موسوي ناعيا الثورة: اعتقدت أن ثورة 1979 ستلغي الاستبداد والدكتاتورية.. لكنني كنت مخطئا

كروبي يرد على انتقادات شريعتمداري: افتح عينيك وانظر إلى ما يجري * إصلاحيون إيرانيون: الأزمة ولدت معارضة صريحة لأول مرة منذ 30 عاما

إيرانيات يبكين على رفات 9 من أقاربهن من الجنود الإيرانيين الذين قتلوا خلال الحرب العراقية الإيرانية وسلمت بغداد رفاتهم لذويهم امس عبر الحدود مع البصرة (أ ب)
TT

بينما تتصاعد درجة حرارة الوضع السياسي في إيران قبل نحو أسبوع من إحياء الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الإيرانية عام 1979، وجه زعيم المعارضة الإصلاحية، مير حسين موسوي، انتقادات شديدة للنظام الإيراني، قائلا إن «جذور الظلم والدكتاتورية ما زالت موجودة»، معتبرا أن الثورة الإسلامية «لم تحقق أهدافها» بإلغاء «الاستبداد» و«الطغيان» من البلاد. ويأتي ذلك بينما بدأت قوات الحرس الثوري والباسيج الإيرانية إعادة الانتشار الكثيف في العاصمة، طهران، والمدن الكبيرة مثل أصفهان، ومشهد، وشيراز، وكرمان، وذلك لإحكام السيطرة على تحركات المعارضين المتوقع أن يخرجوا بكثافة في 11 فبراير (شباط) الحالي لإحياء ذكرى الثورة. وقالت مصادر إيرانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن جامعات إيران خاصة: «جامعة طهران» و«أمير كبير» و«شريف صنعتي»، تحت ضغط شديد، وإن الكثير من الأساتذة المؤيدين للحركة الإصلاحية تمت إقالتهم أو إجبارهم على الاستقالة خلال الشهور القليلة الماضية منذ بدأ العام الدراسي في إيران. وقالت الناشطة والأكاديمية الإيرانية، زيبا مير حسيني، لـ«الشرق الأوسط»، إن الضغوط التي يتعرض لها الشارع الإيراني منذ أزمة الانتخابات أدت إلى «خلق معارضة صريحة للنظام، وهو تحول لافت بعد أكثر من ثلاثين عاما من غياب المعارضة الصريحة». وتابعت زيبا مير حسيني: «ولدت في إيران حركات معارضة تعمل فوق الأرض وحركات معارضة تعمل تحت الأرض، كما كان عليه الحال خلال عهد الشاه»، مشيرة إلى أن الحركة الخضراء تحولت «من حركة سياسية لمعارضة نتائج الانتخابات إلى حركة سياسية - اجتماعية أهدافها تتجاوز مجرد نتائج انتخابات الرئاسة. وأن التهديدات باعتقال هذا القائد أو ذاك لن يكون لها تأثير على الحركة الخضراء، لأنها حركة بلا رأس واحد، بل مئات الرؤوس».

فيما قال إصلاحي إيراني قريب من الحركة الخضراء إنه على الرغم من الضغوط الأمنية والسياسية الشديدة على المعارضين، فإن السلطات هي من يعاني أكثر، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «أحمدي نجاد والمقربون منه والمرشد الأعلى والمقربون منه في حالة مستمرة من الخوف. أمامنا 4 أشهر لإحياء الذكرى الأولى لانتخابات الرئاسة، لكن على الرغم من ذلك ما زالت الأجواء في إيران مضطربة جدا، لم يعد شيء إلى طبيعته. والأكثر من ذلك الضغط الخارجي يتزايد. والنخبة الحاكمة لا تجد أي دعم في الداخل لها».

وفي كلمة مطولة نشرها موقعه «كلمة» التابع لموسوي، انتقد زعيم المعارضة الإصلاحية الإيرانية، أمس، الأوضاع في إيران، متحدثا بلغة تشبه التي كان يتحدث بها المعارضون خلال عهد الشاه مكررا تعبير «دكتاتورية» و«استبداد» و«طغيان».

وقال موسوي إنه يمكن «اليوم في إيران رصد الأسس والعناصر التي تنبثق منها الدكتاتورية، وكذلك مقاومة عودة الدكتاتورية». وتابع رئيس الوزراء السابق لدى آية الله الخميني، الذي أصبح أحد رموز المعارضة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منذ إعادة انتخابه في يونيو (حزيران) أن «كم أفواه الإعلام، وملء السجون، والعنف في قتل الناس الذين يطالبون سلميا في الشارع باحترام حقوقهم، أدلة على أن جذور الظلم والدكتاتورية السائدة في حقبة الشاه ما زالت موجودة». وتابع موسوي أنه في البدء «كانت غالبية المواطنين واثقة من أن الثورة ستقضي على كل البنى التي تقود إلى الاستبداد والدكتاتورية». وأضاف الرجل الذي ترأس الحكومة الإيرانية طوال الحرب مع العراق (1980 - 1988)، في أول اعتراف علني من نوعه «أنا نفسي كنت من هؤلاء، لكنني اليوم لم أعد أعتقد ذلك. لا أعتقد أن الثورة حققت أهدافها». وتابع أن «الدكتاتورية باسم الدين هي أسوأ الدكتاتوريات».

وقال موسوي: «يمكننا أن نرى في كل هذا السلوك بقايا نظام استبدادي». إلا أن موسوي أوضح أن معركته من أجل حقوق الأمة مستمرة، رغم ضغوط من جانب المحافظين لإنهاء الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وتابع موسوي: «الحركة الخضراء لن تتخلى عن معركتها السلمية.. إلى أن يتم الحفاظ على حقوق الشعب.. الاعتقالات والإعدامات ذات الدافع السياسي للمحتجين ضد القانون.. يجب أن يتغير الدستور لضمان حقوق الشعب.. الاحتجاجات السلمية حق للإيرانيين». وحث زعيم المعارضة الإيرانية الإيرانيين على التظاهر بهدوء في ذكرى الثورة، وذلك لتلافي إثارة رد فعل عنيف من السلطات.

وتصادف هذه التصريحات الشديدة اللهجة الصادرة عن أحد أبرز وجوه السنوات الأولى للثورة الإسلامية الذي يحظى باحترام كبير، عشية ذكرى الثورة في 11 فبراير، في وقت يشهد النظام الإيراني واحدة من أخطر الأزمات السياسية في تاريخه. وتشن السلطات الإيرانية حملة قمع شديدة على المعارضة الداخلية التي تحتج على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. وأسفرت المظاهرات العنيفة التي تجري بانتظام ضد الحكومة عن مقتل العشرات وإصابة المئات منذ 12 يونيو. وكشفت آخر مظاهرات جرت في ذكرى عاشوراء في 27 ديسمبر (كانون الثاني) وأوقعت 8 قتلى عن عمق الأزمة بعد 7 أشهر على اندلاعها. وتم اعتقال آلاف المتظاهرين وصدرت أحكام مشددة أحيانا في حق عشرات المعارضين، وقد أعدم اثنان منهم الأسبوع الماضي، فيما أعلنت إيران عن إعدام 9 آخرين قريبا.

ونقلت وكالة «فارس» شبه الرسمية عن إبراهيم رئيسي، المسؤول القضائي رفيع المستوى قوله، أمس: «سينفذ حكم الإعدام شنقا في 9 آخرين قريبا. التسعة والاثنان اللذان أعدما يوم الخميس اعتقلوا بالتأكيد في أعمال الشغب الأخيرة ولهم صلات بجماعات مناهضة للثورة». وأشاد رجل الدين المحافظ آية الله أحمد جنتي بتنفيذ حكم الإعدام في اثنين من المحتجين وحث السلطات القضائية على إعدام المزيد. وقال مير حسين موسوي ردا عليه، أمس: «يشيد رجل الدين القاسي بالسلطات القضائية لتنفيذ حكمي الإعدام رغم المخاوف الجادة بشأن الأساليب المتبعة للحصول على الاعترافات من المحتجزين».

ويشكل موسوي إلى جانب الرئيسين السابقين محمد خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني، ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي، لجنة قيادة المعارضة ضد أحمدي نجاد. وطبقا لمواقع المعارضة على الإنترنت اتهم محمد خاتمي الحكومة بارتكاب ما سماه «عنفا أعمى». وحذر خاتمي في اجتماع عقد أول من أمس مع مسؤولين إصلاحيين من أن «هذا النوع من العنف الأعمى سيكون له عواقب غير واضحة». ونقل عن خاتمي قوله: «الرد الصحيح على المظاهرات لا يتعين أن يكون القمع والحبس والإعدام، لكن إعطاء الشعب الحق القانوني لقول ما يريده». وتابع خاتمي: «هناك بعض (المسؤولين) أعتقد أنهم يدفعون البلاد نحو العنف من خلال نشر الأكاذيب والاتهامات»، مؤكدا على أهمية توظيف احتفالات الذكرى الـ31 للثورة كمناسبة لإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين تم اعتقالهم بعد الانتخابات.

وحث موسوي وكروبي وخاتمي أنصارهم على المشاركة في تجمع حاشد يوم 11 فبراير بمناسبة الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الإسلامية في إيران. ومنذ الانتخابات تستخدم المعارضة الإيرانية التجمعات الحاشدة في أنحاء البلاد لإحياء الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وتوعد محافظون بعدم التهاون مع المظاهرات المناوئة للحكومة بعد المظاهرات الدامية التي خرجت يوم عاشوراء في 27 ديسمبر. وحذر الحرس الثوري المعارضين من التظاهر. وقال حسين حمداني، القائد في الحرس الثوري: «لن نسمح للحركة الخضراء بالظهور تحت أي ظرف... ستواجه بحزم من جانبنا».

وتبذل السلطات في إيران جهودا مستميتة من أجل أن تظهر أن المعارضة الإصلاحية منقسمة على نفسها، وأن بعض قادتها «عادوا إلى خط النظام»، وكانت آخر المحاولات في هذا الصدد ما نقل على لسان مهدي كروبي من اعترافه بحكومة أحمدي نجاد، وهو ما أثار جدلا والتباسا في إيران. وكان كروبي قد قال في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي إن «الحكومة الحالية هي التي تدير البلد ومن مسؤوليتها خدمة الناس، وأن تكون محاسبة على ذلك»، إلا أن وكالة «فارس» شبه الرسمية المقربة من الحرس الثوري نقلت عن كروبي قوله: «أواصل التشديد على نفس القضايا التي طرحتها، إلا أنني أعترف بالرئيس». غير أن مجتبى وحيدي، أحد مساعدي كروبي، نفي ما نقلته «فارس» حول اعتراف كروبي بحكومة أحمدي نجاد، موضحا أن كلام كروبي لم يكن اعترافا بشرعية حكومة أحمدي نجاد، بل إعلان «أمر واقع» وهو أن هذه هي الحكومة الموجودة الآن وأن واجبها هو خدمة الناس وأن تحاسب على ذلك.

ولاحقا قال كروبي إنه أكد «حدوث تزوير ومخالفات في الانتخابات»، كما أكد أنه سيواصل تحديه لنتائجها ووقوفه إلى جانب مطالب الشعب، موضحا: «موافقتي لم تتغير برغم التهديدات والإهانات والهجمات، ولن يتم إرهابنا. وفي نفس الوقت أهلنا لديهم قضايا معينة يجب على الحكومة الحالية أن تحلها. والحكومة الحالية هي التي تحكم ومن هنا يجب محاسبتها». وكان كروبي يقصد دور الحكومة في الإفراج عن المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسؤولين المتورطين في انتهاكات حقوق السجناء في السجن. ثم قال كروبي في حوار مع «فايننشيال تايمز» الأسبوع الماضي إن حكومة أحمدي نجاد لن تستمر في الحكم 4 سنوات. وأكد ابنه حسين كروبي لموقع «سهم» الإلكتروني الإيراني أن إعلان والده أن حكومة نجاد هي «الحكومة في إيران» يأتي في إطار «فك طلاسم» الوضع الحالي في البلاد، فالقول إن حكومة أحمدي نجاد هي الحكومة طالما صدق عليها البرلمان يفتح الباب أمام مساءلتها ومحاسبتها على أفعالها وهو ما قد يؤدي إلى إطاحتها أو إجبارها على الاستقالة. وقال كروبي في هذا الصدد إنه يأمل في أن يؤدي موقف والده «إلى أن يراقب البرلمان أعمال حكومة أحمدي نجاد ويحاسبها على الخطوات التي اتخذتها والتي هي ضد الأمن القومي للبلد».

إلا أن المحافظين في إيران الذين لم يستشعروا أن موقف كروبي يعد اعترافا لهم بالشرعية أو بشرعية انتخاب أحمدي نجاد، ردوا بانتقاده بشدة على الخطوة. وقال حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد الأعلى في افتتاحيته في «كيهان» أول من أمس: «أين كان كروبي؟ هل كان نائما طوال 8 أشهر منذ الانتخابات واستيقظ الآن على أخطائه».

غير أن كروبي رد على شريعتمداري قائلا في صحيفته «اعتماد ملي» الإصلاحية: «افتح عينيك وانظر إلى ما يجري وماذا يفعلون بالناس. نحن لم نطلب من الناس أن تخرج للشارع وتتظاهر. هذا كان خيارهم ويجب أن تفهم الواقع، وأن ذلك القرار كان قرار الناس وليس قراري أنا. النائمون هم من أنكروا حقوق الناس ومن لا يفهمون خطورة اعتقال أبناء الثورة مثل علي بهشتي (مساعد كروبي) ووضعه للمحاكمة وخلفه صورة آية الله بهشتي (الذراع اليمنى للخميني وأحد أهم منظري الثورة الإيرانية). هؤلاء هم النائمون. الذين لم يروا 3 ملايين يتظاهرون في الشارع ولم يسمعوا أصواتهم.. هؤلاء هم النائمون».