«طريقة الاحتفال» بذكرى اغتيال الحريري موضع تجاذب.. و«المستقبل» يريدها استمرارا لشعارات «ثورة الأرز»

بري لـ«الشرق الأوسط»: بحثت مع رئيس الحكومة كل القضايا عدا شكل الذكرى

TT

ما يزال شكل إحياء ذكرى اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري، موضع تجاذب لبناني داخلي في ضوء الاصطفافات السياسية الجديدة التي شهدت انتقال النائب وليد جنبلاط وكتلته النيابية إلى موقع الوسط، بالإضافة إلى أجواء الهدوء السياسي القائم منذ انتهاء الانتخابات النيابية الأخيرة وتأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد رفيق الحريري.

وفيما تدفع بعض القوى إلى تحويل الاحتفال السنوي بالذكرى التي تحل في 14 فبراير (شباط) الحالي، إلى احتفال «هادئ» يتناسب مع أجواء التهدئة القائمة، تدافع قوى أخرى في «14 آذار» عن إقامة الذكرى كالمعتاد، بالرغم من مخاطر إصابة بعض الكلمات والحضور الشعبي الهدوء السياسي بـ«أضرار»، وفيما بين الفريقين المذكورين، يؤكد مقربون من رئيس الحكومة أن هذه الذكرى «مناسبة وطنية» جامعة، فإذا اقترب إليها الآخرون فهم مرحب بهم، أما أصحاب هذه الذكرى فهم ما زالوا عند المبادئ التي دافعوا عنها طوال السنوات الماضية.

وكان الرئيس بري أبدى لـ«الشرق الأوسط» ارتياحه إلى مجريات اللقاء الذي جمعه ورئيس الحكومة سعد الحريري. مشيرا إلى أن البحث تطرق إلى كل القضايا ما عدا شكل الاحتفال بذكرى الرئيس الراحل رفيق الحريري. وقال بري إنه رغم استعداده للمشاركة في مناسبة وطنية جامعة في ذكرى اغتيال الرئيس الحريري في 14 فبراير، فإنه يفضل أن لا يعطي رأيه في كيفية الاحتفال بهذه الذكرى، وإن كان يتمناها ذكرى جامعة. وذكر بري بأن حركة «أمل» التي يرأسها تحيي ذكرى الاغتيال سنويا، منذ عام 2005 وحتى اليوم.

وفي المقابل، أكد عضو كتلة «المستقبل» النيابية زياد القادري لـ«الشرق الأوسط» وجود رغبة أكيدة لدى الحريري في الاستقرار وإعادة وصل ما انقطع بين اللبنانيين، مشيرا إلى أن الحريري انتظر 5 أشهر ليتمكن من تأليف حكومة وحدة وطنية انطلاقا من هذه الرغبة. وقال القادري إن تيار «المستقبل» يعتبر أن القضية التي يحملها فريق «14 آذار» لم تمت، وأن كل ما ناضل من أجله هذا الفريق من سيادة واستقلال، وكل ما حققه من مكاسب وطنية «ليست لفريق دون آخر». مشددا على التزام فريق (14 آذار) العناوين نفسها التي حملها منذ انطلاق (ثورة الأرز) والقضية التي ناضل من أجلها وأن شعلة انتصار لبنان لم تخمد»، مشيرا إلى أن هذه العناوين هي نفسها التي ناضل من أجلها صاحب الذكرى قبل استشهاده. وأضاف: «إذا رأى فريق سياسي لبناني نفسه قريبا من هذه العناوين، فأهلا وسهلا به»، مشيرا إلى أننا «لم نستثن أحدا من الدعوة للمشاركة في إحياء الذكرى، وكنا نرسل الدعوات إلى الجميع من دون استثناء طوال السنوات الماضية رغم كل التشنج السياسي - وغير السياسي - الذي كان سائدا».

لكن القادري يشدد في المقابل على أن الذكرى «ليست مناسبة اجتماعية»، رافضا محاولات تفريغها من مضمونها»، مشددا على أنها «ذكرى رجل وطني كبير سقط دفاعا عن مبادئ نحن ما زلنا ندافع عنها ونتمسك بها»، مشددا على ضرورة الاستمرار في العمل من أجل حماية الانجازات التي تحققت لكل لبنان، وفي حماية مشروع العبور إلى الدولة وحماية استقلال لبنان وعروبته». وجزم القادري بأن الذكرى لن «تتحول إلى مناسبة اجتماعية، أو ذكرى للمجاملة الاجتماعية»، مشددا في المقابل على أنها لن تكون أيضا مناسبة للاصطفافات السياسية وإعادة الخنادق إلى الحياة السياسية في لبنان من جديد».

إلى ذلك، وصف رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، شعار «العبور إلى الدولة» الذي رفعته قوى «14 آذار» بأنه «شعار جميل، لا يمكن إلا أن نكون معه، ولكن لطالما كان هناك تمييز بين الشعارات والتطبيق»، فأين يكون العبور إلى الدولة في ظل المحميات الطائفية والمذهبية، التي تقف سدا منيعا في وجه أي محاولة إصلاحية حقيقية، وقد رأينا حالات الرفض شبه الجماعي على مجرد طرح تطبيق الدستور بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية» ورأى أن «الشعارات جميلة اليوم، ولكنها لطالما اصطدمت بجدران سميكة من الرفض، فالتجربة الإصلاحية التي قادتها الحركة الوطنية اللبنانية واليسار اللبناني بقيادة كمال جنبلاط، أصيبت بنكسات متتالية نتيجة وجود شبكات المصالح الدينية والفئوية والمالية التي تعترض على أي تغيير في البنية الطائفية للنظام السياسي اللبناني». وأضاف «الشعارات جميلة، ولكن التجارب أثبتت عكسها بصورة مستمرة، فأين مشروع الزواج المدني الاختياري الذي أجهض في مهده، في الوقت الذي كان من الممكن أن يشكل مدخلا جديا للتغيير، وأن يتيح للشباب اللبناني أن يمارسوا حريتهم في الاختيار طالما أن هذه الفرصة متوفرة لهم في الخارج ومعترف بنتائجها ومفاعيلها القانونية في لبنان؟! وماذا عن خفض سن الاقتراع الذي ينصف شرائح شبابية واسعة ويعطيها الحق في التعبير عن رأيها السياسي والوطني في المحطات الانتخابية، فيتم الهروب من هذا الطرح تحت مسميات ومبررات مختلفة من هنا وهناك، هل ينسى أو يتناسى البعض بأنه سيتاح لهذه الفئات الشبابية التصويت بعد ثلاث سنوات، فما الفرق؟ يبدو أن الحل الأمثل هو التكيف مع الحالة الراهنة التي يمكن تسميتها بفدرالية الطوائف».

وأكد المفوض الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس «أننا معنيون بإحياء ذكرى 14 فبراير، وهي تعنينا كحزب اشتراكي وتعني رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط شخصيا»، آملا «أن تكون فرصة لتكريس المناخ الوطني الموجود في حكومة الوحدة الوطنية».وعن مشاركة جنبلاط في الذكرى، لفت الريس إلى أن شكل المشاركة يحدد بحسب شكل المهرجان وطبيعته، مشددا على أن «رفيق الحريري هو شهيد كل لبنان»، مشيرا إلى أن العودة إلى الوقائع التاريخية تؤكد عمق العلاقة التي كانت قائمة بين جنبلاط ورفيق الحريري، وأيضا الدور الذي أداه جنبلاط بعد اغتيال الحريري.

واعتبر عضو تكتل «لبنان أولا» النائب أحمد فتفت «أن ما شهده البريستول يعد من أفضل اللقاءات التي جرت، فحتى في الأيام الصعبة لم نشهد إجماعا وتقاربا إلى هذا الحد بين الأطراف الحاضرة، لذا علينا معرفة كيفية الحفاظ على مكتسبات (14 آذار)»، ورأى أن من حق رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط التغيب عن الاجتماع تماشيا مع مقتضيات مصلحته السياسية الخاصة، وقال «بيد أن ما أدهشني هو غياب بعض النواب المسيحيين في (اللقاء الديمقراطي) بعدما كنا على علم بحضورهم، لكن يبدو اللقاء الذي عقده جنبلاط قبل ظهر الأحد مع كتلته قد أثر على مشاركتهم». وتعليقا على دعوة جنبلاط إلى أن يكون التجمع في ذكرى «14 فبراير» وطنيا، أوضح فتفت: «في الأساس، هذه الذكرى وطنية، فاغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وقع نظرا لما يمثله هذا الرجل من مشروع وطني لبناني وانطلاقا من الانجازات التي قدمها لوطنه وللشعب اللبناني كافة، بالتالي المشاركة في 14 فبراير لم تكن يوما فئوية». وأشار فتفت إلى أنه «إذا كان المقصود من كلام جنبلاط أن تعبّر (14 آذار) عن مطالب وطنية، فهذا ما تعبر عنه فعلا منذ قيامها. أما إذا كان المقصود هو المشاركة الشكلية للإشارة إلى زوال أي خلاف داخلي، فهذا الكلام غير دقيق. ونحن نعلم جيدا وجود طروحات مختلفة ضمن الداخل اللبناني لو أن الحكومة (حكومة وحدة وطنية)، لذا لابد من التعبير عن هذا التنوع، ولكل جهة الحق في الإفصاح عن موقفها».

وأعلنت حركة «التجدد الديمقراطي» التي يرأسها الوزير السابق نسيب لحود، والتي قاطعت اجتماع قوى الأكثرية أول من أمس، أنها لا تنظر بسلبية إلى معظم النقاط التي وردت في البيان الصادر عن اجتماع الأحد الماضي في البريستول، وأكدت في اجتماع لها بعد جلستها الأسبوعية برئاسة رئيسها نسيب لحود أن «أزمة (14 آذار) لا تكمن في النصوص بل في الإدارة الموسمية والمتقطعة لهذا التجمع وعجزه حتى الآن عن مراجعة تجربته وخصوصا الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها بعض أفرقائه، والتي لا شك أنها انعكست سلبا على مجمل أداء هذا اللقاء وأدت إلى خلق هوة بينه وبين الجمهور العريض والمتفاني الذي احتضنه منذ لحظة انطلاقته». وأكدت حركة التجدد، «التي لم تتوان عن الدفع باتجاه هذه الإصلاحات من داخل (14 آذار) وتقديم الاقتراحات المتعاقبة في شأنها»، أن «الطريق الأقصر لمعالجة أزمة (14 آذار) ليست في عقد الاجتماعات الموسمية بل في الانكباب على ورشة عمل إصلاحية».