اليمن: 3 قطع سلاح لكل مواطن.. ويمكن شراء صواريخ ومدافع وقنابل من الأسواق

يعتبره البعض جزءا من الهوية.. وعلماء الاجتماع يرجعون انتشاره إلى التركيبة القبلية والصراعات

يمنيون يحملون أسلحتهم خلال تظاهرة في مدينة جنوبية أخيرا (رويترز)
TT

تشير الإحصائيات في اليمن إلى وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح في البلاد، أي بمعدل 3 قطع سلاح لكل مواطن من السكان البالغ عددهم أكثر من 20 مليون نسمة، ويعد انتشار السلاح في اليمن واحدة من أبرز القضايا والمشكلات الماثلة أمام الحكومة في الوقت الراهن.

وبدأت السلطات اليمنية، منذ نحو أسبوعين، حملة لملاحقة أبرز تجار السلاح في البلاد، واعتقلت حتى اللحظة 4 من أصل «قائمة سوداء» تضم أسماء 20 من أبرز تجار السلاح، وجاء على رأس القائمة الشيخ فارس مناع الذي اعتقل قبل نحو 10 أيام من منزله في صنعاء، في حين اعتقل الـ3 الآخرون في محافظة صعدة، وجرى نقلهم إلى العاصمة صنعاء.

ووضعت الحكومة اليمنية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «قائمة سوداء» بأسماء أبرز تجار السلاح، ويربط مراقبون بين اعتقال تجار السلاح وبين نتائج مؤتمر لندن حول اليمن الذي انعقد أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، والاستحقاقات والمطالبات التي وضعتها الدول المشاركة في المؤتمر أمام الحكومة اليمنية، خاصة في ظل استحقاق الحرب على الإرهاب وضد تنظيم القاعدة وكذا الحرب مع المتمردين الحوثيين في شمال البلاد. ويعتقد مراقبون أن انتشار الأسلحة في اليمن، بمختلف أنواعها، يجعلها متوفرة لتحصل عليها الجماعات الإرهابية وكذا يجعل من السهل، القيام بتهريبها إلى دول الجوار المتضررة من ذلك، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

ومؤخرا ضبطت السلطات اليمنية شحنة أسلحة في ميناء الحديدة على البحر الأحمر، قادمة من الصين، بعد أن اتضح أنها وصلت بوثائق مزورة تتبع وزارة الدفاع اليمنية واستوردها عدد من التجار اليمنيين.

وينتشر في اليمن عدد غير محدود من أسواق السلاح في عدد كبير من محافظات البلاد الـ21، لكن السلطات الأمنية اليمنية شنت ومنذ نحو عامين حملة واسعة النطاق على تلك الأسواق وأغلقت أكبرها وأشهرها، كما تقوم بين وقت وآخر، بحملات في الشوارع ومداخل ومخارج المدن لمصادرة الأسلحة التي يحملها المواطنون، وتتحدث أجهزة الأمن عن عشرات الآلاف من القطع التي تمت مصادرتها مؤخرا، ففي يناير الماضي، فقط، ضبطت الأجهزة الأمنية 13154 قطعة سلاح، من أنواع مختلفة في عموم محافظات الجمهورية.

وأوضحت الأجهزة الأمنية أنها «ضبطت 865 قطعة سلاح داخل المدن أما العدد المتبقي من قطع السلاح فقد تم ضبطه في مناطق الحزام الأمني المحيطة بالمحافظات وعلى مداخل ومخارج المدن اليمنية الرئيسية»، بحسب وزارة الداخلية اليمنية، غير أن المراقبين يؤكدون أن المشكلة تكمن فقط في المدن، فأكثر من 75% من سكان اليمن يعيشون في الأرياف ومعظم أفراد الشعب اليمني مسلحون.

ويعد اقتناء السلاح وحمله، جزءا من ثقافة المواطن اليمني، والبعض يذهب إلى القول إنه جزء من الهوية، لكن علماء الاجتماع يرجعون انتشار السلاح وثقافته، في اليمن، إلى التركيبة القبلية والصراعات والحروب الدائمة بين القبائل وبعضها، وأحيانا بين القبائل والدولة، ويقول الدكتور عبد الباقي شمسان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، إن ضعف الدولة وبالذات خلال العقود الـ4 الأخيرة التي تلت قيام الثورة مطلع ستينات القرن الماضي، ساهم كثيرا في انتشار الكثير من الظواهر السيئة والمقلقة ومنها انتشار السلاح الذي تحول اقتناؤه وكأنه حق شرعي وليس مخالفا للقانون.

ومنذ نحو عقدين من الزمن أقر المشرعون اليمنيون قانون السلاح، لكن مشروع تعديل قانون تنظيم حيازة وتجارة الأسلحة والمفرقعات، مهمل في أدراج مجلس النواب اليمني (البرلمان)، منذ أكثر من 4 سنوات، ويعلق شمسان، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، على ذلك ساخرا ومتسائلا: «لماذا لا يكون القانون لمنع الحيازة والاتجار بالسلاح، ولماذا التشريع لذلك في بلد نسبة الأمية فيه كبيرة والثقافة السائدة فيه قبلية؟» لكن النائب الدكتور عبد الباري دغيش، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن القانون النافذ حاليا منذ قرابة 20 عاما «ممتاز» لكن «المطلوب هو تنفيذه»، مع تأكيده أنه بحاجة إلى تعديل بعض مواده وتطويره، ويبدي استغرابا وعدم معرفة بالأسباب الحقيقية الكامنة وراء عدم مناقشة وإقرار مشروع التعديلات على القانون، ويقول إن المشروع يكون مطروحا في جدول الأعمال وفجأة «تحصل ضغوط ونفاجأ أنه رُحل»، أما النائب علي العنسي فقال لـ«الشرق الأوسط»: إن القانون النافذ «لا يحتاج إلا للتنفيذ ولدينا قوانين ولكن لا تنفذ».

وفي الأسواق الاعتيادية المشار إليها آنفا التي حوصرت أمنيا، وكذا في «السوق السوداء»، يمكن للمرء أن يشتري المسدسات أو رشاشات «كلاشينكوف»، وقذائف الـ«آر بي جي» وصواريخ محمولة، هذا عوضا عن المدافع والقنابل والذخائر.

وتشكل الحروب الأهلية والداخلية، فرصة للحصول على الأسلحة ولعل حرب صيف عام 1994 الأهلية بين الشمال والجنوب، وشركاء الوحدة اليمنية، كانت آخرها، وبحسب تقارير محلية، نهبت كميات هائلة من الأسلحة، مختلفة الأنواع والأحجام.

ويشكل انتشار السلاح في اليمن، هاجسا مقلقا لدول الجوار وحتى الدول الكبرى، فالولايات المتحدة، حاولت قبل عدة سنوات معالجة هذه القضية الشائكة، وقدمت للحكومة اليمنية الأموال لشراء الأسلحة من رجال القبائل بدلا من التصادم معهم لنزع أسلحتهم، وذلك بعد أن قامت عناصر من تنظيم القاعدة في 6 ديسمبر (كانون الأول) عام 2004، بمهاجمة القنصلية الأميركية في مدينة جدة السعودية، واكتشف، فيما بعد، أن الأسلحة التي استخدمها المهاجمون، ومن خلال أرقامها التسلسلية، تخص وزارة الدفاع اليمنية.

لكن هذه الخطوة، كما اتضح، فشلت وساهمت في رفع أسعار الأسلحة، التي ارتفعت أسعارها أكثر فأكثر بعد الحملة الحكومية على حاملي الأسلحة في المدن، فمثلا المسدس الروسي المسمى «ميكروف» ارتفع سعره من 50 ألف ريال يمني (ما يعادل 250 دولارا أميركيا)، إلى ما يزيد عن 100 ألف ريال.

ومن أبرز الصناعات الشهيرة من الأسلحة المتوافرة في الأسواق اليمنية، تأتي الصناعة الروسية في المقام الأول ثم الصينية، والتشيكية والإسبانية، أما الأميركية فهي محدودة، وتعد المسدسات الأميركية حكرا على «أبناء الذوات» كنوع من التفاخر. ولعل أصرخ مثال لنقد الحكومة اليمنية على تقصيرها في محاربة ظاهرة حمل السلاح، خلال السنوات الماضية، تلك النكتة التي أطلقت بعد الحرب الأهلية الأخيرة، والتي تفيد بأن مواطنا وصل إلى نقطة عسكرية وهو يقود دبابة فسأله أحد الجنود: «هل معك سلاح؟» فرد بالنفي، فقال: «تفضل امشِ».