محاكمة قيادي معارض في ماليزيا.. قد تغير الساحة السياسية

أنور إبراهيم متهم بالشذوذ الجنسي ومستقبله السياسي على المحك

TT

خلال أكثر من ثلاثة عقود وسط المعترك السياسي، قضى أنور إبراهيم شطرا كبيرا من هذه المدة خلف القضبان، بدءا من اعتقاله عندما كان زعيما طلابيا يلهب المشاعر في السبعينات، وصولا إلى سجنه قبل عقد بتهمته التعسف في استخدام السلطة والشذوذ الجنسي. واليوم، تبدأ محاكمة جديدة لأنور، الذي يبلغ من العمر 62 عاما، ويتمتع بشخصية كاريزمية، وقدرة على الاستقطاب، ويتولى قيادة المعارضة الناهضة داخل ماليزيا.

متهم من جديد هذه المرة، ولكن التهمة مكررة، وهي الشذوذ الجنسي. ويمكن أن تؤدي الإدانة هذه المرة إلى إنهاء حياة أنور السياسية، وإعادة تشكيل الساحة السياسية الماليزية. وبالنسبة إلى المواطنين الماليزيين، الذين يبلغ عددهم 26 مليون نسمة، تعد هذه المحاكمة الفصل الأخير في صراع مرير على السلطة بين الائتلاف الحاكم، الذي يتولى مقاليد الحكم منذ الاستقلال عن بريطانيا قبل أكثر من أربعة عقود، والأحزاب المعارضة المتعددة والصاعدة.

يقول إبراهيم سفيان، مدير مركز «ميرديكا»، وهو مركز استطلاعي مستقل في ماليزيا: «هذه قضية داخل المحكمة، ومعركة رأي عام في الوقت نفسه». وجّه التهمة سيف البخاري أصلان، وهو رجل في أوائل العشرينات من عمره، كان عاملا سابقا في حملة أنور الانتخابية. وهناك حالة من الحذر في التعامل مع هذه المحاكمة من جانب الكثيرين الذين يتذكرون المحاكمة الأولى التي تمت قبل عقد، عندما قدم ثوب ملطخ كدليل، وامتلأت الصحف بنقاشات وأقاويل تناولت تفاصيل هذه العلاقة الجنسية. ويسيطر الائتلاف الحاكم على أكبر الصحف ومحطات التلفزيون التي كانت تروج لإصدار قرار إدانة ضد أنور.

وهذه المرة، من المحتمل أن تصرف المحاكمة الانتباه عن الخلافات الطائفية والمشكلات الاقتصادية داخل البلاد. وكانت الكنائس والمساجد قد تعرضت لهجمات خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب قضية السماح لغير المسلمين باستخدام كلمة «الله» للإشارة إلى الرب. وتعد العاصمة الماليزية كوالالمبور عاصمة عصرية، وينظر إلى النخبة كثيرة الترحال في مختلف أنحاء العالم على أنهم مجموعة حضرية. ومع ذلك، لم يكن ثمة اهتمام بقضية إلغاء الحظر على الشذوذ الجنسي خارج مجموعة صغيرة من الناشطين. ويذكر أنه داخل الهند، التي تأخذ الكثير من القوانين من ميراثها الاستعماري البريطاني، نُقض العام الماضي حظر مشابه من قبل إحدى المحاكم، بعد اعتبار أنه ينضوي على تمييز.

وداخل ماليزيا، لا يسمح بالشذوذ الجنسي أو «الجماع الجسدي عكس نظام الطبيعة»، كما يُوصف في قانون العقوبات، وتصل العقوبة على هذا الأمر إلى السجن لمدة 20 عاما. وحتى لو قضى أنور، رئيس حزب عدالة الشعب، فترة قصيرة نسبيا داخل الحبس، فإنه سوف يُفضي إلى تهميشه سياسيا لمدة طويلة. كما أن أي حكم بالسجن لأكثر من عام سوف يؤدي تلقائيا إلى حظر شغل أي منصب سياسي لمدة خمسة أعوام، بدءا من إطلاق سراح المدان.

وقال أنور خلال حديث أجري معه عبر الهاتف يوم الجمعة: «يعلم المواطنون أننا لن نحصل على محاكمة نزيهة»، وأضاف بنبرته القتالية المعهودة: «الحزب مستعد»، ولم يعط أنور تفاصيل حول استعدادات المعارضة، غير أنه قال إن خطة طوارئ جاهزة لاختيار خليفة في حال إدانته.

وخلال فترة سجنه الماضية، خاضت زوجته عزيزة إسماعيل الانتخابات للفوز بمقعده، وتمكنت من تحقيق ذلك. ويتطلع بعض المناصرين إلى خلافة ابنته نور العزة إياه في القيادة، التي فازت في الانتخابات البرلمانية قبل عامين. يُذكر أن أنور لعب دورا مهما في الجمع بين ائتلاف معارض متعدد الأطياف، يتكون من حزبه المتعدد الأعراق والحزب الإسلامي الماليزي المحافظ وحزب العمل الديمقراطي اليساري، والذي تكون في الأساس من أصول صينية.

وسيمثل غياب أنور تحديا كبيرا أمام المعارضة خلال سعيها للفوز بالسلطة. ولكن إبراهيم سفيان يعتقد، ومعه محللون آخرون، أن ذلك قد يعزز من شعبية المعارضة، ولا سيما إذا نظر المواطنون إلى أنور على أنه ضحية لحملة تشويه حكومية ومحاكمة تفتقر إلى النزاهة.

ويمكن أن يضمن التعاطف مع أنوار أصوات مهمة بين مجموعته العرقية، وهم الملايو، ويقوِّي من ولاء الأقليات الهندية والصينية. وقد جاب أنور البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، وتحدث أمام جموع غفيرة وانتقد الحكومة. وقال أنور خلال الحديث الهاتفي: «سنعمد إلى الهجوم، فنحن نتعامل مع نظام قمعي للغاية». وقد ألِف أنور دور الضحية خلال حياته السياسية. ويُشار إلى أنه قضى قرابة عامين رهن الاعتقال من دون محاكمة خلال السبعينات، عندما قاد حركة طلابية إسلامية محافظة ضد الحكومة، وسُجن لستة أعوام بسبب إدانته بالشذوذ الجنسي، وسوء استخدام السلطة في محاولة للتغطية على المزاعم. ونقضت الإدانة بممارسة الشذوذ الجنسي عام 2004، ورفضت الاستئنافات الخاصة بالتعسف في استخدام السلطة في النهاية.

وعلى عكس المعارك القانونية السابقة، أمام أنور حاليا ميزة إثارة قضيته على الإنترنت، الذي يبقى مساحة حرة نسبيا داخل ماليزيا، وعلى الكثير من المدونات والمواقع الإخبارية البعيدة عن الرقابة الحكومية. ويبدو أنه حتى الآن يحظى أنور بجمهور ينصت إليه، حيث أظهر استطلاع للرأي أنه لا يصدق تهمة ممارسة الشذوذ الجنسي التي أُعلن عنها قبل عامين سوى 11 في المائة ممن استطلعت آراؤهم عقب الإعلان عن التهمة مباشرة.

ويوم الجمعة، واجه أنور عقبة قبل المحاكمة، حيث منعته المحكمة الماليزية العليا من الاطلاع على أدلة جمعها الادعاء، قال محاموه إن هذه الأدلة مهمة في الدفاع عنه. ويقول عبد الحميد إمبونغ، وهو قاض في المحكمة الفيدرالية، بخصوص المنع من الاطلاع على الأدلة: «غير مخول لمستأنف الدعوى أن يعرف الطريقة التي ينوي المدعي عرض الحقائق بها، فهذا حق محصور على الادعاء». وقال سانكرا ناير، وهو في عضو هيئة الدفاع عن أنور، خلال مقابلة أجريت معه يوم السبت، بأن أنور طلب إرجاء المحاكمة يوم الثلاثاء، لأنه لم يتم الرد على طلب تمهيدي لرفض النظر في القضية.

*خدمة «نيويورك تايمز»