تسليم جثتين من أصل 5 من ضحايا الطائرة.. و49 لبنانيا لا يزالون في عداد المفقودين

أيام انتظار العائلات المفجوعة ستكون طويلة

فتيات من فريق المتخصصين بفحص الحمض النووي (DNA) يعملن، في مستشفى الحريري في بيروت، أمس، على تحديد هوية جثث ضحايا الطائرة الإثيوبية (أ.ف.ب)
TT

تكفي ملامح المفجوعين في مستشفى بيروت الحكومي لتترجم المأساة التي يعيشونها منذ ثلاثة أيام إثر اختفاء ذويهم في الطائرة الإثيوبية المنكوبة قبل ثلاثة أيام في البحر قبالة الشاطئ اللبناني. لم يملّوا الانتظار ولا يزال الأمل يراودهم بالتمكن من إلقاء نظرة الوداع على محبيهم رافضين تقبّل الفاجعة. بصمتهم يتكلّمون وعيونهم تذرف حزنا على من رحلوا، فرغم إعلان وزير الصحة اللبناني الدكتور محمد جواد خليفة صباح أمس أنه ستُسلم عند الساعة الرابعة خمس جُثث من أصل 54 لبنانيا كانوا على متن الطائرة المنكوبة، وهي تعود إلى كل من: محمد كريك والطفلة جوليا الحاج وأنيس صفا وحيدر مرجي وطوني الزاخم، بعد صدور نتائج (DNA) مع عائلاتهم، لا تزال باحة المستشفى تغصّ بالمنتظرين على أمل سماع أي خبر جديد. لا يزال شقيق المواطن السوري الذي كان على متن الطائرة، محمد الساعي (39 عاما)، في لبنان منذ سماع خبر الفاجعة ينتظر مصير أخيه المجهول. يقول: «هم تعرّفوا على أقربائهم أما نحن فنقتل الوقت بالانتظار...» أما شقيق ياسر إسماعيل من زوطر الشرقية في جنوب لبنان وزوجته فهما يحسدان من استطاع التعرّف على فقيده، ويقولان: «على الأقلّ يستطيعون زيارة قبورهم... بقي لهم شيء من رائحتهم... تبقى مصيبة أقلّ وقعا من مصيبة أخرى.. نسمع أنهم انتشلوا أشلاء وسيجرون الفحص النووي عليها، فها نحن ننتظر...» ويضيف الأخ: «بعد 24 ساعة إذا لم يظهر شيء، فهذا يعني أن الدولة اللبنانية تعرف معلومات ولا تكشفها لنا. هل يعقل بعد كل هذه الجهود ألا يجدوا حطام الطائرة بعد؟ ليس منطقيا أن مشكلة تقنية تحدث كل ما أحدثته وينتشلون الجثث أشلاء، ما حصل بالتأكيد هو نتيجة انفجار...» قبل أن تدق الساعة الرابعة بدقائق قليلة، يخرج أحد العاملين من الطاقم الطبي في المستشفى ليطلب من عائلة حيدر مرجي الدخول لتتسلّم الجثة. ثوان قليلة وتتوقّف سيارة الإسعاف ليخرج مرجي محملا على أكفّ عائلته على وقع دعاء «وحّدوا الله.. لا إله إلا الله..» ومرجي يبلغ من العمر 45 عاما، وهو من بلدة زبدين الجنوبية، لكن جثمانه نقل إلى حسينية الشياح على أن يوارى الثرى اليوم الخميس في مسقط رأسه.

يعود سياج الدفاع المدني إلى قواعده سالما ليشكّل حاجزا بين سيارة الإسعاف وأهل الشهيد وجثمانه. تمرّ دقائق قبل أن يُطلب أيضا من عائلة صفا الدخول لتسلّم جثمان ابنها. يخرج بدوره محملا على أكفّ إخوته فيما يأبى ابنه علي إلا أن يكون قريبا منه في رحلته الأخيرة ويجلس بجانبه للوداع الأخير.

لكن لحظات انتظار تسليم الجثث الثلاث المتبقية باءت بالفشل، ليخرج الطبيب الشرعي في المستشفى أحمد المقداد ويعلن أن أهل الطفل محمد كريك رفضوا تسلّمه على أمل العثور على جثة والده الذي كان برفقته، فيما عائلة طوني الزاخم طلبت تأجيل التسليم إلى اليوم التالي، فتقرر نقل الجثمان إلى مستشفى الروم ليصار إلى إخراجها بموكب من هناك. ورغم شيوع أخبار عن حضور عائلة الطفلة جوليا الحاج لتسلمّها إلا أن ذلك لم يحصل. يقول عمّ الطفل محمد كريك: «ليس منطقيا أن نتسلّم الطفل ووالده لا يزال مفقودا، أعمال البحث لا تزال جارية وسننتظر علّهم يجدونه». خليفة كان قد قال: «نتعامل مع الجثث بصرف النظر عن الجنسية، لدينا إضافة إلى الجثث، 15 كيسا من الأشلاء البشرية، وقد عزلنا كل جزء بشكل منفصل ورُقّمت وأُخذت عينات جينية». وأضاف «اجتمعنا اليوم مع وفد إثيوبي، ولدينا جثث معروفة لإثيوبيين وطلبنا عينات من أهلهم لتسليمهم الجثث». أمام هذه الوقائع يبدو أن أيام انتظار العائلات المفجوعة ستكون طويلة، ولم يبق لديهم إلا تلقّف آخر الأخبار على لسان الوزراء المسؤولين الذين يعدونهم باستمرار عمليات البحث، وإن كانت الآمال تتضاءل مع مرور الساعات.