غرفة عمليات وشموع على الشاطئ اللبناني.. والحريري قدم طائرته لنقل الصندوقين الأسودين

استكمال الفصل الأخير من عملية البحث عن حطام الطائرة

TT

دخلت عمليات البحث عن حطام الطائرة الإثيوبية المنكوبة والصندوقين الأسودين وجثث الضحايا مرحلتها النهائية. ولم تتوقف وتيرة العمل طوال اليومين الماضيين قبالة شاطئ منطقة الناعمة إلى الجنوب من بيروت. وكانت هذه الوتيرة قد تسارعت قرابة الساعة الحادية عشرة من صباح أمس بعد ليلة بُذلت فيها جهود كثيفة أسفرت عن انتشال ذيل الطائرة.

وشهدت الطريق الفرعية لشاطئ الناعمة منذ ساعات الصباح الأولى ازدحام سير خانقا بسبب تدفق أهالي الضحايا من لبنانيين وإثيوبيات إلى المكان بالإضافة إلى الفضوليين الذين استغلوا العطلة الأسبوعية، فحملوا نراجيلهم وقهوتهم ومناظيرهم لمتابعة التطورات من كثب، مما حدا ببعض الباعة الجوالين إلى استغلال الأمر والتمركز جنبا إلى جنب مع سيارات الدفاع المدني وعناصر الجيش اللبناني ووسائل الإعلام.

لكن المشهد المؤثر كان إضاءة عدد من الإثيوبيات الشموع على حصى الشاطئ، في حين استغرق أهالي الضحايا في مراقبة حركة السفن والزوارق المكوكية والتمتمة بالصلوات عن روح الأحبة في انتظار انتشال جثامينهم ليصار إلى دفنهم في قراهم.

المعلومات كانت تسابق الوقت. ففي كل دقيقة تفصيل جديد عن عملية البحث. والاستعدادات بلغت ذروتها مع تحول رقعة من الشاطئ إلى غرفة عمليات لفريق الدفاع المدني تحت خيمة نُصبت في المكان وأُعِدّ جسر مؤقت إلى الماء وسُوّرت بشريط أحمر لمنع الحشود من الاقتراب. قال أحد العناصر لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوامر أعطيَت لتحضير كل ما يلزم إذا استوجب الأمر نقل بعض الجثث عبر هذه المنطقة».

لكن الأفضلية لنقل الجثث بقيت باتجاه قاعدة بحرية مؤقتة جهزها الجيش اللبناني قرب أحد المسابح على بعد نحو 600 متر من المكان. وكانت زوارق «الزودياك» التابعة للجيش اللبناني وعلى متنها مغاوير البحر تنقل الجثث من الرقعة الجغرافية حيث عُثر على حطام الطائرة على عمق 45 مترا إلى هذه الغرفة، حيث كانت في انتظارها لجنة طبية من مستشفى رفيق الحريري الحكومي توجهت صباح أمس إلى القاعدة البحرية حيث يتم تجميع الجثث لإجراء فحص أولي لتتولى منظمة الصليب الأحمر اللبناني إعدادها ونقلها إلى المستشفى الحكومي. بالطبع منع الجيش المصورين والمراسلين من الاقتراب من المكان.

معرفة ما يدور في عمق البحر لم تكن مستحيلة، ذلك أن أحد سكان المنطقة حاضر للتبرع بمنظاره، حيث يمكن مشاهدة زوارق «الزودياك» وهي تقترب من سفينة «أوشن أليرت»، ليتم تبليغها بوجود شيء ما في الأعماق فيسارع مغاوير البحر إلى الغطس والانتشال ونقل ما عثروا عليه إلى غرفة العمليات البحرية.

الحركة المكوكية لـ«أوشن أليرت» و«يو إس إس رامدج» كانت المؤشر للعثور على المزيد من الحطام أو الجثث. وما إن تقترب إحداهما من الأخرى حتى تتحلق حولها زوارق الجيش ويبدأ العمل. وهذه الحركة تسارعت وتيرتها واتسعت رقعتها مع تسارع المعلومات عن ارتفاع عدد الجثث بحيث بات يصعب الاعتماد على رقم محدد قبل انتهاء عملية الانتشال برمتها. وكعادته تابع وزير الأشغال والنقل غازي العريضي التطورات بكل تفاصيلها وأعلن عنها تباعا، وقال إن الصندوق الأسود الذي يحمل الذاكرة بات في عهدة لجنة التحقيق الدولية، وثمة مؤشرات للعثور على الصندوق الذي يسجل ما دار من حديث قبيل لحظة الكارثة وخلالها. وسيتم نقل هذين الصندوقين إلى مكتب التحليل والبحث الفرنسي في باريس للعمل على فك الألغاز والرسائل ومعرفة أسباب الكارثة». وبادر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى تقديم طائرته الخاصة لتنقل لجنة التحقيق مع فريق رسمي إثيوبي الصندوقين الأسودين إلى باريس، وقد تم تجهيزها في مطار بيروت لتقلع فور وصول الصندوقين إليها وتصل بالسرعة المطلوبة تسهيلا لإجراء التحقيق اللازم. كذلك أشار العريضي إلى أن «إعداد التقرير وفق المعلومات التي يتضمنها الصندوقان يستغرق وقتا لأنه يحتاج إلى تقنيات وحسابات ودقة».

وكرّر العريضي أن «الهم الأول لديه هو انتشال جثث الضحايا ليتعزى ذووهم، ومن ثم استكمال تصوير مواقع الحطام لقراءة كيفية سقوط الطائرة». وتمنى أن «تسفر العملية عن العثور على كامل حطام الطائرة لمعرفة الحقيقة وطمأنة الناس». وقال: «نحن في سباق مع الزمن وكل القوى الموجودة مستنفرة للوصول إلى نهاية العمل قبل هبوب أي عاصفة محتملة، والأحوال الجوية الجيدة تسمح للغطاسين من مغاوير الجيش بمتابعة عملهم وبالسرعة المطلوبة. والأمور تسير على ما يرام».

وكانت السفينة «أوشن أليرت» بالتزامن مع نزول الغطاسين إلى عمق المياه تتابع التصوير الدقيق للقطع الباقية وكيفية تَموْضُعها للحصول على فيلم دقيق لتسهيل عمل لجنة التحقيق.

وأوضح العريضي أن «التوجيهات التي أُعطيَت بالاتفاق مع جميع المعنيين هي البدء السريع بعملية البحث عن جثث الضحايا، وهذه هي النقطة الأهم، وقد يكون هناك عدد من الجثث داخل الطائرة وفي الأجزاء الأخرى، وأخذنا كل الاحتياطات والإجراءات مع الجيش اللبناني الذي يشرف على العملية لانتشال هذه الأجزاء والتأكد من وجود جثث الضحايا».

وأفادت معلومات بالعثور على مقصورة القيادة بالطائرة الإثيوبية المنكوبة، ولا ضحايا داخلها. كما أشارت مصادر رسمية إلى أن «التصوير الصوتي للرقعة التي وُجد فيها حطام الطائرة الإثيوبية أمس، ألحق بتصوير دقيق للموقعين المتقاربين اللذين وُجدت فيهما أجزاء من الهيكل، بطريقة «R.O.V».