السفيرة الأميركية في بيروت لـ«الشرق الأوسط»: لا بد من جعل منطقة جنوب الليطاني «نظيفة» من السلاح غير الشرعي

قالت إن بلادها تقوي المؤسسات الرسمية كي «لا يضطر اللبنانيون للجوء إلى غير الدولة»

ميشيل سيسون
TT

أبدت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان، ميشيل سيسون، قلق بلادها من عمليات تهريب السلاح إلى لبنان ومن اكتشاف مخازن أسلحة لحزب الله جنوب نهر الليطاني، وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وإذ رفضت الإجابة صراحة عن احتمالات توجيه إسرائيل ضربة عسكرية إلى لبنان، اعتبرت أن هذه الحوادث تشكل «تهديدا واضحا للأمن والاستقرار»، مشددة على ضرورة الالتزام بجعل منطقة جنوب نهر الليطاني خالية من السلاح غير الشرعي.

وأكدت سيسون أنها سوف تقاطع وزراء حزب الله في الحكومة تطبيقا للقانون الأميركي، كاشفة أنه لن يكون هناك المزيد من مشاريع التعاون الزراعي في ظل وجود وزير من حزب الله في وزارة الزراعة.

وفيما يأتي نص الحوار الذي جرى في بيروت:

* يعيش لبنان «حالة حب» بين قياداته السياسية.. فإلى أي مدى أنتم «متورطون» في الوصول إلى هذا الحال؟

- لقد وصف الرئيس سليمان الحكومة الجديدة بأنها «منتج لبناني»، هذا النظام الفريد في لبنان الذي أوصل إلى الحكم حكومة إجماع وطني. ونحن نتطلع قدما إلى التعاون مع رئيس الحكومة الجديد والحكومة، ونسعى إلى دعم هذه الحكومة في تطبيق إجراءات وسياسات تسهم في التقدم الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة للبنانيين عبر مجموعة من البرامج.

وهناك الكثير من التشريعات التي يدرسها المجلس النيابي، أو تلك التي تدرسها الحكومة، ونحن نرى فرصة حقيقية أمام الحكومة لإطلاق الكثير من المبادرات في هذا المجال.

* يتحدث كثيرون عن أن الانفراج السياسي الحالي في لبنان هو من ثمار الانفراج في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسورية، بالإضافة إلى انفراج مماثل في العلاقات مع الولايات المتحدة..

- سأنظر إلى السؤال من زاوية مختلفة، أود أن أشير إلى أن هذه المرحلة تسمح بالمضي قدما فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية الحساسة. كما رأيتم فإن المبعوث الأميركي لعملية السلام، السيناتور جورج ميتشل، كان في المنطقة مؤخرا، وعبر عن التزام الرئيس (باراك) أوباما ووزيرة الخارجية (هيلاري) كلينتون بالسلام الشامل في المنطقة. وشامل تعني كل الدول، أي سلام فلسطيني - إسرائيلي، وسوري - إسرائيلي، ولبناني - إسرائيلي. أنا أنظر إلى الصورة في المنطقة من زاوية مختلفة، فأرى فرصة للوصول إلى سلام شامل فيها، ولبنان يلعب في هذه العملية دورا رئيسيا كبقية دول المنطقة.

* هناك خوف لبناني دائم من إعادة تسليم الولايات المتحدة لبنان مجددا للإدارة السورية..

- لقد تحدث عدد من زوار لبنان مع المسؤولين الأميركيين، كما صدرت تصريحات من مسؤولين في واشنطن خلال زيارة الرئيس سليمان إلى واشنطن، تؤكد أنه لن يكون هناك أي نوع من اتفاقات أو تسويات على حساب لبنان وسيادته واستقلاله وأمنه. هذا الكلام قلناه مرات كثيرة، وعلى اللبنانيين أن يكونوا واثقين منه.

* لقد جرى الحديث عن وجود سياسة أميركية جديدة فيما يتعلق بلبنان..

- هناك سياسة أميركية مستمرة بدعم لبنان وسيادته وازدهاره، هذه سياسية دائمة. لقد كانت هناك مخاوف في الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي حول موضوع تهريب الأسلحة إلى فئات غير رسمية، لكن في الوقت نفسه، فإن سياسة تقوية ودعم المؤسسات الرسمية الشرعية للدولة اللبنانية والمؤسسات العسكرية والأمنية كالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي مستمرة بما يؤمن أن تكون هي المسيطرة على كامل الأراضي اللبناني. وهناك جزء آخر من سياستنا يرتبط بتقوية النظام التعليمي في لبنان وتطوير النظام القضائي.

* لماذا لا يتم تزويد الجيش اللبناني بأسلحة كافية لتمكينه من السيطرة على كامل الأراضي اللبنانية والوقوف في وجه التهديدات الإسرائيلية. وهل هناك «فيتو» على ذلك؟

- لدينا برنامج دعم قوي للقوات المسلحة اللبنانية بدأ عام 2006، وقد أُنفق منذ ذلك الحين نحو 456 مليون دولار على التدريب والمعدات، وهذا البرنامج مستمر وسيتوسع أكثر في عام 2010، وسنذهب إلى واشنطن في الشهر المقبل من أجل المزيد من المباحثات الثنائية حوله (زيارة وزير الدفاع اللبناني إلياس المر). وهذه الحزمة (التدريب والمعدات) تعكس رؤية متفق عليها حول تطوير الجيش اللبناني وحاجاته خلال 5 سنوات، التي تحددت من خلال محادثات بين الجيش اللبناني والمسؤولين العسكريين الأميركيين. بدأنا على هذا المسار عام 2008 في أول محادثات عسكرية ثنائية، وتم تحديد حاجات الجيش فيما يخص أمن الحدود والأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب. وهي ثلاثة مسارات تعكس تطور الجيش اللبناني. وقد رأينا في مايو (أيار) الماضي عرضا كبيرا للأسلحة والمعدات الأميركية خلال زيارة نائب الرئيس جوزيف بايدن إلى لبنان، حيث شاهدنا معدات حساسة مثل طائرات سيسنا ودبابات الـ«إم 60» وسيارات «الهامر»، وهذه كلها تعكس رؤية السنوات الخمس وما بعدها.. أنت تسأل كثيرا عن المساعدات العسكرية والأمنية، فيما نحن لدينا الكثير من المشاريع الأخرى لنتحدث عنها.

* ماذا عن هذه المشاريع؟

- أعتقد أنه من المهم جدا أن نتحدث عن الدعم الاقتصادي الذي نقدمه إلى لبنان، فبالإضافة إلى التأكيد على إعادة تأهيل المدارس الرسمية، نوفر أيضا الكثير من المنح الدراسية، ونتابع دعم مشاريع إدارة المياه، لأن دراستنا تبين أن نحو 50 في المائة من مصادر المياه قد تضيع إذا لم تتم إدارتها بطريقة جيدة، ونحن نعمل على عدد من المواقع في هذا المجال. وقد أسهمنا في تأمين المياه النظيفة إلى نحو 27 ألف شخص في الشوف والبقاع، بالتعاون مع مؤسسات الدولة والبلديات. وقد أسهمنا خلال الأشهر الـ6 الماضية في إطلاق الكثير من المشاريع المتعلقة بالاقتصاد وبالبلديات. هذا عمل يومي بالنسبة إلينا، وعلى الرغم من أن العناوين الرئيسية قد تتجه أكثر إلى الأمور السياسية والأمنية، فإننا عندما ننظر إلى ما قمنا في به في الأشهر الماضية نرى أننا أنجزنا الكثير من المشاريع المفيدة للتطور الاقتصادي في لبنان وخلق فرص عمل جديدة. أعتقد أن هذه السياسات طويلة الأجل تظهر التزام الولايات المتحدة حيال لبنان وتطوره.

وعبر بناء هذه المؤسسات التي تجعل الدولة قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية إلى مواطنيها وبناء المؤسسات التي تجلب الأمن إلى المواطنين، فإننا نأمل أن المواطنين اللبنانيين لن يعودوا مضطرين للاتجاه نحو جهات غير الدولة لتأمين حمايتها وخدماتها لهم، فبتقوية الدولة نبني لبنان ونستثمر فيه ونجعله أكثر ازدهارا وأمنا في المستقبل.

* ماذا عن الإجراءات الأميركية الجديدة في حق المسافرين؟

- عندما حصلت تلك الحادثة في 25 ديسمبر (محاولة إحراق طائرة قادمة من أمستردام إلى الولايات المتحدة) كان يمكن أن تتسبب في مقتل الكثير من المواطنين من جنسيات مختلفة. ولهذا أخذت السلطات الأميركية وبسرعة إجراءات لحماية أمن جميع المسافرين القادمين من وجهات محددة، وضمنهم المواطنون الأميركيون. هذا جهد يهدف إلى تأمين السلامة في الجو لنا جميعا ومن مختلف الجنسيات.

* لبنان من الدول التي يشملها القرار؟

- إنها إجراءات تهدف إلى تأمين سفر آمن لنا جميعا.

* هل لهذه الإجراءات علاقة بما يتردد عن تزايد تحركات «القاعدة» في لبنان؟

- هذه الإجراءات مرتبطة بالحادثة التي حصلت في ديسمبر. والهدف منها هو تأمين سلامة المسافرين.

* لكن هذه الإجراءات تشمل عددا محددا من الدول دون غيرها، لماذا لبنان؟

- سأعود إلى الإجابة السابقة حول الهدف من إصدار هذه الإجراءات، وهو حماية المسافرين. من الواضح جدا أن الإرهاب في الجو قد يستهدف أيا كان ومن أي جنسية.

* لقد اعترض لبنان على هذه الإجراءات واعتبرها غير مقبولة..

- لقد تم التعبير عن هذا الموقف، وقد عبر عنه المسؤولون اللبنانيون أمام عدد من زوار لبنان من المسؤولين الأميركيين، كما نقلناه نحن إلى واشنطن. لكن مجددا أعود فأؤكد أن هذه الإجراءات هي لحمايتنا جميعا، والكل عرضة لهذه الإجراءات، بمن فيهم المسافرون الدبلوماسيون.

* عموما، هل تخشون من تنامي وجود «القاعدة» في لبنان؟

- لبنان عانى كالكثير من الدول من الإرهاب، وهذا ما حصل عام 2007 في (مخيم) نهر البارد، ونحن نذكر التضحيات التي قدمها الجيش اللبناني في هذا المجال. ومن الواضح أن هناك مخاطر وتحديات في هذا المجال.

* ماذا عن حزب الله، هل تعتقدون أنه قد يشكل خطرا على الأميركيين في لبنان أو خارجه؟

- لا يوجد أي تغيير في سياستنا حول حزب الله الذي لا يزال مدرجا على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، ولا يوجد أي تغيير في هذه السياسة.

* لن تتعاونوا مع وزراء الحزب في الحكومة الجديدة إذن..

- هذا انعكاس لهذه السياسة التي هي في الواقع قانون أميركي.

* وكيف سينعكس هذا على التعاون بين لبنان والولايات المتحدة في المجال الزراعي، بما أن هذه الوزارة يتولاها وزير من حزب الله؟

- وفقا لهذا القانون، لا يمكننا الاتصال مباشرة مع أي عضو من حزب الله. هناك برامج مستمرة بالتعاون مع الحكومة اللبنانية تتضمن المياه والتعليم والاقتصاد والمجتمع المدني، وهذه برامج مستمرة.

* لكن ليس في الزراعة! - البرامج الموجودة ستستمر.

* الحكومة اللبنانية تعتبر أن سلاح حزب الله هو قضية داخلية تحل بالحوار..

- هناك نقطتان، الأولى أن الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، تنطلق من واقع وجود قرارات دولية في لبنان، وتقول إن سلاح أي ميليشيا يجب أن يتم نزعه ليصبح لبنان تحت سيطرة الدولة. أما فيما يتعلق بالحوار الذي أطلقه الرئيس سليمان، فهو شيء يجب تشجيعه، وإذا توصل هذا الحوار إلى جعل السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، تحت سيطرتها فهذا أمر جيد.

* هناك توتر متزايد في المنطقة وتهديدات إسرائيلية للبنان، هل تخشون عملية إسرائيلية على لبنان؟

- كما أشرت سابقا، هناك قضية تهريب الأسلحة التي نعتبرها تهديدا للبنان وأمنه وسيادته، كما أننا شهدنا في يوليو (تموز) كشف مخابئ أسلحة تابعة لحزب الله، وفي سبتمبر (أيلول) أطلقت 3 صواريخ باتجاه إسرائيل. هذا النوع من النشاطات هو تهديد واضح للأمن والاستقرار. ولهذا نعود إلى التشديد على القرار 1701 الذي ينص على جعل منطقة جنوب الليطاني خالية من السلاح غير الشرعي.

* هناك كلام عن مساع سعودية لدى الولايات المتحدة لحض إسرائيل على عدم مهاجمة لبنان؟

- لم تصلني تقارير مماثلة.

* هل يمكن أن نتوقع هجوما إسرائيليا على لبنان؟

- ما يجب التركيز عليه، هو ضرورة الالتزام بالقرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701.

* الإسرائيليون يقولون إن الحرب المقبلة سوف تستهدف المؤسسات الرسمية اللبنانية والبنى التحتية..

- أعود إلى اكتشاف الأسلحة وإطلاق الصواريخ، هذا النوع من الحوادث يهدد الأمن والاستقرار، والمهم الآن هو التركيز على منع تهريب السلاح وتطبيق القرار 1701 بجعل منطقة جنوب الليطاني خالية من السلاح غير الشرعي.

* وزير الخارجية اللبناني أعلن أن القرار 1559 قد مات..

- الولايات المتحدة، كغيرها من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، مستمرة في التمسك بهذا القرار، وبأن التطبيق الكامل للقرارات الدولية هو أمر مهم جدا.