واشنطن تبدأ تحقيقا للكشف عما إذا دفعت «بلاك ووتر» رشى لمسؤولين عراقيين

وثيقة تفيد بالتعامل مع المدعي السابق في محاكمة صدام للتأثير على مسؤولين بينهم المالكي

TT

تجري وزارة العدل الأميركية تحقيقا حول ما إذا كان مسؤولون في شركة «بلاك ووتر» قد حاولوا تقديم رشى إلى مسؤولين داخل الحكومة العراقية، أملا في المحافظة على استمرارية عمل الشركة الأمنية داخل العراق بعد حادث إطلاق نار وقع عام 2007، وذلك حسب ما أفاد به مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون.

وقال المسؤولون، إن قسم المخالفات داخل وزارة العدل الأميركية بدأ التحقيق نهاية العام الماضي للبت فيما إذا كان موظفون داخل شركة «بلاك ووتر» تجاوزوا قانونا فيدراليا يحظر على الشركات الأميركية دفع رشى إلى مسؤولين أجانب.

ويمثل هذا التحقيق التداعي الأخير لحادث إطلاق النار في ساحة النسور ببغداد، الذي أفضى إلى مقتل 17 عراقيا وأثار غضبا شديدا داخل الولايات المتحدة.

ورفض قاضٍ فيدرالي في ديسمبر (كانون الأول) تهما جنائية ضد 5 حراس سابقين داخل شركة «بلاك ووتر» متورطين في الحادث، ولكن أعلن نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن مؤخرا أن إدارة أوباما سوف تستأنف القرار.

ويأتي التحقيق، الذي أكده مسؤولون حاليون وسابقون تحدثوا بشرط عدم تحديد هوياتهم، عقب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في نوفمبر (تشرين الثاني) جاء فيه أن مسؤولين بارزين داخل «بلاك ووتر» وافقوا على مدفوعات سرية تبلغ قيمتها مليون دولار تقريبا تقدم لمسؤولين عراقيين مقابل الحصول على دعمهم بعد حادث إطلاق النار، وقال التقرير الصحافي، إنه لم يتسن البت فيما إذا كان قد تم دفع أي رشى فعليا، ولم يتسن تحديد هويات المسؤولين العراقيين الذين يحتمل حصولهم على أموال.

وقد حصلت وزارة العدل الأميركية على وثيقتين من وزارة الخارجية، التي لديها عقود أمنية مع الشركة، أثارتا تساؤلات بخصوص الجهود التي بذلتها «بلاك ووتر» للتأثير على مسؤولين في الحكومة العراقية بعد حادث إطلاق النار في ساحة النسور، وذلك حسب ما ذكره مسؤولان أميركيان على اطلاع بالتحقيق.

وتظهر إحدى الوثيقتين، وهي مكتوبة بخط اليد، ممثلا لشركة «بلاك ووتر» يقول لمسؤول بارز داخل السفارة الأميركية في بغداد، إن الشركة استعملت محاميا عراقيا بارزا لمساعدة الشركة على دفع تعويضات إلى الضحايا العراقيين الذين سقطوا خلال إطلاق النار، وهو الأمر الذي شجعت عليه وزارة الخارجية. وأشارت الوثيقة، كما وصف مسؤولون حكوميون، إلى أن المسؤول في شركة «بلاك ووتر» قال، إن الشركة استعملت المحامي العراقي أملا في أن علاقاته مع مسؤولين عراقيين بارزين، بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي، ستساعد «بلاك ووتر» على ضمان استمرار العمل داخل العراق.

وقال الكثير من المسؤولين، إن المحامي العراقي هو جعفر الموسوي، الذي كان من قبل المدعي الرئيسي في محاكمة صدام حسين.

وكانت الوثيقة الثانية ردا من مسؤول بارز داخل السفارة، وهي عبارة عن رسالة تحذيرية تحذر مسؤولي شركة «بلاك ووتر» من عدم تقديم رشى إلى الحكومة العراقية، حسب ما قاله المسؤولون، وخلال مقابلة داخل بغداد الجمعة، قال موسوي إنه في فبراير (شباط) عمل مع مسؤولين بارزين داخل شركة «بلاك ووتر» من أجل إنفاق ما يصل إلى مليون دولار لتعويض عائلات ضحايا ميدان النسور، وقال إنه تشاور مع المالكي بخصوص هذه المدفوعات، وقال موسوي: «قال انطلق وساعد فهؤلاء فقراء».

وبعد أن أكد أن 40 عائلة حصلت على مجمل 800 ألف دولار تقريبا، أضاف أنه يعتقد أن «بلاك ووتر» كانت تأمل في أن يساعد هذا التعويض على «ترطيب الموقف مع الحكومة العراقية والحصول على الترخيص».

ولكنه قال، إنه لا علم لديه عن أي جهود بذلها المسؤولون التنفيذيون داخل شركة «بلاك ووتر» لتقديم رشى إلى مسؤولين عراقيين، وإن التقارير الإخبارية اعتبرت الغرض من تقديم أموال إلى الضحايا هو تعمد تقديم رشى. وكان الكثير من المسؤولين السابقين داخل شركة «بلاك ووتر» قد ذكروا لـ«نيويورك تايمز» أن رئيس «بلاك ووتر» آنذاك غاري جاكسون سمح بنحو مليون دولار في صورة مدفوعات تقدم لمسؤولين عراقيين، مع تخصيص نسبة صغيرة للضحايا، وعلى الرغم من أن الوثيقتين الحكوميتين لا تقدمان دليلا على أن شركة «بلاك ووتر» دفعت أموالا إلى أي مسؤول عراقي، يقول المسؤولون الأميركيون الذين راجعوهما إنهما تشيران إلى أن مسؤولين داخل سفارة الولايات المتحدة في بغداد كانوا يشعرون بالقلق بخصوص نوايا «بلاك ووتر»، ولذا وجهوا التحذير إلى الشركة.

ورفضت متحدثة باسم وزارة العدل التعليق على هذا الأمر، وكذلك رفضت ستاسي ديلوك، وهي متحدثة باسم شركة «بلاك ووتر» التي يطلق عليها حاليا «زي للخدمات» وتتخذ من مويوك بولاية كارولينا الشمالية مقرا لها، الرد على طلب للتعليق على هذا الأمر.

ولا يزال التحقيق حول الرشى في المراحل الأولى، حسب ما ذكره مسؤولون، على إطلاق التحقيق، وأضافوا أن المحامين في قسم المخالفات بوزارة العدل في مقر واشنطن كانوا يعملون مع مدعين فيدراليين داخل ولاية كارولينا الشمالية، حيث بدأت هيئة محلفين موسعة فيدرالية بالتحقيق في أنشطة «بلاك ووتر» منذ عدة أعوام، وقال الكثير من المسؤولين إن وزارة العدل تتعاون مع التحقيق حول الرشى.

ويشار إلى أن حادث ساحة النسور أثار حالة شديدة من الغضب بين العراقيين، وهدد مسؤولون داخل بغداد بطرد شركة «بلاك ووتر» خارج البلاد، وفي ذلك الوقت، كان لدى الشركة الأمنية عقود داخل العراق مع وزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات سنويا.

وقال أهالي ضحايا حادث ميدان النسور خلال مقابلات أجريت معهم، إن موسوي اجتمع معهم ورتب لتقديم تعويضات مالية نيابة عن شركة «بلاك ووتر»، وقال العراقيون إن أميركيا يدعى ريتش كان يأتي في بعض الأحيان مع موسوي.

وذكر كثير من المسؤولين الأميركيين أن الرجل هو ريتش غارنر، الذي كان يشغل حينها منصب مدير «بلاك ووتر» داخل العراق، وقال مسؤولون سابقون من قبل، إن الأموال التي سمح بإعطائها سرا لمسؤولين عراقيين ذهبت إلى غارنر في بغداد من مكتب الشركة داخل عمان في الأردن.

وكانت شركة «بلاك ووتر» قادرة على الإبقاء على تعاقدها مع وزارة الخارجية الأميركية داخل العراق لقرابة عامين من دون الحصول على إجازة عمل، قال مسؤولون عراقيون عنها إنها ستكون حتمية، وفي مايو (أيار)، خسرت شركة «بلاك ووتر» الصفقة أخيرا، ولكن لا تزال الشركة تقدم خدمات أمنية دبلوماسية لوزارة الخارجية داخل أفغانستان.

وعلى الرغم من أنه يبدو أن تحقيق وزارة العدل يركز على مزاعم محددة بخصوص تقديم رشى بعد حادث إطلاق النار في ميدان النسور، قال مسؤولون سابقون كثر كانوا يعملون داخل شركة «بلاك ووتر» إن هذه التحويلات محل التساؤلات كانت كثيرة داخل «بلاك ووتر».

وخلال مقابلات أجريت معهم، وصف مسؤولون سابقون في «بلاك ووتر» كيف كانت الشركة ترسل على مدار الأعوام ملايين الدولارات نقدا إلى العراق، دائما ما كانت تحمل باليد داخل حقائق ورقية، واحتفظت بسجلات قليلة للغاية تتعلق بالتحويلات المالية.

وقال بعض الموظفين السابقين للمدعين، إنهم لا يمكنهم تحديد هوية الحاصلين على الأموال، فيما قال آخرون، إن الأموال ذهبت من أجل تقديم رشى لمسؤولين عراقيين، وذلك حسب ما ذكره مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون ومحامون من الخارج على اطلاع بالقضية.

* خدمة «نيويورك تايمز»