مصدر ملاحي لبناني لا يستبعد «انفجارا» في الطائرة ويؤكد أن الصاعقة وحدها ليست «السبب الوحيد» لسقوطها

الصاعقة ليست السبب الوحيد للكارثة.. والتحقيقات تنتظر «الصندوق الأسود»

غطاسون لبنانيون وعناصر من الدفاع المدني يتفحصون باب إحدى مغاسل الطائرة بعد أن عثروا عليه في البحر (رويترز)
TT

تواصلت أمس أعمال البحث عن حطام الطائرة الإثيوبية الغارقة مقابل الساحل اللبناني وعن جثث أكثر من 80 راكبا لا يزالون، على الأرجح، داخل هيكل الطائرة التي سقطت بعيد إقلاعها من مطار بيروت فجر أول من أمس، فيما تنتظر التحقيقات عن سبب سقوط الطائرة العثور على الصندوق الأسود وتحليل الأجزاء التي جُمعت من هيكل الطائرة، والتي وجد بعضها على شواطئ بيروت، في مكان يبعد كثيرا عن موقع سقوط الطائرة جنوب العاصمة اللبنانية.

ومع أن التصريحات الرسمية استبعدت نظرية «وجود عمل تخريبي» وراء الحادث، فإن مصدرا ملاحيا لبنانيا أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «كل الاحتمالات واردة»، مشيرا إلى أن احتمال حصول انفجار في الطائرة قبل سقوطها أمر وارد جدا، والدليل هو التشوهات التي حصلت في أجسام الركاب الذين انتشلوا حتى الآن، والذين لم يُتعرف إلا على 3 منهم ، فيما ينتظر الباقون فحوصات «دي إن إيه». وقد أعلن الطبيب الشرعي في مستشفى بيروت الحكومي أحمد المقداد أن الأشلاء التي سلمت أمس هي «أشلاء صغيرة جدا لا قيمة لها ولا تساعد في تحديد هوية أي ضحية من ضحايا الطائرة الإثيوبية المنكوبة». وأوضح المصدر أن ما حصل مع الطيار لا يزال مجهولا وبمعرفته يمكن جلاء قسم كبير من الحقائق. مشيرا إلى أن الصاعقة ليست السبب الوحيد الذي أدى إلى سقوط الطائرة لأن الطائرات مزودة بأجهزة لامتصاص طاقة الصواعق. وأشار إلى وجود احتمال أن تكون الصاعقة ضربت الطائرة في مكان حساس تزامن مع أخطاء بشرية أو تقنية أخرى أدت إلى سقوط الطائرة. وأكد المصدر أن برج المراقبة أبلغ الطيار بضرورة الانحراف يمينا لتفادي غيمة كبيرة مشحونة بالصواعق، غير أن الطيار لأسباب مجهولة اتجه يسارا ثم دار على نفسه واتجه مباشرة إلى البحر. وقال المصدر: إن الاتجاه يمينا بعد الإقلاع من المطار ممنوع على كل طائرة تنطلق باتجاه الجنوب لوجود سلسلة جبلية على اليسار. وأشار إلى احتمال حصول شيء ما أفقد الطيار السيطرة على الطائرة رغم الدعوات المستمرة له للاتجاه يمينا، التي تظهرها تسجيلات برج المراقبة في المطار، متحدثا عن احتمال وجود مشكلات أخرى كاشتعال محرك الطائرة أو حتى وجود قنبلة انفجرت في داخل الطائرة، معتبرا أن هذه الفرضية لا يمكن إزالتها من الحسبان. ورد المصدر حصول التشوهات في أجساد الركاب إلى احتمالين؛ أولهما: حصول انفجار أو حريق داخل الطائرة، والثاني: نوعية الارتطام الذي حصل. معتبرا أن الضغط الجوي عند الارتفاع الذي أصيبت فيه الطائرة بالعطل وهو 3 آلاف قدم لا يمكن أن يؤدي إلى تمزيق أجسام الركاب. وعزا المصدر عدم إعطاء الطيار أي إشارات استغاثة إلى احتمال حصول عطل كهربائي أصاب وسائل الاتصال في الطائرة، بالإضافة إلى ضيق الوقت وحالة الرعب التي أصابت الربان. وتوقع المصدر أن تكون أسباب وفاة معظم الركاب هي الغرق، باعتبار أن الركاب كانوا مقيدين بالكراسي وهبطوا من ارتفاع كبير إلى ما تحت سطح الماء مما أدى إلى فقدهم الوعي، ومنعهم من مغادرة الطائرة التي وقعت على مسافة غير بعيدة من الشاطئ اللبناني. وشدد المصدر على أن مطار بيروت هو من أهم المطارات في العالم، وأن برج المراقبة فيه هو الوحيد في المنطقة الذي يعطي إرشادات للطيارين حول أوضاع الطقس. وفيما مُنع طيارو شركة طيران الشرق الأوسط (الميدل إيست) اللبنانية التي تدير مطار بيروت من إعطاء تصريحات، استبعد نقيب الطيارين اللبنانيين محمود حوماني أن تكون الصاعقة هي السبب الوحيد لسقوط الطائرة، مشيرا إلى أنه أصيب خلال عمله بـ12 صاعقة لم تؤثر أي منها على الطائرات التي كان يقودها ، مشددا على أن الكلام الذي نسمعه عن مسؤولية كابتن الطائرة الإثيوبية في سقوطها ليس إلا تكهنات. وأشار حوماني إلى أن برج المراقبة يحتاج إلى تطوير، ولكن المراقبين اللبنانيين من أهم الموجودين في المنطقة، نافيا أن يكون لبرج المراقبة أي دور في التسبب في سقوط الطائرة، لافتا إلى أن الطقس لم يكن عائقا أمام إقلاع الطائرة الإثيوبية. ولفت حوماني إلى أنه لا يمكن اللعب بنتائج التحقيق بالصندوق الأسود ولا يمكن التهرب من التفاصيل في الصندوق الأسود، مشيرا إلى أن هذا الصندوق موجود على عمق مائة متر أو أقل ويجب العثور عليه اليوم (أمس) أو غدا (اليوم) كأبعد تقدير.

وأوضح النقيب السابق لطياري الـ«ميدل إيست» حبيب كرم أن «هناك نوعا من الغيوم خلال الطقس العاصف، إذا دخلتها الطائرة تصبح احتمالات خروجها منها شبه معدومة». وأضاف: «هذا النوع فيه مطبات هوائيّة هائلة ترفع الطائرة وتخفّضها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف قدم، مما قد يؤدي مثلا إلى تحطم المحرّك واحتراقه واحتراق الفيول». وعزا كرم عدم اتباع الطيار تعليمات برج المراقبة في حال ثبوته «إما لأسباب تقنيّة وإما شخصيّة، أي إما لأعطال وإما لوضع ذاتي للطيار كتأخره في الاستجابة».

وأكد وزير الأشغال والنقل غازي العريضي ما قاله وزير الدفاع إلياس المر عن سلوك قائد الطائرة اتجاها معاكسا لذلك الذي أوصى به برج المراقبة. وقال: إن «قائد الطائرة وافق في الاتصال مع برج المراقبة على قيادة طائرته في الاتجاه الذي أوصاه به، لكنّه سلك طريقا آخر فتمّ الاتصال به لاستيضاح الأمر، لكنه لم يجب». إلى ذلك أعلن الجيش اللبناني أمس أن سفينة عسكرية أميركية مجهزة بعتاد متطور مع مركب مدني قادم من قبرص متخصص في أعمال الإغاثة والإنقاذ، إضافة إلى قطعتين بحريتين تابعتين لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، تسبر أعماق المنطقة حيث يحتمل وجود الجسم الرئيسي للطائرة. وقال الجيش: إن كلا من القوات البحرية والجوية اللبنانية وفوج مغاوير البحر والوحدات البرية، توسع عمليات البحث عن المفقودين في أعماق البحر وعلى امتداد السطح المائي لمنطقة سقوط الطائرة والشاطئ المحاذي لها، وقد تمكنت هذه القوى من انتشال أربع عشرة جثة، إضافة إلى أشلاء من إحدى الجثث. كما جُمّعت أجزاء من حطام الطائرة بما فيها جزء من جناحها الأيسر في منطقة الرملة البيضاء.

وفيما وصل إلى بيروت أمس خبيران فرنسيان للمشاركة في التحقيقات حول سقوط الطائرة، أعلنت السفارة الأميركية في بيروت أن مجلس سلامة النقل الوطني الأميركي سيرسل محقق طيران لمساعدة الحكومة اللبنانية في التحقيق في حادث تحطم طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية. وأشارت السفارة إلى أن رئيسة المجلس القومي لسلامة النقل الأميركي ديبورا هيرسمان عينت كبير المحققين دنيس جونز كممثل للجنة، وسيضم فريقه مستشارين تقنيين من الإدارة الاتحادية للطيران وشركة بوينغ. ويقود هذا التحقيق المديرية العامة للطيران المدني في لبنان.

وزار رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، القنصلية الإثيوبية في منطقة بدارو يرافقه وزير الصحة العامة محمد جواد خليفة، وقدم التعازي إلى قنصل إثيوبيا أسامينيو دابلي بونسا في الضحايا الإثيوبيين الذين ماتوا في كارثة تحطم الطائرة الإثيوبية أمس، وأعرب له عن «تأثره العميق إزاء هذه الفاجعة التي أصابت لبنان وإثيوبيا»، وطلب منه «نقل مواساته وتعازيه إلى أهالي الضحايا والحكومة والشعب الإثيوبي».

وعقد المدير العام للطيران المدني حمدي شوق مع أعضاء الوفد الإثيوبي الذي كان قد وصل بعد ظهر أول من أمس إلى بيروت، ووضع شوق الوفد الإثيوبي في آلية المشاركة في التحقيقات المتعلقة بسقوط الطائرة الإثيوبية، وأبدى الوفد رغبته في معاينة موقع سقوط الطائرة والاطلاع على المعلومات المتوفرة عند سلطات الطيران المدني اللبناني.

الصندوق الأسود.. صندوقان برتقاليان

* تتركز أعمال البحث حاليا على الوصول إلى «الصندوق الأسود» للطائرة المنكوبة، وهو في الواقع صندوقان مثبتان في مؤخرة الطائرة؛ الأول: يحفظ البيانات الرقمية وإحداثيات الطائرة (الوقت، والسرعة، والاتجاه)، أما الثاني: فوظيفته تسجيل ما يدور في قمرة القيادة من أحاديث واتصالات مع برج المراقبة.

والصندوق الأسود لونه برتقالي أو أصفر (فسفوري) لتسهيل رؤيته في كل الظروف ولتمييزه بسهولة بين حطام الطائرة، وقد سمي بالأسود بسبب الكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرات. ومن مميزات الصندوق أن مدة التسجيل تصل إلى 120 دقيقة وهو مقاوم لنيران تصل إلى 1100 درجة مئوية وهي درجة احترق الكيروسين. والصندوق مجهز ببث غوص ينطلق إذا ما سقط في الماء ويصدر إشعارا فوق الصوتي يمكن التقاطه عن عمق يبلغ 14000 قدم والبطاريات فيه تعمل مدة 6 سنوات.

ويحفظ الصندوقان في قوالب متينة للغاية مصنوعة من مواد قوية مثل عنصر التيتانيوم، تحيطها مادة عازلة لتتحمل صدمات تبلغ قوتها أضعاف قوة الجاذبية الأرضية، ولتتحمل حرارة تفوق 1000 درجة مئوية وضغطا قويا يعادل ضغط المياه على عمق 20000 قدم تحت البحر. وتلف قطع التسجيل عادة بمادة عازلة تحميها من التعرض من مسح المعلومات المسجلة عليها وكذلك من العطب والتآكل من جراء مياه البحر لمدة 30 يوما.