في لحظة محورية يتواصل معه كحليف قوي حينما يضطر لاتخاذ بعض القرارات الصعبة». من الشخصيات البارزة الأخرى التي يقول أعضاء الإدارة إنها تتماشى مع هذه الفئة، وارين بافت رجل الأعمال الثري، وعضو هيئة مديري صحيفة «واشنطن بوست»، و«الكاردينال ثيودور ماكاريك»، وعقد اجتماعات خاصة كثيرة وأحيانا سرية مع رئيس أساقفة واشنطن الكاثوليكي الإصلاحي الذي تحدث مع الرئيس بشأن الشرق الأوسط والرعاية الصحية. أعاد الرئيس ذكر قصصهم وباتوا الآن أشخاصا مشهورين في البيت الأبيض، المرأة التي تعاني من سرطان الثدي في مقاطعة غرين باي بولاية ويسكنسون، والتي تخشى أن تنتهي تغطية التأمين على الحياة قريبا، وصاحب الشركة الصغيرة الذي لم يستطع الحصول على قرض بنكي على الرغم من وجود خطة عمل صلبة، والعائلة التي تواجه حبس الرهن العقاري لأن البنك سيعدل قرض الرهن العقاري، ويقول المساعدون، إنه من حين لآخر ومن اجتماع لآخر يثير أوباما هذه القصص التي أحيانا ما تؤثر على السياسة. ويقول أكسلرود: «لا أعتقد أن بإمكانك المبالغة في الدرجة التي تؤثر فيها تفاعلاته مع الأفراد والخطابات وتبادل وجهات النظر في كل ذلك»، وبعد أن التقى أوباما لورا كليتزكا في غرين باي، عاد إلى البيت الأبيض ليحكي صراعها مع المرض كنوع من التحفيز لمساعديه الذين كانوا أكثر تشاؤما بشأن التوقعات بتعديل برنامج الرعاية الصحية، وفي مرة أخرى، حمل أوباما على متن طائرة الرئاسة رسالة من صاحب شركة صغيرة أصيب بالإحباط من عدم القدرة على الحصول على قرض، وقد نسجت القصة ضمن نسيج سياسات أوباما للشركات الصغيرة، وهو ما أدى إلى تغيرات في مبادرات الإقراض التي تبنتها الإدارة، وتقول غاريت: «لم تكن فكرة خرجت عن عالم في الاقتصاد، بل كانت مشكلة كتلك التي يواجهها الأميركيون في حياتهم اليومية».

في بعض الأحيان، كان الرئيس يحول وزارة الخزانة إلى مكتب للأعمال المتطورة، حيث يطلب من تيموثي غيتنر الاستجابة، وإصلاح المشكلات التي يبلغ عنها المواطنون في رسائلهم.

وتقول دون: «يتوجه الرئيس إلى غيتنر في بداية الاجتماع ويقول: هلا تفقدت هذه الخطابات»، وعندما تطرق الحديث لتعديلات القروض استشهد أوباما بالرسائل والأخبار اليومية ليواجه تأكيدات مستشاريه بأن المشكلة تم إصلاحها، وعندما يتطرق الأمر إلى الرسائل بشأن حبس الرهن العقاري، قال أوباما أكثر من مرة: تصلني الكثير من هذه النوعية من الرسائل.

التركيز على السلوك غير العاطفي لأوباما أمر يقلق مستشاريه المهتمين بالجانب العاطفي لدى الرئيس، وتقول غاريت، أكثر ما يؤلمني هو وصف الرئيس بالجمود والتحفظ، لكن الأمر ببساطة هو أن الرئيس يملك من الشجاعة والقوة ما يكفي لإبعاد العواطف عن قراراته. وقال مستشاروه، إنه بعد سفره في منتصف الليل إلى قاعدة دوفر الجوية لاستقبال جثث لجنود القتلى، بدا أوباما متأثرا ومضطربا، وكان الخطاب الذي ألقاه بعد ذلك بوقت قليل في وست بوينت ليعلن عن زيادة عدد القوات في أفغانستان بـ30 ألف جندي، عاطفيا جدا، وقالت غاريت: «تحدث إلينا عن الرحلة إلى دوفر والعودة في الـ4 صباحا، وكيف كان الأمر مؤلما بالنسبة له، لكنه لم يكن ليدع ذلك ليؤثر على اتخاذ القرار الذي اعتقد أنه الأفضل بالنسبة للشعب الأميركي، وأعتقد أن هذه ميزة ترغبها في الرئيس، فأنت لا ترى رئيسا يهتز من عظم القرار لدرجة أنه قد لا يتخذ القرار الصائب»، أو كما يقول النائب الديمقراطي في الكونغرس عن ولاية ساوث كارولاينا: «عندما يقول الناس عنه إنه عقلاني، أقول: وما العيب في ذلك؟».

*شارك سكوت ويلسون في كتابة هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»