أمل اللقاء تحوّل إلى أمنية إلقاء النظرة الأخيرة

حكايات ضحايا الطائرة الإثيوبية المنكوبة في مستشفى بيروت الحكومي

TT

في اليوم الثاني على فاجعة سقوط الطائرة الإثيوبية، تبدّدت آمال الأهالي باللقاء القريب وتحولت إلى أمنيات بإلقاء النظرة الأخيرة على المحبين. هذه المعادلة ساهمت في تقبل رحيل الأحبة إلى غير رجعة. والأمر الذي كان الأهالي يرفضون تقبّله قبل 24 ساعة صار اليوم واقعا ملموسا في باحة مستشفى بيروت الحكومي حيث تقبع الجثث في برّادها، وقد كانت تعجّ بالأمس بنحيب الأمّهات والأخوات صارت اليوم مثقلة بصمت الرجال والأبناء الذين أتوا حاملين آلامهم وأحزانهم بانتظار خبر من هنا وآخر من هناك. الأسئلة كثيرة والإجابات تكاد لا تختلف عن تلك التي سرت في الأمس. عدد الجثث في برّاد المستشفى لم يتعد الـ14 وإن أضيفت إليها «أشلاء» بالكاد تدل على هوية أصحابها،على حدّ تعبير الطبيب المسؤول في المستشفى أحمد المقداد الذي يقول «تم تسليم جثة واحدة فيما تبقى الـ13 الأخرى بانتظار صدور فحص الحامض النووي»، مشيرا إلى أن الأهالي تعرّفوا على جثة كلّ من أنيس صفا وحيدر نرجي والطفل محمد كريك وطوني الزاخم، إلا أن قرار التسليم لن يتخذ قبل صدور نتائج الـ«DNA». هذا الواقع جعل عائلة الطفل كريك تشرح لوزير الخارجية اللبناني علي الشامي المشكلة التي تواجهها وتحول دون إمكانية تسلم الجثة: «الوالد بين عداد المفقودين فيما الوالدة الأفريقية لا تستطيع المجيء إلى لبنان لإجراء الفحص لأن جواز سفرها كان مع زوجها».. فيأتيهم الجواب بأن الوزارة مستعدة لتسهيل الأمر. ويقول الشامي «نسهل الدخول لأي شخص يأتي للمساعدة، وأبواب وزارة الخارجية مع الأمن العام والسفارات مفتوحة والتعاون قائم، ومكتب الرموز والاتصالات في الخارجية مفتوح على مدار الساعة». لكن هواجس العائلات المفجوعة ذهبت إلى البعيد لتسأل الوزير الشامي عن الخطة التي سيعمل وفقها بعد مرور 72 ساعة من الحادث، طالبين منه عدم إهمال من بقي في البحر.. فيطمئنهم مؤكدا عدم إهمال الموضوع. من جهته أكد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاطف مجدلاني الذي حضر إلى المستشفى «أن الفريق الطبي يقوم بالفحوصات الضرورية اللازمة على أعلى مستوى من التقنية، والفحوصات معروفة بفحوصات الحامض النووي وهي تحتاج إلى وقت لظهور النتائج، كما تحتاج إلى 72 ساعة على الأقل كي تكون صحيحة مائة في المائة». ونفى من جهة أخرى المعلومات التي تردّدت عن انتشال ست جثث وبعض الأشلاء من دون أن يتم إيصالها إلى المستشفى، مؤكدا أن كل ما يعثر عليه يصل إلى المستشفى. عائلة فريد موسى تحاول أيجاد حل لتأمين الفحص النووي. يقول ابن أخته: «خضع أخوه للفحص لكنهم طلبوا منا أن يأتي والده أو والدته لأن فحوصات الأخ تحتاج إلى وقت أطول. لكنهما عجوزان مريضان يسكنان شمال لبنان وهما في حالة نفسية يرثى لها».

من جهة ثانية، يقف رجل يصف خسارة أقربائه بالمصيبة، ويقول: «ماذا سيحصل أكثر من الذي حصل.. ما فينا نحكي شي». أما ابن عم غسان قاطرجي، فبكّر بالحضور إلى المستشفى علّه يسترق نظرة إلى تلك الجثث القابعة في الداخل بعدما عجزت ابنته عن التعرف على أبيها نظرا لحالتها النفسية السيئة، ويقول: «لكن وبعد انتظار ثلاث ساعات، وافق أحد العاملين من الطاقم الطبي على دخولي لكنّ رجل الأمن منعه».

لأن المصيبة واحدة لكنّ المأساة في بلد الغربة أشد وقعا. طال انتظار الفتيات الإثيوبيات العاملات في لبنان اللواتي أتين للاطمئنان عن مواطناتهنّ. يبكين صديقتهن أديس التي قضت 10 سنوات من عمرها في لبنان لتؤمّن لقمة عيش أبنائها، وحين قررت العودة نهائيا لترتاح كان قدرها في البحر. أما زميلتها فسجنت 9 أشهر بعدما هربت من المنزل حيث تعمل قبل أن ترحّل على متن الطائرة وتبقى سجينة البحر إلى أجل غير مسمى.