الغرب «لا يقفز فرحا» بالليونة الإيرانية المفاجئة.. وتساؤلات وشكوك عن الهدف الحقيقي

وكالة الطاقة الذرية لا تعلق ومصادرها تؤكد لـالشرق الأوسط» «عدم وجود رد مكتوب» من طهران بعد * لندن وبرلين وموسكو: موقف إيران إيجابي «إذا ما تأكد»

أحمدي نجاد يتحدث في احتفال للاعلان عن الانتاج المحلي لصاروخ لحمل الاقمار الصناعية إلى الفضاء في طهران أمس (رويترز)
TT

لم «تقفز الدول الغربية فرحا» بعد إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن بلاده «ليس لديها مشكلة» في إرسال اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها للخارج مقابل الحصول على وقود نووي مخصب بنسبة 20% للاستخدام في مفاعلات الأبحاث، وهو الإعلان الذي أوحى بأن إيران تقبل أخيرا بالعرض النووي الذي اقترحته وكالة الطاقة الذرية في أكتوبر (تشرين الأول) 2009 خلال مباحثات نووية في جنيف، إلا أن الإعلان الإيراني أول من أمس نقصه حديث أحمدي نجاد عن «نسبة» اليورانيوم التي سيوافق على إرسالها للخارج، وهى نقطة «عالقة» ربما عن عمد من الجانب الإيراني. فقد اعترض مسؤولون إيرانيون بارزون خلال الأشهر الماضية على فكرة إرسال 75% من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديهم للخارج، موضحين أن إرسال تلك الكمية الكبيرة بمثابة تنازل إيراني بلا ثمن، مشيرين إلى أن إيران يمكنها تصنيع الوقود النووي على أراضيها دون التنازل عن غالبية مخزونها من اليورانيوم. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان الرئيس الإيراني قد أقنع معارضيه في الداخل بالتخلي عن 75% من اليورانيوم وإرساله للخارج لطمأنة الغرب، أم أنه بإعلان موافقته أول من أمس يريد «إجراء مزيد من المباحثات مع دول (5 + 1) حول نسبة اليورانيوم التي ستوافق إيران على إرسالها للخارج» وذلك بحسب ما قال مسؤول أوروبي بارز في بروكسل لـ«الشرق الأوسط». وكانت إيران قد أعلنت موافقتها في أكتوبر 2009 من حيث «المبدأ» على العرض النووي من الغرب الذي تضمن شحنها لنحو ثلثي اليورانيوم ضعيف التخصيب الذي لديها إلى فرنسا وروسيا مقابل الحصول على وقود نووي. إلا أنه منذ الموافقة المبدئية لطهران، عادت إيران ورفضت العرض مرارا حتى أعلن أحمدي نجاد أول من أمس أنه لا يمانع فيه. وأثارت الموافقة الإيرانية المفاجئة تشككا غربيا. وقال المسؤول الأوروبي البارز في بروكسل القريب من المفاوضات بين إيران والغرب لـ«الشرق الأوسط»: «السؤال هو ماذا تريد إيران الآن؟ ولماذا وافقت فجأة؟ للأسف بسبب تاريخ الإيرانيين معنا نميل إلى تصديق أن الإيرانيين يريدون اللعب بالوقت وليس الموافقة على العرض النووي». من ناحيتها رفضت وكالة الطاقة الذرية في فيينا الحديث عن الموافقة الإيرانية وما إذا كانت الوكالة وصلها رد إيراني مكتوب. وقالت المتحدثة باسم الوكالة لـ«الشرق الأوسط»: «سمعنا التقارير وتصريحات الرئيس الإيراني. إلا أننا في هذه اللحظة ليس لدينا تعليق على الخطوة»، إلا أن مسؤولا مطلعا بالوكالة قال لـ«الشرق الأوسط» إن: «الوكالة ليس لديها علم بالموافقة الإيرانية ولم يردها رد مكتوب من طهران يعلن دعم اتفاق التبادل النووي. الطبيعي أننا خلال الأيام المقبلة سنجري اتصالات مكثفة مع طهران لمعرفة ما إذا كان هناك تغيير في موقف طهران أم لا». وظهرت لندن متشككة في الموقف الإيراني. وقالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها أمس إن موقف إيران من الاتفاق النووي «إيجابي إذا ما تأكد». وتابعت: «لاحظنا تعليقات الرئيس الإيراني. دائما ما دعمنا مقترح وكالة الطاقة الذرية حول التبادل النووي. إذا أظهرت إيران الآن أنها توافق على العرض، فإننا نتطلع إلى أن تظهر طهران هذا لوكالة الطاقة الذرية. إذا وافقت إيران على عرض الوكالة فإن هذا سيكون خطوة إيجابية.. إلا أن هذا لا يغير تقديرنا الذي أعلنا عنه في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي حول فشل إيران في مواصلة مباحثاتها مع دول (3 + 3). فهذا يبقى الموضوع الأساسي فيما يتعلق بطمأنة العالم حول البرنامج النووي الإيراني». ودعت دول غربية أخرى إيران إلى تقديم «رد مكتوب» لوكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، معتبرة أن الموافقة الشفوية لن يعتد بها. وقالت ألمانيا إن على إيران أن تقدم «التزاما ملموسا» للوكالة الدولية. وأوضح المتحدث باسم الحكومة أولريش فلهلم خلال مؤتمر صحافي أمس: «على إيران أن تقدم التزاما ملموسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية وإعطاء رد ملموس في فيينا هو السبيل الوحيد الممكن» لتقدير العرض الإيراني.

فيما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن عودة إيران إلى القبول باتفاق تبادل اليورانيوم الذي طرح في نوفمبر (تشرين الثاني) «لا يمكن إلا الترحيب بها إذا ما تأكدت». وأوضح لافروف للصحافيين إثر اجتماعه مع نظيره النرويجي يوناس غار ستوري «إذا كانت إيران مستعدة للعودة إلى الاتفاق الأصلي فلا يمكننا إلا الترحيب بذلك». وجاء رد الفعل الغربي «المتشكك» بعد مماطلات إيرانية أدت إلى قرار جماعي غربي بدراسة الجولة الجديدة من العقوبات فورا، وبذل جهود دبلوماسية ملموسة لدى الصين وروسيا من أجل دعمهما هذه العقوبات. وتشمل العقوبات الجديدة البنك المركزي الإيراني والحرس الثوري وقطاع الغاز في إيران. وكانت طهران قد أعلنت موافقتها المبدئية على اتفاق التبادل النووي في أكتوبر 2009 في جنيف، لكنها عادت في نهاية أكتوبر لتعلن أن لديها تعديلات على الاتفاق تتضمن أن يتم التبادل النووي بالتزامن وداخل إيران وهو ما رفضته الدول الغربية. ثم عادت إيران ورفضت في نوفمبر إرسال القسم الأكبر من اليورانيوم الضعيف التخصيب إلى روسيا وفرنسا لتحويله إلى وقود عالي التخصيب لتشغيل مفاعل الأبحاث في طهران. وتحدث المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي بنفسه ضد الاتفاق وقال إن الدول الغربية «لن تخدع إيران» بهذا العرض، كما عارضه بشدة رئيس البرلمان علي لاريجاني، فيما فهم ساعتها على أنه خلافات داخل التيار المحافظ الحاكم حول طريقة التعامل مع العرض النووي. ثم عادت واقترحت طهران مجددا مهلة نهائية للدول الكبرى لكي تقبل قبل نهاية يناير (كانون الثاني) بتسليمها وقودا وفقا لشروطها وهي تبادل اليورانيوم منخفض التخصيب بالوقود النووي لكن على دفعات بشكل متزامن وبكميات صغيرة، وهددت إيران أنه إذا لم يستجب الغرب فإنها ستقوم بتخصيب اليورانيوم بدرجة عالية على أراضيها. وكان أحمدي نجاد قد قال في مقابلة مع التلفزيون الرسمي أول من أمس إن بلاده على استعداد لإرسال قسم من اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب (3.5%) إلى الخارج للحصول في المقابل من الدول الكبرى، أي على وقود نووي عالي التخصيب (20%) تحتاجه لتشغيل مفاعلها للأبحاث في طهران. وقال: «لا مشكلة حقا. البعض ينفعل دون سبب. ليست هناك أي مشكلة. إننا نوقع عقدا. نعطيهم اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5% وبعد أربعة أو خمسة أشهر يعطوننا (اليورانيوم المخصب) بنسبة 20%». إلا أن أحمدي نجاد لم يعط أي مؤشر إلى كمية اليورانيوم التي قد يشملها هذا التبادل، وهي أبرز نقطة خلاف في المفاوضات مع الدول الكبرى.

إلى ذلك، وفي خطوة من شأنها أن تزيد التوترات بين إيران والغرب، أعلنت طهران أنها نجحت في إطلاق قمر صناعي من صنعها وسط مخاوف غربية من احتمال استخدام صناعاتها النووية والفضائية لتطوير أسلحة ذرية وبالستية. وحمل صاروخ «كاوشكر 3» (باحث) «كبسولة تجريبية» على ما نقلت قناة «العالم» الرسمية. وأفاد موقع التلفزيون الرسمي أن الكبسولة احتوت مجموعة «حيوانات حية» تتألف من جرذ وعدد من السلاحف والديدان، وهي التجربة الأولى من نوعها التي تنفذها إيران في قطاع تكنولوجيا الفضاء. وقال الموقع إن «الكبسولة قادرة على إرسال معلومات إلى الأرض». وبث التلفزيون الرسمي صور انطلاق الصاروخ من منصة في الصحراء، مخلفا دخانا كثيفا. وأظهرت الصور لاحقا انفصال الكبسولة عن الصاروخ وتوجهها إلى المدار. كما بث تلفزيون الدولة صور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وهو يزيح الستار عن صاروخ آخر محلي الصنع لإطلاق الأقمار الصناعية سمي سيمرغ (العنقاء).

وجهز الصاروخ الذي كتب عليه بالأزرق «حامل الأقمار الصناعية سيمرغ» ليضع قمرا صناعيا بوزن 100 كلغ في المدار على مسافة 500 كلم، بحسب تقرير التلفزيون.

والصاروخ متعدد الطبقات، ويبلغ طوله 27 مترا، ووزنه 85 طنا، وتبلغ قوة نظامه للدفع الذي يعمل بالوقود السائل 100 طن، على ما أفاد التقرير. وأشاد أحمدي نجاد بالتطور الذي تحرزه بلاده في برنامجها الفضائي. وقال: «إن إرسال كائنات حية إلى الفضاء عمل عظيم، إننا نجري التجارب عليها ثم تعود إلى الأرض». وتابع: «سنرسل قمرا صناعيا إلى ارتفاع 500 كلم. ولاحقا إلى ارتفاع 700 كلم ثم 1000 كلم. الكل يعلم أن الوصول إلى مدار الألف كلم يسمح بالوصول إلى المدارات الأخرى كافة».

ولم يذكر الرئيس الإيراني الخلاف النووي مع الغرب ولو مرة خلال إعلانه عن إطلاق الصواريخ الإيرانية الجديدة، متحدثا فقط عن تقدم إيران العلمي قائلا: «هذا تقدم هائل.. ونأمل في أن نتمكن من إرسال روادنا إلى الفضاء قريبا».