مقتل حكيم الله محسود ضربة قوية لطالبان باكستان

محللون يقولون إنه إذا ثبتت وفاته تكون جذور الحركة قد اجتثت

حكيم الله محسود
TT

تركت الأنباء المتعلقة بموت زعيم حركة طالبان الباكستانية، الحركة الإسلامية التي تتبنى العنف المعروفة بصلتها بتنظيم القاعدة، الحركة في حالة ارتباك، خاصة في ظل تراجع مسلحيها أمام الجيش الباكستاني، وانخفاض معدلات التعاطف الشعبي معها. وعلى الرغم من أن حركة طالبان باكستان كانت تبدي مقاومة في الماضي، فإن المحللين الباكستانيين يقولون إنه سيكون من الصعب على الجماعة أن تتعافى خلال وقت قصير من آثار خسارتها لحكيم الله محسود الذي تشير الأنباء إلى مقتله في قرية بشمال غربي باكستان إثر حروق وإصابات أصيب بها خلال هجمات صاروخية شنتها طائرات «الدرون» الأميركية في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي.

وكانت الجماعة قد فقدت قائدها بيت الله محسود في هجمة أخرى بطائرات «الدرون» في أغسطس (آب) الماضي. وخلال الأشهر الماضية، تم استدراجهم خارج معاقلهم وعزلهم عن شيوخ قبيلة محسود الذين تتفاوض معهم الحكومة على تسليم قيادات طالبان التي تمكنت من النجاة.

ويقول امتياز غول مير من مركز الأبحاث والدراسات الأمنية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد: «إذا ثبت موته، ستكون ضربة قوية. ففي وقت من الأوقات، كان لدى طالبان كثير من الزخم والشخصيات الكاريزمية. ولكن جذورها قد اجتثت الآن وفقدت مصداقيتها». من جهة أخرى، يقول بعض المعلقين إنه على الرغم من الخسائر الأخيرة، فإن طالبان باكستان ما زالت نشطة إلى حد كبير، وما زال لديها ميليشيات قاسية ذات أجندة دينية قوية انعكست من خلال قدرتها المتكررة على التعافي من النكسات التي منيت بها. وخلال الأعوام القليلة الماضية، تمكنت الجماعة من أن تتحول من قوة قبلية بدائية إلى حركة تمرد متقدمة قادرة على مهاجمة أهداف مهمة، والتعاون مع الجماعات المسلحة الأخرى بما فيها تنظيم القاعدة. وقد حذر بعض المراقبين يوم الاثنين من أنه إذا كان محسود قد توفي، فربما تحاول طالبان شن هجمات انتقامية وتعزيز العمليات الانتحارية التي تقوم بها لكي تؤكد أنها لم تضعف. كانت طالبان تتمتع قبل ذلك بتأييد قطاع واسع من الباكستانيين بما في ذلك الجماعات الدينية والمواطنون في المناطق القبلية الذين كانوا يشعرون بأنهم معزولون عن الدولة. ولكن عملية القمع الوحشية التي مارستها الجماعة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها بالإضافة إلى الهجمات التي شنتها على المدنيين والأهداف العسكرية تسببت في خسارتها لذلك التأييد الشعبي، وفقا لاستطلاعات الرأي والمحللين. وحتى الآن لم يؤكد المسؤولون الباكستانيون رسميا وفاة محسود ولكن كانت هناك مؤشرات أول من أمس تشير إلى أن كلا الجانبين يتعامل مع فرضية أن حركة طالبان باكستان تبحث عن زعيم جديد. يذكر أن محسود الذي نفذت جماعته عشرات العمليات الانتحارية، كان يعرف بعدو باكستان الأول بعدما تولى قيادة حركة طالبان باكستان خلال العام الماضي، كما أنه كان هدفا لملاحقات مكثفة بطائرات «الدرون» التابعة للاستخبارات الأميركية. وقد ازدادت تلك الهجمات الجوية بعد 30 ديسمبر (كانون الأول)، عندما قام الانتحاري الأردني بمهاجمة قاعدة تابعة للاستخبارات الأميركية في أفغانستان، ما أسفر عن مقتل خمسة من الموظفين بالاستخبارات، واثنين من المتعهدين التابعين للاستخبارات الأميركية، وأحد الضباط في الاستخبارات الأردنية. وقد بيّن شريط فيديو ظهر لاحقا الانتحاري وهو يلتقي بحكيم الله محسود ويدعو جميع المسلمين للأخذ بثأر بيت الله محسود.

ويقول غول إن الكشف عن علاقة محسود بالهجوم على القاعدة التابعة للاستخبارات الأميركية في مقاطعة خوست كان يمثل «نقطة تحول حقيقية». فقد أصبح هدفا رئيسيا بعد ذلك. وقد أشارت تقارير ظهرت قبل يومين ولم تتأكد صحتها بعد إلى أن كريم الله محسود، المخطط الاستراتيجي لحركة طالبان والبديل المحتمل لزعامتها، جرح أيضا وربما يكون قد قتل في هجمات طائرات «الدرون» التي وقعت منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقد توخت الهيئات الاستخباراتية الأميركية الحذر في تعليقاتها حول مصير حكيم الله محسود. وبعد يوم واحد من تأكيد أحد المسؤولين البارزين بالبيت الأبيض وفاته بنسبة 95%، رفض مسؤولون بمكافحة الإرهاب الإدلاء بتصريحات حول الموضوع ولكنهم أكدوا أن عمليات تقييم الموقف ما زالت جارية. وقال أحد المسؤولين الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته حتى يتمكن من مناقشة عمليات مكافحة الإرهاب السرية: «عليه أن يثبت أنه ما زال حيا وفي القيادة».

وقد اعترف المسؤول بأن هناك «عددا من التقارير» - التي جاءت من المناطق القبلية التي تشتمل على بعض الشهادات ذات المصداقية وإن كانت غير مؤكدة - قد أشارت إلى أن حكيم الله محسود ونائبه قد قتلا. وأضاف أنه على الرغم من أن خسارة الحركة لأكبر زعمائها لن تكون بالضرورة ذات تأثير خطير عليها، فإنها سوف تضر بلا شك بقدراتها العملياتية وتثير الاقتتال الداخلي بين الفصائل المتصارعة. وأضاف: «إذا أخبرت الفئات الدنيا من الحركة بأن قائدهم ربما يتغيب لفترة طويلة، فربما ينتهي الأمر نهاية سيئة».

من جهة أخرى، يقول أفراسياب هاتاك، السيناتور والزعيم السياسي للبشتون بجنوب غربي باكستان: «سواء على المستوى الرمزي أو الواقعي، فإن ما حدث يعد ضربة قوية. فقد فقدوا جزءا كبيرا من أراضيهم لصالح الجيش، كما تقلصت أعدادهم إلى حد كبير. وسيكونون بحاجة إلى البحث عن قائد جديد في وقت حرج للغاية».

مما لا شك فيه أن مقتل محسود سوف يمثل إنجازا كبيرا للجيش الذي فقد أكثر من 2200 رجل في المعركة ضد المسلحين الإسلاميين خلال السنوات الـ8 الماضية، الذي قال إن شن مزيد من العمليات الكبرى في منطقة القبائل بشمالي وزيرستان التي يعتقد أن مقاتلي طالبان قد فروا إليها أمر مستبعد. وقد أبلغ الجنرال أشفاق كياني، قائد الجيش الباكستاني، مجموعة من الصحافيين الأجانب أول من أمس أنه «بنشر 147 ألفا من القوات على مقربة من الحدود الأفغانية لمحاربة المسلحين الباكستانيين، ونحو 100 ألف متمركزين على الحدود الشرقية لباكستان مع خصمها الهند، فإن الجيش بأكمله منخرط في العمليات». وأضاف أن «قواتنا بحاجة إلى التدريب والراحة».

وفي جلسة مطولة بمقر قيادة الجيش في روالبندي، أعطى كياني وصفا مفصلا لعمليات الجيش الأخيرة في جنوبي وزيرستان بما في ذلك عمليات الإسقاط المروحية لمئات من الجنود على المرتفعات الشاهقة: «يجب القضاء على أسطورة سيطرة طالبان على المناطق القبلية الوعرة. فلا يمكننا التوقف وسط الطريق». وقد أعرب كياني الذي رفض مناقشة الأنباء المتعلقة بوفاة محسود عن رضاه بالتقدم الذي أحرزه الجيش ضد المسلحين، مؤكدا أن الحملة التي يشنها الجيش في الوقت الراهن تحظى بتأييد جماهيري كبير، وهو ما لم يحدث قبل ذلك. كما كرر خلال اللقاء: «تلك الحرب هي حربنا وليست حرب الولايات المتحدة».

وكانت قد وردت تقارير متضاربة حول مصير محسود خلال اليومين الماضيين، ولكن جميعها اتفق على تعرضه لإصابة خلال هجمة بطائرات «الدرون» في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، على الرغم من أنه لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك خلال الهجمة التي شنها الجيش في 14 يناير على معسكر للمسلحين بالقرب من الحدود الأفغانية أم خلال الهجمة التي شنها في 17 يناير التي استهدفت سيارتين قيل إن زعماء طالبان ينتقلون بهما.

وقد رفضت مصادر قبلية ومصادر بحركة طالبان تأكيد مقتل محسود ولكن أحد شيوخ منطقة أوراكزاي القبلية أكد يوم الاثنين نقل القائد قبل عدة أيام إلى قرية ماموزاي وهو فاقد للوعي ويعاني من حروق شديدة توفي على أثرها. وأضاف الشيخ الذي رفض الإفصاح عن هويته أن هناك نحو 15 شخصا حضروا جنازته المتواضعة.

وفي حوار أجري معه في بيشاور، قال الشيخ: «أؤكد لكم موت حكيم الله محسود ودفنه في ماموزاي قبل عدة أيام. فقد أحضر إلى هنا فاقدا للوعي، وكان نصف جسده مصابا بحروق خطيرة إثر المواد الكيماوية المنبعثة من الصاروخ. وقد أحضرت حركة طالبان له طبيبا، ولكن نقص المعدات والأدوات لم يمكن الطبيب من علاجه». وقد أصرّ مصدر بحركة طالبان في شمالي وزيرستان يوم الاثنين على أن محسود ما زال حيا، مؤكدا على أنه تحدث إليه هاتفيا يوم الأحد، ولكنه أقر بأنه أصيب بجروح خطيرة خلال هجمة «الدرون». وقال إن صحة محسود تدهورت وإنه كان يتلقى العلاج، ولكنه لم يوضح ما أسفرت عنه عمليات العلاج.

يعتقد بعض المحللين أن محسود الذي أسرع قبل عدة أسابيع إلى نفي التقارير التي أشارت إلى وفاته، إذا كان حيا لكان قد أصدر عدة بيانات تنفي وفاته. وكان محسود معروفا بدفاعه الدائم عن قضية طالبان، وبالتالي يعتقد المحللون أن امتناعه عن التعليق خلال الفترة الماضية هو أقوى دليل على وفاته.

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».