اتهام السفن الأجنبية بتضييع الوقت في البحث عن الضحايا.. ومصدر في حزب الله يتخوف من مسح أميركي

وزير الأشغال اللبناني: نفعل ما يرضي ضمائرنا ولم ندفع أي قرش

العلمان اللبناني والإثيوبي غرسا أمس إلى جانب الزهور على شاطئ خلدة قبالة الموقع الذي سقطت فيه الطائرة الإثيوبية المنكوبة (رويترز)
TT

في اليوم الثامن على حادث الطائرة الإثيوبية المنكوبة، سادت أجواء عصبية في لبنان، بعد أن فشلت الباخرة العسكرية الأميركية ومعها باخرة «أوشن آلرت» التي تجوب البحر مسحا وتصويرا، في تحديد مكان الصندوق الأسود. وتوهج الغضب بعد أن طفت إحدى الجثث وبعض الأشلاء مقابل شاطئ الناعمة يوم أمس، ليبدو للكثير من المراقبين وكأن السفن الأجنبية المستجلبة تضيع الوقت أو أنها لا تقوم بعملها على النحو المطلوب، وأنها تنتظر أن تطفو الجثث بمفردها ليتم التقاطها. ووصل البعض إلى حد اعتبار أن السفن الغربية تغتنم الفرصة لتصور الشاطئ والأعماق التي يطل عليها حزب الله، خاصة أن هذه المنطقة البحرية ستكون موقعا محتملا، في أي معركة مقبلة بين الحزب وإسرائيل. وهذه فرصة ذهبية للأميركيين. ويقول أحد المعلقين في الجنوب: «حتى لو عثروا على الطائرة، فلن يعلنوا عن ذلك، وسيكملون بحثهم. لن يتركوا شاردة ولا واردة من دون أن يصوروها، لن تأتيهم الفرصة مرة ثانية لتصوير هذا الشاطئ، الذي منه انطلق صاروخ حزب الله إلى البارجة الإسرائيلية عام 2006. هم يعملون بمفردهم بدون وجود أي ضابط لبناني معهم على متن الباخرة». الإعلان عن إمكانات كبيرة للسفن الأجنبية المستقدمة، مقابل نتائج تساوي صفرا بعد ثمانية أيام من البحث، أمر ألهب الأسئلة، ولم يقنع الأهالي، الذين يقول بعضهم: «لو تركونا نأخذ مراكب ونفتش عن أولادنا بأنفسنا لكنا عثرنا عليهم». محمد السارجي، نقيب الغواصين اللبنانيين، لا يخفي غضبه، ويقول بأن «الفشل الذريع الذي منيت به البواخر الأجنبية، ليس صدفة، فهي تفتش في المكان الذي لم تغرق فيه الطائرة أصلا». فأنا أتابع عملها يوميا «هنا، من على الشاطئ، وأستطيع أن أقول بأنها لا تقوم بعمل ممنهج، وأن ثمة شكا» إما في قدراتها التقنية، أو في طريقة عملها العشوائية. فمن ناحية كانت تبحث في خلدة ثم رأيناها تذهب شمالا «إلى المنارة مقابل بيروت، ثم تعود إلى خلدة. هذا معناه أن العمل عشوائي إلى حد كبير». ويقول السارجي: «المسألة ليست معقدة. تحديد موقع الطائرة ليس عصيا» إلى الحد الذي يوهموننا به. سقطت الطائرة وكانت هناك عاصفة آتية من الجنوب الغربي أي من جهة صيدا، فقذفت الجثث التي وجدت بعد ساعة تقريبا من سقوط الطائرة جهة خلدة. هذا يعني أن مصدر الجثث هو جنوبي منطقة خلدة، فلماذا يبحثون شمال خلده ويصلون إلى بيروت؟! يكفي أن نتبع خط الجثث حيث عثر عليها ونتجه جنوبا، لنعثر على حطام الطائرة. لقد رسمت الجثث ما يشبه الطريق إلى مكان الطائرة وهذا ما يتجاهله الباحثون اليوم. ويكمل السارجي: «اليوم عثر على جثة في منطقة الناعمة على بعد 4 كلم عن الشاطئ حيث العمق 38 مترا». ونحن نسأل لماذا لا يتركوننا نحن كنقابة غواصين نمسح هذه المنطقة من الشاطئ، من سان سيمون إلى الناعمة، بواسطة 15 أو 20 قاربا، قد لا نجد شيئا، وقد نجد عشرات الجثث في هذه البقعة. أما أن يعثر على 15 جثة فقط، من أصل 90 رغم كل الإمكانات التقنية التي استجلبت، وهي التي طفت وحدها على سطح البحر، فهذا أمر يدعو للحيرة.

كلام كثير بدأ يدور حول كلفة البواخر المستقدمة، وأن تكلفتها تحسب بالساعة، وأن ثمة منتفعين من استقدامها، في إحدى الوزارات.. وأن العقود التي أبرمت معها ستصب في جيب من عقد الصفقة. وثمة كلام أيضا عن أن إثيوبيا عرضت مساعدة تقنية تم رفضها، وأن باخرة كانت قدمتها إيطاليا للبنان، تتمتع بتقنيات عالية، لم يتم استخدامها على الإطلاق. وهناك من يعتقد أن وصول البواخر الأجنبية إلى منطقة المنارة، مقابل بيروت دون مبرر لذلك، هو للعثور على طائرة فقدت عام 1974، في تلك المنطقة وعلى متنها 600 كيلو من الذهب، غالبا ما تتردد البواخر للبحث عنها هناك، علها تعثر على الكنز المفقود.

أقاويل يقول عنها وزير الأشغال العامة غازي ألعريضي بأنها غير مسؤولة، ويضيف: «الباخرة الإيطالية التي يملكها لبنان لا تتمتع بالتقنيات العالية التي استقدمناها. لقد قمنا بكل ما بوسعنا لنرضي ضميرنا. الآن يقولون بأننا ندفع أموالا» كثيرة باستقدام سفن أجنبية، ولو أننا لم نستقدمها لقالوا أننا نبخل ولا نفكر بالضحايا. وسأقول بوضوح بأننا لم ندفع أي قرش لغاية الآن، وأن الإثيوبيين لم يقدموا عرضا «بأي مساعدة تقنية لنرفضه». ويشرح العريضي: يتحدثون عن تخبط في البحث بسبب انتقال عمليات البواخر من خلده إلى المنارة. عرفنا أن ثمة أجساما «شبيهة بطائرة في المنارة وذهبت البواخر لتبحث وتتقصى، أوليس هذا ما يجب أن نفعله؟» وعن سبب عدم السماح للمتطوعين الغواصين ونقابة الغواصين بالبحث، يقول العريضي: «من قال إننا لم نلجأ إلى الغواصين، لكن الذين يعملون هم مغاوير الجيش وغواصو الدفاع المدني. هل هناك شك بمهنيتهم؟ وهل علينا أن نترك كل من يريد أن يتطوع، بأن ينزل ويبحث على كيفه». كما ينفي الوزير العريضي أن تكون النفايات الكثيرة الموجودة في البحر من مخلفات الحرب والسفن القديمة الغارقة سببا «في تأخير العثور على الباخرة، وخاصة أن التكنولوجيا المتوفرة متطورة للغاية».

كلام الوزير العريضي، لا ينهي حالة الشك التي تسود، والأسئلة الكثيرة التي تطرح. المتخصص في السلامة البحرية والمائية، الغواص زياد الحلبي يجد أنه من غير المنطقي عدم العثور على بقايا الطائرة، أو حتى تحديد مكانها لغاية اللحظة مع توفر تكنولوجيا عالية المستوى حتى ولو كانت المخلفات المعدنية كثيرة في البحر اللبناني، لكنه يرجح أن تكون البواخر قد عثرت على حطام الطائرة على عمق 1300 متر كما أعلن سابقا. وهو غور سحيق من الصعب انتشال أجسام كبيرة منه. ويضيف الحلبي: هناك محاولة لتمضية الوقت. مصارحة الأهالي بأن استعادة أبنائهم بات أمرا «مستحيلا»، سيكون وقعه صعبا «على الرأي العام». ويستشهد الحلبي بالغواصة الروسية «كورسك» التي غرقت منذ خمس سنوات على عمق 108 أمتار وفيها أحياء لم يتمكن أحد من الوصول إليهم، واستدعى الأمر تصنيع سفينة خاصة، استغرق إعدادها ستة أشهر، للتمكن من انتشال الغواصة. فكيف سيكون الأمر حين نتحدث عن 1300 متر؟