خوري لـ «الشرق الأوسط»: مصير المجلس السوري اللبناني بيد الدولتين.. والأمانة العامة لا تتعارض مع السفارة

مخيبر مطالبا بإلغائه لمخالفته الدستور: لست تلميذا يرتدي «المريول» وعون لم يعترض

TT

منذ اتخاذ قرار إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسورية في نهاية عام 2008، والمجلس الأعلى اللبناني – السوري يتعرض إلى حملات تشكيك لبنانية بجدواه وأهمية استمراره، وبشكل خاص أمانته العامة التي لعبت دور السفارتين وأكثر، في غياب التمثيل الدبلوماسي بين البلدين حتى حصوله أخيرا. وآخر ما توصل إليه المعترضون على المجلس، كان مذكرة رفعها النائب غسان مخيبر عضو تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه النائب ميشال عون تطالب بإلغاء المجلس برمته لمخالفته الدستور اللبناني. ورغم أن موقف مخيبر أتى مفاجئا للجميع لصدوره عن عضو في كتلة عون، أحد أبرز أصدقاء سورية الجدد على الساحة اللبنانية، فإن مخيبر لا يرى في ذلك ما يفاجئ، باعتبار أنه يشغل الآن مقعد عمه الراحل ألبير مخيبر في مجلس النواب، والأخير كان الوحيد الذي اعترض على المعاهدة عند إقرارها في مجلس النواب عام 1994 «فيما غاب نواب حاليون من (14 آذار) عن الاعتراض وصوتوا معها»، كما يقول مخيبر لـ«الشرق الأوسط». ويكشف مخيبر أنه استشار العماد عون قبل تقديم مذكرته إلى رئيس الجمهورية «صاحب الحق الوحيد في إجراء المفاوضات وإبرام المعاهدات الدولية»، مشيرا إلى أنه «لم يسمع من عون اعتراضا على المشروع»، لكن مخيبر يتفادى التصريح بموافقة عون على المشروع، مكتفيا بالقول: «لم أسمع منه اعتراضا مباشرا أو غير مباشر». ويشير إلى أنه «ليس تلميذا يرتدي (مريولا) في صفوف التكتل»، قائلا: «كوني عضوا في تكتل ما، فهذا لا يلزمني أن آخذ إذنا من أحد قبل ممارسة واجباتي كنائب طالما أني أعرف أنه يندرج ضمن استراتيجية معروفة». وأضاف: «إن التكتل يسعى إلى تصويب وتصحيح العلاقات في إطار سيادة واستقلال الدولتين» معتبرا أن المجلس الأعلى بدا وكأنه صيغة لاتحاد كونفيدرالي بين الدولتين، وحصوله وهيئاته على صلاحيات تقريرية لا استشارية «أمر مخالف للدستور» ويتنافى مع الأعراف الدولية.

ويشدد مخيبر على أن التيار لم يكن يوما في فريق «8 آذار» الذي كان ينادي ببقاء القوات السورية في لبنان، وكنا من مؤسسي «14 آذار» واعتدنا دائما أن نعمل من أجل الحفاظ على سيادة لبنان، موضحا أنه طلب موعدا من رئيس الحكومة سعد الحريري لإطلاعه على المذكرة باعتباره شريكا مع الرئيس في إقرار المعاهدات ولم يتلق جوابا يحدد الموعد بعد.

في المقابل، يعتبر الأمين العام للمجلس الأعلى نصري خوري أن الإجابة عن مصير المجلس «منوطة بالدولتين»، ويقول خوري لـ«الشرق الأوسط»: «على الحكومتين أن تدرسا هذا الموضوع بشكل مشترك وتقرران بشأنه. فكما هو معلوم هناك معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق موقعة بين البلدين، وهذه المعاهدة مبرمة من مجلسي النواب في البلدين، وهي سارية المفعول حتى تاريخه. وقد أنشأت هذه المعاهدة مجموعة من المؤسسات المشتركة، وعلى رأسها المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وهو هيئة عليا تتولى رسم التصورات المستقبلية للعلاقات بين البلدين، وهو برئاسة رئيسي الجمهورية في البلدين. وهناك مجموعة من الأجهزة الأخرى التي أنشأتها المعاهدة، ومنها لجنة المتابعة والتنسيق برئاسة رئيسي مجلسي الوزراء، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية برئاستهما أيضا، وهناك لجنة الشؤون الخارجية ولجنة الدفاع والأمن وهناك أيضا الأمانة العامة. هذه المؤسسات تم الاتفاق على تشكيلها بين الدولتين تعبيرا عن العلاقات المميزة بينهما. فإذا كانت هناك رغبة بتعديل المعاهدة أو بعض بنودها، يفترض أن يبحث ذلك بين الجانبين، والموضوع يتوقف على التوافق بين الدولتين على الصيغة التي ترعى العلاقات بينهما.. فإذا كان هناك من صيغة أخرى تعبر عن العلاقات المميزة بين البلدين، فلا مانع من طرحها ومناقشتها»، مشيرا إلى أنه إذا كان لدى الجانب اللبناني ملاحظات على المعاهدة، فهذا الأمر يجب أن يبحث في إطار عملية المراجعة للاتفاقات الموقعة بين البلدين والتي جرى الاتفاق عليها أخيرا.

وبماذا يختلف عمل الأمانة العامة للمجلس الأعلى عن عمل السفارات؟ يجيب خوري: «مهمة الأمانة العامة محددة بموجب النظام الداخلي المقر من قبل المجلس الأعلى، وهي متابعة تنفيذ أحكام المعاهدة، والاتفاقات الموقعة، ومتابعة تنفيذ القرارات المتخذة من قبل الهيئات المشتركة، والتحضير لاجتماعات هذه الهيئات وتوثيق أعمالها. وفي المقابل هناك صلاحيات متعارف عليها دوليا للسفارات بموجب اتفاقية فيينا، وهي التي ترعى عملها». معتبرا أنه «إذا كان هناك من تداخل بين صلاحيات الأمانة العامة والسفارتين، فهذا أمر يجب أن يبحث من قبل الدولتين تقنيا لمعرفة ما إذا كان هناك من تداخل أو تعارض أو تكامل في ما بينها، فإما أن يصار إلى تعديل هذه الصلاحيات بحيث تتناغم، أو يصار إلى الاتفاق على شيء آخر. أنا لست خبيرا قانونيا، لكني لا أرى أن هناك تناقضا، فلكل جهة صلاحياتها المحددة والمعروفة، ومع هذا فلا بد من مناقشته بين البلدين في جو إيجابي. فالعلاقات جيدة الآن والأجواء إيجابية والتواصل مستمر بين الدولتين، وكل الأمور قابلة للنقاش وليس هناك من موضوع محرم نقاشه».

ويصف خوري موقف وزير العمل بطرس حرب الذي رد أخيرا مراجعة تقدم بها المجلس باعتبار أنها من اختصاص السفارة، بأنه «وجهة نظر» ويقول: «معالي الوزير لديه وجهة نظر عبر عنها، أما أنا فأقول إن البت بهذا الموضوع يعود إلى الدولتين».

يذكر أن المجلس الأعلى عقد آخر اجتماعاته في مارس (آذار) 2005 في عهد الرئيس السابق إميل لحود بعد نحو شهر على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان اجتماعه مخرجا للإعلان عن الانسحاب العسكري السوري من لبنان، قبل أن تتوقف اجتماعاته بشكل كامل منذ ذلك التاريخ نتيجة وصول قوى «14 آذار» إلى السلطة وموقفها المناوئ لسورية. ويقول خوري: «بعد ذلك تعرضت العلاقات بين البلدين لأجواء لا أريد أن أعود إليها، ثم عقد اجتماع بين الرئيسين سليمان والأسد في عام 2008 وصدر عنه بيان، ثم قمة ثانية بين الرئيسين، وأخيرا زيارة دولة رئيس الحكومة اللبنانية إلى سورية كضيف لدى سيادة الرئيس الأسد، وكانت أجواء اللقاء جد إيجابية واتفق على مجموعة من النقاط. وإذا كان هناك من ضرورة لاجتماع على مستوى المجلس الأعلى، فهذا أمر يعود للبلدين ولست من يحدد ذلك، لكن إذا كانت ثمة مراجعة للعلاقات والاتفاقات، ففي قناعتي لا بد من انعقاد المجلس الأعلى لبحثها والبت فيها». ويعترف خوري بأن «الوضع انعكس على الكثير من الأمور. وقد حاولنا جاهدين إبقاء الأمور سائرة على مستوى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، فنجحنا في الكثير من الأمور، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الغيمة السوداء قد أرخت بظلالها على العلاقات بين البلدين ونأمل أن تكون قد انقضت نهائيا وانطلقنا إلى مرحلة جديدة».

وهل تشعرون بالفارق الآن؟ يجيب: «أكيد، بدأ الوضع يتغير بشكل كبير بعد القمة الثنائية في عام 2008، والآن بعد زيارة الرئيس الحريري حصلت قفزة نوعية إلى الأمام، وكل المؤشرات تدل على أن الأمور تسير بشكل إيجابي جدا والتواصل مستمر والخطوات التي تم الاتفاق عليها يتم تنفيذها بشكل تدريجي».

وفيما يتعلق بالزيارة التي تحدث عنها الرئيس سعد الحريري إلى سورية، تقول مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن «لا شيء جديا على النار بعد» في شأنها، فيما يقول خوري أن لا معلومات لديه بشأنها بعد. ويضيف: «هناك توافق على مراجعة الاتفاقات بين البلدين وأن يطرح كل جانب التعديلات التي يراها مناسبة على هذه الاتفاقات. الرئيس الحريري صرح بأنه سيجري مراجعة لهذه الاتفاقات، وسيصار إلى عقد اجتماعات لبحث الموضوع، وهو صرح بأن الاجتماع سيكون في سورية. أعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد، والجانبان يسرعان عملية المراجعة». موضحا أن «الأجواء تؤشر أن الاجتماع سيكون على مستوى رئاسة الحكومة في البلدين، لكن لا مواعيد محددة بعد. أما زيارة رئيس الحكومة السورية التي تم الحديث عنها، فهي «زيارة حكي عنها في الإعلام فقط» كما يشير خوري، ويقول: «الأمور لم تحدد بمواعيد، وتصريح الرئيس الحريري يؤشر إلى توافق على عقد الاجتماع في سورية».