توتر جديد في العلاقات الفرنسية - الجزائرية على خلفية مشروع قانون يجرم الاستعمار

زيارة بوتفليقة إلى باريس مغيبة.. وزيارة كوشنير إلى الجزائر غير مؤكدة

TT

دخلت العلاقات الفرنسية - الجزائرية مجددا منطقة من «المطبات الهوائية». فرغم مرور 48 عاما على استقلال الجزائر عن فرنسا، فإن البلدين يعيشان باستمرار حالة من التمزق المؤلم التي تتغذى من وجود ملفات غير مغلقة تطفو دوريا على سطح الأحداث.

آخر تجليات الأزمة بين باريس والجزائر هناك السجال الدائر حول مشروع قانون قدم إلى البرلمان الجزائري، وحظي بدعم وتوقيع 125 نائبا ينتمون إلى المكونات الأساسية للمجتمع السياسي الجزائري، وهي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم، وكلها تشكل «التحالف» الداعم للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وينص مشروع القانون، الذي تقدم به النائب موسى عبدي، على «تجريم» فترة الاستعمار الفرنسي، التي استمرت 130 عاما، وإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة المسؤولين عنه، أي الدولة الفرنسية، وأخيرا رفع دعاوى ضد فرنسا أمام المحاكم الدولية.

يأتي السجال الجديد كرد فعل جزائري على ما قامت به باريس، التي أدرجت الجزائر على لائحة البلدان الـ14 التي يتعين على مواطنيها الخضوع لإجراءات تفتيشية إضافية في المطارات الفرنسية لدى سفرهم إلى الولايات المتحدة. وجاءت التدابير الفرنسية عقب محاولة المواطن النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة أميركية في الجو يوم 25 ديسمبر (كانون الأول). وعلمت «الشرق الأوسط» أن باريس «لم ترد رسميا» على طلب تقدمت به الجزائر لنزع اسمها من اللائحة.

ولم يتأخر الرد الفرنسي على مشروع القانون الجزائر، إذ وصفه هوبير فالكو، وزير الدولة لشؤون الدفاع وقدامى المحاربين، بأنه «بادرة مقلقة بشكل خاص وغير مفهومة». وذهب فالكو أبعد من ذلك إذ قال عنه إنه «مهين» لبلاده و«جارح» للذاكرة الوطنية الفرنسية.

وبرز الغيظ الفرنسي عبر كلمات النواب الفرنسيين، منتصف الأسبوع، بمناسبة جلسة مجلس النواب للتصديق على اتفاقية لتعزيز التعاون الثنائي في الميادين الثقافية والتعليمية والتقنية.

ولاحقا، حاول الوزير لوك شاتيل، وزير التربية الوطنية، والناطق باسم الحكومة الفرنسية، التخفيف من حدة الأزمة الناشئة بين الجانبين، فأعلن عقب اجتماع مجلس الوزراء الذي رأسه نيكولا ساركوزي أن باريس «لا تريد التدخل في عمل البرلمان الجزائري»، مضيفا أن اقتراح القانون جاء من صفوف النواب، وأن الحكومة الجزائرية «لم تتبن المشروع». أما وزير الهجرة والهوية الوطنية، إريك بيسون، الذي لم يخف الجزائريون على مختلف مشاربهم تنديدهم بالنقاش الذي أطلقه حول الهوية الوطنية الفرنسية ومكوناتها، فقد لام زميله فالكو لاستخدامه كلمة «مهينة». كذلك فعل وزير الخارجية، برنار كوشنير، الذي أشار إلى امتناع السلطة التنفيذية في الجزائر عن «تبني» المقترح البرلماني.

وتأتي هذه المسألة «الجديدة» لتزيد التراكمات الخلافية بين البلدين، والتي يعكسها التأجيل المتواصل لزيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا، والتي كان من المفترض أن تتم منذ عامين لكنها لم تحصل. وآخر موعد تم تداوله بشأنها كان نهاية العام الماضي، ويبدو اليوم أنها سحبت من التداول. وحسب مصادر جزائرية واسعة الاطلاع في باريس، فإن الجزائر أجلت تباعا زيارات ثلاثة وزراء فرنسيين أبدوا رغبة في الذهاب إلى الجزائر، وهم وزراء الخارجية والداخلية والهوية الوطنية. وكان كوشنير قد قال إنه سيزور الجزائر. لكن، حتى تاريخه، لم يحدد موعد رسمي للزيارة. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن الزيارة «ستتم عندما تنتهي الدوائر المعنية من تحضير الملفات»، التي سيناقشها الوزير الفرنسي في الجزائر.

ولا يمكن الفصل بين هذه الملفات وملف الصحراء الغربية، حيث تتهم الجزائر باريس بالوقوف إلى جانب المغرب، وتتبنى طرحه، لكن «أساس» الخلاف يعود بلا شك، كما يؤكد المؤرخ الفرنسي المعروف بنيامين ستورا، إلى موضوع الاستعمار، حيث رفضت فرنسا باستمرار تقديم اعتذار للجزائريين عن المآسي التي حلت بهم أيام الاحتلال الفرنسي للجزائر، الذي بدأ في عقد الأربعينات من القرن التاسع عشر واستمر حتى عام 1962.

ونظر الجزائريون بكثير من الغضب إلى القانون الذي صوت عليه البرلمان الفرنسي بداية عام 2005 حول مرحلة الاستعمار، والدور الإيجابي الذي لعبه خصوصا في شمال أفريقيا. واعتبره الجزائريون تمجيدا للاستعمار، واستخفافا بما حل بهم، ورفضا رسميا للاعتراف بالمآسي والمذابح التي أنزلها بهم. ولعل مشروع القانون الأخير في البرلمان الجزائري هو رد متأخر عليه.

غير أن توتر العلاقات السياسية لا يقف حائلا دون «ازدهار» العلاقات الاقتصادية والتجارية، وهو ما تمثل في العقود التي حصلت عليها شركات فرنسية كبرى في الجزائر مثل «توتال» النفطية أو «رينو» لصناعة السيارات، مما يعني أن عالم السياسة شيء وعالم المال والأعمال شيء آخر.